ردًّا على استهداف "مطار بن غوريون".. 30 مقاتلة إسرائيليّة تشنّ هجومًا على اليمن!
عن سؤال “وماذا أفادنا السلام”؟
ما عاد جائزاً، بعد حقبة 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، أن يستمرّ السؤال عمّا حقّقه السلام “لنا” لمنع السؤال الأهمّ عمّا حقّقته المقاومة.
ليس في هذا الطرح دعوة إلى المقارنة المجرّدة، بل ضرورة ملحّة لإعادة تقييم المسارات المختلفة التي سلكتها المنطقة خلال العقود الماضية، ونتائجها، ولتوزيعٍ واقعيّ للمسؤوليّات عمّا وصلنا إليه.
قد تبدو فكرة السلام، في خضمّ الدمار الذي خلّفته الحروب في غزّة ولبنان، وفي ظلّ التصعيد المتجدّد في سوريا، وهماً بعيداً أو مرادفاً للاستسلام والتنازل المفرط، مقابل الترويج السهل للمقاومة المسلّحة بوصفها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة. يزيد من “بداهة” هذه القسمة، غياب شريك إسرائيليّ في ظلّ هيمنة اليمين الديني التلموديّ على السياسة الإسرائيلية.
بيد أنّ هذا الحال الراهن، بُني على مسار طويل من التشكُّك في السلام، والعمل الممنهج، بالعسكر والتعبئة، على تقويض فرصه التاريخية التي كان يمكن لها أن تغيّر مسار المنطقة نحو الاستقرار والازدهار.
تلوح، بهذا المعنى، لحظة أوسلو عام 1993، بوصفها بارقة الأمل الأبرز لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال حلّ الدولتين. فقد أتاح الاتّفاق للفلسطينيّين فرصة بناء نواة دولة، للمرّة الأولى منذ نكبة 1948، بالتوازي مع اعتراف العالم، وعلى رأسه الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، بمنظّمة التحرير ممثّلاً شرعيّاً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وفتح الاتّفاق الباب أمام قيام سلطة وطنية فلسطينية تمارس شكلاً من أشكال السيادة والإدارة الذاتية على أجزاء من الضفّة الغربية وقطاع غزّة.
تضاعف أيضاً الدعم الدولي للفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً، وفُتحت قنوات تفاوض رسمية في قضايا الحلّ النهائي مثل القدس واللاجئين.
تحدّيات مسار أوسلو
لم يخلُ، مسار أوسلو من تحدّيات إسرائيلية وفلسطينية، هي الابنة الشرعية لآليّات التصالح الصعب بين شعبين وكيانين يخوضان واحداً من أصعب الاشتباكات القومية والوطنية في الشرق الأوسط. لكنّ ما أقفل نافذة بناء مشروع وطني فلسطيني بالوسائل السياسية والدبلوماسية، هو التحالف الضمنيّ بين اليمين الإسرائيلي واليمين الممانع، بقيادة إيران، الذي استثمر في هجمات “حماس” و”الجهاد” الانتحارية، لإضعاف الثقة الإسرائيلية بالعمليّة السلمية، وتدمير سمعة السلطة الوطنية الفلسطينية، والدفع نحو تصعيد خيارات الرفض والتطرّف في المجتمعَين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد جاء اغتيال الزعيم التاريخي لمعسكر السلام إسحاق رابين ليتوّج الانقلاب اليميني اليهودي والإسلامي على هذا المشروع.
لحظة الانسحاب الإسرائيليّ في عام 2000
لحظة ثانية، حمَّالة أمل، مثّلها انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، بعد عقود من الاحتلال. بدلاً من استغلال هذا الانسحاب ليكون نقطة انطلاق لتعزيز السيادة اللبنانية وبناء دولة قويّة يتاح فيها لمشروع الحريريّة الوطنية تفعيل الإمكانات الاقتصادية الكامنة للبلد، اختار “الحزب” برعاية مباشرة من إيران وسوريا الأسدين تعزيز الترسانة العسكرية لـ”الحزب”، وصولاً إلى حربَي 2006 و2024، اللتين توسّطتهما فصول مدمّرة من انخراط “الحزب” في حروب المنطقة كسوريا واليمن، بكامل انعكاساتها الخطيرة على لبنان.
لاحت أيضاً لغزّة، في عام 2005، فرصة ثمينة لأن يختار المسؤولون عن شعبها مساراً جديداً قوامه الاقتصاد والتنمية والاستثمار وتطوير البنى التحتية. انسحبت إسرائيل من القطاع تماماً، وأُزيلت المستوطنات بالكامل، وتدفّقت مليارات الدولارات من المساعدات. لكنّ “حماس” اختارت تحويل غزّة إلى منصّة لإطلاق صواريخ والاستئثار بالحكم، والحرب الأهليّة مع “فتح”.
لنتذكّر أنّ الحصار الإسرائيلي والإجراءات المصرية المشدّدة حيال القطاع بدأت جزئيّاً بعد فوز “حماس” بأغلبيّة المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون الثاني 2006. ثمّ جاءت عمليّة أسر المجنّد الإسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران 2006 لتصادر فرص المستقبل المختلف لغزّة، من خلال استئناف التصعيد العسكري المباشر مع إسرائيل، واستدراج الحصار الشامل، وتعميق الانقسام الفلسطيني، وصولاً إلى الحرب الأهليّة المصغّرة عام 2007.
إطالة أمد الصّراع
تثبت هذه الأمثلة أنّ القوى الممانعة، أطالت أمد الصراع وكبّرت حجم الخسائر المترتّبة على الشعوب التي ادّعت الدفاع عن قضاياها وكرامتها ومستقبلها.
في المقابل أثبتت مشاريع السلام الناجحة، ولو نسبيّاً، في المنطقة أنّ المكاسب الملموسة تتحقّق حين تتوافر الإرادة السياسية. فقد أنهى اتّفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، حالة الحرب بين البلدين، وأعاد سيناء إلى السيادة المصرية، وحقّق استقراراً مستمرّاً منذ عقود منع انهيار الدولة المصرية أو تبديد مقدّراتها.
لم يكن السلام انحناءً، بل خروج محسوب من دائرة الاستنزاف العبثيّ، بعد إدراك مصر أنّ الإنجاز الجزئيّ الذي تحقّق في حرب أكتوبر لا يكتمل دون مكسب سياسي، يعيد تموضعها كدولة صاحبة قرار سياديّ مستقلّة في تحالفاتها.
في مثال أحدث، يقدّم لبنان دليلاً حيّاً على ضعف الادّعاء الأيديولوجي أنّ لإسرائيل أطماعاً لا نقاش فيها بشأن ثروات جيرانها، وأنّ الصراع معها لا يمكن أن يخضع لأيّ تسوية. ففي عام 2022، وعلى الرغم من العداء المعلن، نجح لبنان عبر وساطة أميركية في توقيع اتّفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، مكّنه من تثبيت حقوقه في حقول الغاز في شرق المتوسّط من دون اللجوء إلى حرب أو تصعيد.
مثلما نجح لبنان في حماية حقوقه، فإنّ التعاون القائم اليوم بين إسرائيل وقبرص في استغلال حقول الغاز يؤكّد أنّ الدبلوماسية، لا الجبهات، هي التي تصوغ خرائط المصالح في شرق المتوسّط.
مسار مدمّر
إذاً يتبدّى خيار “المقاومة”، بما هو بديل عن خيار السلام، مساراً مدمّراً يدفع المدنيون الثمن الأكبر فيه. فغزّة، اندثرت بعد هجوم 7 أكتوبر وفقد عشرات الآلاف حياتهم أو مأواهم. وفي لبنان، أدّت مغامرات “الحزب” العسكرية، وتحالفاته السياسية الحامية للسلاح، إلى انهيار أكثر تعقيداً لمرتكزات الدولة والاقتصاد والمصارف والبنى التحتية وإلى الهجرة والعزلة الإقليمية، على النحو الذي أعاد لبنان إلى ما هو أسوأ من سنوات الحرب الأهلية.
عليه، لا يُسأل معسكر السلام عمّا حقّق، بل ينبغي مساءلة محور المقاومة عمّا أفضت إليه جبهات الرفض والصمود والتصدّي.
إن كانت للسلام أوجه قصور تعتريه، فإنّ مشروع المقاومة قد استوى جريمة موصوفة، إن كان بالنسبة للمسائل الجوهرية، مثل إنهاء الاحتلال، وضمان حقّ تقرير المصير للفلسطينيين، وإعادة بناء الثقة بين الشعوب، أو إن كان بحقّ أبسط معايير الكرامة الإنسانية للشعوب التي يُقاوَم باسمها.
نديم قطيش - اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|