العمّال ينتظرون "العيدية": الـ300 دولار مخالفة للقانون
يشكِّل ضمان الحدّ الأدنى العادل للأجور، محطّة أساسية في مسار تحصيل اليد العاملة لحقوقها. ويحتدم السجال حول رفع الحدّ الأدنى للأجور هذا العام، بالتوازي، مع مناسبة عيد العمّال العالمي. وعوضَ استقبال العمّال عيدهم بتحقيق مطلبهم، يحصلون على تأجيل البتّ بالرقم النهائي للحدّ الأدنى المرتقب، كـ"عيدية" غير مُرَحَّب بها. لكن هذا هو الواقع الذي تطلب السلطة السياسية من العمّال القبول به، ليعبّروا بذلك عن تفهّمهم للأزمة التي تمرّ بها البلاد. أمّا الإصرار على المطالبة بحدّ أدنى للأجور يتناسب مع مستويات التضخّم ويتلاءم مع قانون العمل، فهو عبارة عن تصوّرات "بعيدة من الواقع وهدفها التشويش على المرحلة"، وفق ما يؤكّده وزير العمل محمد حيدر.
وفي عيدها، تنتظر اليد العاملة على مختلف مسمّياتها الوظيفية، تحقيق الحدّ الأدنى من متطلّبات العيش الكريم، بطريقة قانونية، إلاّ أنّ أرباب العمل والسلطة السياسية، يتكاتفون لتعزيز أزمة العمّال بوصفهم الحلقة الأضعف، خصوصاً في ظل غياب التنظيم الصحيح للحركة النقابية التي يفترض بها الدفاع عن حقوق العمال.
لا يوجد معركة
مرَّت الحركة النقابية في لبنان بمنعطفات كثيرة انتهت فصولها إلى سيطرة أحزاب السلطة على النقابات العمالية، وبات الدفاع عن حقوق العمّال يمرّ عبر تلك الأحزاب، وتحوَّلَ انتزاع المطالب إلى "مكرمات" تعطيها الأحزاب بعد التشاور مع أرباب العمل الذين لهم الكلمة الفصل. وللتذكير، فإن الحديث عن العمّال، لا ينطبق فقط على المفهوم القديم للطبقة العاملة التي ارتكزت على العمّال والفلاّحين، أي ركنَيّ الصناعة والزراعة، وإنما يشمل هذا الحديث اليوم، كل مَن يعمَل لدى ربّ عمل، في كافة القطاعات.
والقضاء على النقابات من خلال "تفتيت الحركة النقابية في لبنان بعد اتفاق الطائف"، على حدّ تعبير النقابي أديب بو حبيب، أدّى إلى انتفاء صفة "المعركة" عن عملية الدفع باتجاه إقرار حدّ أدنى عادل وقانوني للأجور. فالمعركة تقتضي تكافؤاً للقوّة بين المتخاصمين، وفي حالة المطالبة برفع الحدّ الأدنى للأجور، لا يوجد تكافؤ، فالطرف الأقوى هو صاحب العمل، الذي يستند على تحالفه مع السلطة السياسية، لإسقاط كل المؤشّرات الاقتصادية وإسقاط السلطة القانون. وكيف لا تقوم السلطة بتخطّي القانون في هذا الجانب، وهي التي "ترعى التهرّب الضريبي وتفرض الضرائب غير العادلة، وتغضّ الطرف عن التهريب وتترك الإنتاج المحلّي بلا حماية"، وفق ما يقوله بو حبيب لـ"المدن".
غياب الحركة النقابية، تَرَكَ العمّال رهينة ما ستقرّره الهيئات الاقتصادية الممثِّلة لأرباب العمل. وبالتالي، فإنّ "النتيجة المسؤولة في 7 أيار المقبل"، على حدّ تعبير حيدر، ستضعها الهيئات وفق مصالحها، فهي رفضت الـ50 مليون ليرة التي اقترحها الاتحاد العمالي العام بوصفه ممثلاً للعمال، وتالياً، الدخول في مفاوضات لم تُحسَم نتائجها قبل عيد العمّال، يؤشِّر إلى أنّ ما سيقبله أرباب العمل ليس في صالح العمّال. علماً أنّ وزير العمل يعتبر أنّ "هناك نقاشاً عميقاً ودقيقاً ومسؤولاً يحصل لحلّ الأزمة". وهذا النقاش يجب أن ينتهي بأرقام منخفضة للحدّ الأدنى للأجور، فبحسب الوزير "لا يمكن الحديث عن أرقام مرتفعة قبل أن يصبح الوضع الاقتصادي سليماً وصلباً".
حماية العمال والإنتاج الوطني
حصر مشكلة العمّال باعتماد حدّ أدنى للأجور هو تسخيف للقضية. ففي حين يبحث أرباب العمل والسلطة السياسية عن مجرّد رقم يرونه مناسباً للعمّال، يرى بو حبيب أنّ القضية الأساسية "ليست رقماً، وإنما سلّة اقتصادية واجتماعية متكامل تحمي العمّال وعائلاتهم، بالإضافة إلى حماية الإنتاج الوطني الذي بدوره يعزّز قدرة القطاعات الإنتاجية على الصمود والمنافسة، ممّا يؤدّي إلى تحقيق مطالب العمّال وأرباب العمل معاً".
والجمع بين مصالح طرفيّ الإنتاج "يخدم العمّال"، إذ أنّ "من مصلحة العامل بقاء فرصة العمل". كما أنّ تحقيق أرباب العمل لمصلحتهم، يأتي، بنظر بو حبيب، عبر "مطالبة أصحاب العمل للدولة بحماية إنتاجهم من خلال تخفيض كلفة الإنتاج، بدءاً من خفض فواتير الكهرباء ورفع الضرائب على المستوردات المنافِسة للصناعة المحلية، ومكافحة التهريب ودعم القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة... وغير ذلك. فرواتب العمّال ليست مسؤولة بشكل كبير عن زيادة كلفة الإنتاج".
بالتوازي، فإنّ الوصول إلى رقم عادل للعمّال، بات مرهوناً بتحسّن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام. ولكن في هذا التصوّر إجحاف كبير بحقّ العمّال، لأنّهم يعانون من تداعيات الأزمة، وانتظار تحسّن الأوضاع الاقتصادية لتتحسّن قدرة أرباب العمل على رفع الحدّ الادنى بالنسبة الصحيحة، يعني تحميل العمّال وزر سوء الأوضاع. علماً أنّ نسبة الارتفاع تكون دائماً غير منصفة. ويلفت بو حبيب النظر إلى أنّ "الحدّ الأدنى للأجور قبل الأزمة الاقتصادية لم يكن مقبولاً، ورفضنا كنقابيين رفع الحدّ الأدنى إلى 700 دولار، معتبرين أنّه يجب أن يكون أعلى من ذلك، قياساً إلى حجم التضخّم. واليوم ارتفع حجم التضخّم كثيراً، وبالتالي، فإنّ طرح 300 دولار أو أكثر بقليل، غير مقبول أيضاً".
ويستند بو حبيب على قانون العمل لرفض أي زيادة مجحفة. فالقانون يوجِب أن يكون الحدّ الأدنى قادراً على تأمين معيشة العامل وعائلته، وتلك الزيادة "تخالف القانون". ثمّ لماذا على الواقعية أن تكون على حساب العمّال، فالوضع الاقتصادي الصعب يطال العمّال أيضاً، وإذا كان على جهة ما تحمّل الوزر الأكبر، فيكون الطرف الأقوى لا الأضعف. ولذلك، على الدولة تطبيق القانون وتأمين الحماية للطرف الأضعف.
ويضيف بو حبيب، أنّه لحماية العمّال "يجب إعادة النظر بنسب الضريبة المفروضة على المداخيل والأرباح. وإعادة النظر بفواتير الكهرباء وإعادة إطلاق عمل مكاتب تساعد العمّال، مثل المكتب الوطني للدواء الذي كان يخفّف نحو 60 بالمئة من كلفة الدواء على المريض المستفيد من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إذ كان الصندوق يستورد الأدوية لحسابه الخاص ويبيعها في صيدلياته الخاصة في مراكزه".
ينظر العمّال بعدم الثقة إلى ما سيرشح عن نقاشات لجنة المؤشّر في 7 أيار. وبعيداً ممّا قد يُقَر، يبقى على العمّال تكثيف جهودهم وتنظيم عملهم النقابي بعيداً من سطوة أحزاب السلطة، ليتمكّنوا من فرض ما يرونه مناسباً لهم وإبطال تهديدات أصحاب العمل وتحذيراتهم من أنّ تحسين شروط العمل يضرّ بالقطاعات الاقتصادية. فهذا التحذير ليس أكثر من ابتزاز.
خضر حسان - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|