أسعار الغذاء متذبذبة... وأرباح التجّار ثابتة

سجلت أسعار السلع الغذائية من لحوم وخضار وفواكه تقلبات في السوق اللبنانية في الأسابيع الماضية، مرتبطة بثلاثة عوامل أساسية: الأسعار العالمية للسلع، ضعف الطلب المحلي، الارتباط الموسمي. لكن الثابت في هذه المعادلة كلّها أن الأرباح الكبيرة التي يجنيها التجّار، ثابتة أو تزيد، ما يعني أن التقلّبات تتحوّل، بفعل غياب الرقابة المحلية، إلى أداة لتعزيز الأرباح التجارية. أي إن الثبات يفرض نفسه على ارتفاع الأسعار وعلى نسب الأرباح التجارية الفاحشة.

في شهر تشرين الثاني 2025 ارتفعت أسعار الغذاء والمشروبات غير الروحية وفقاً لمؤشر إدارة الإحصاء المركزي، وبالأسعار ذات الصرف الثابت مقارنة مع الدولار الأميركي، بنسبة بلغت 17% مقارنة مع الشهر نفسه من السنة السابقة. عملياً، شهر تشرين الثاني هو شهر التحضير لموسم عيدي الميلاد ورأس السنة، لكنه ليس مبرّراً لهذا الارتفاع بأي شكل من الأشكال. صحيح أن هناك نسبة ما من ارتفاع السعر يمكن تفسيرها، إلا أن الأمر يصبح صعباً في ظل انحسار الطلب المحلّي ربطاً بالأوضاع الأمنية السائدة والمخاوف التي تكبّل حركة الاستهلاك المحلية.

وبحلول شهر كانون الأول بدأت الأسعار تسجّل مزيداً من الارتفاع. وبالاستناد إلى المعاينة على أرض الواقع، فإنه في مطلع كانون الأول سُجّل ارتفاع في أسعار الخضر والفاكهة. يقول حيدر، وهو صاحب أحد محال الخضر، إن الحركة اليومية للأسواق تأخذ منحى مختلفاً مع اقتراب العيد، إذ بدأت الأسعار بتسجيل ارتفاعات متّصلة بزيادة الطلب الاستهلاكي، لافتاً إلى أنّ أكثر الأصناف التي تتأثّر، هي الخضر المستخدمة في تحضير السلطات. فعلى سبيل المثال، ازداد سعر صندوق البقدونس المستعمل في تحضير التبولة من 100 ألف ليرة إلى 700 ألف ليرة. «هذا النمط من الارتفاع والتراجع في الأسعار بعد رأس السنة يتكرّر سنوياً» يقول حيدر. ويتوقع صاحب محال «فادي فروتس» حسّان هبرة، أن تشهد أسعار الفواكه ارتفاعاً يُراوح بين 5% و7%.

ورغم انخفاض سعر الفروج بنحو 20 سنتاً، إلا أنه كان يمكن أن يسجّل انخفاضاً أكبر بفعل الوفرة الكبيرة في الإنتاج المحلي. فالطلب على استهلاك الدجاج ليس أساسياً في موسم الأعياد هذا، لكن بحسب نقيب تجّار الدواجن وليم بطرس، فإن «القطاع تكبّد خسائر طوال معظم عام 2025»، موضحاً أنّ «الارتفاع المحدود ما لبث أن انحسر مجدداً نتيجة وفرة الإنتاج في السوق، الأمر الذي أعاد الأسعار إلى مستوياتها المعتدلة». ويوضح المهندس الزراعي علي مصري، صاحب مزارع ومحال «Masri Farms»، أنّ أي تحرّك في أسعار الدجاج قبل رأس السنة يبقى ضمن المسار الطبيعي للسوق إذ «يُسجَّل عادةً ارتفاع محدود في الطلب قبل نحو عشرة أيام من نهاية العام، وهو ارتفاع ظرفي وقصير الأمد، ويتأثّر بعوامل الطلب المحلي وكلفة النقل». ويشير إلى أنّ «الدجاج لا يُعدّ عنصراً أساسياً على موائد رأس السنة، ما يحول دون تشكّل ضغط استهلاكي كبير على الأسعار، في وقت تحافظ فيه أسعار الدجاج المجمّد على استقرارها، مع فارق واضح في الأسعار يجعلها أقلّ بنحو مرة ونصف من سعر الدجاج البلدي». ورغم الانخفاض المحدود والركود في الطلب، إلا أن التوقعات بأن تسجّل أسعار الفروج بكل أشكاله وحالاته، ارتفاعاً عشية العيد، تندرج في إطار تصحيحٍ محدود في الأسعار.

وبحسب المعطيات فإن ارتفاع سعر كيلوغرام لحم العجل الطازج من 12 دولاراً قبل 20 يوماً إلى 14 دولاراً اليوم، متّصل بتقلبات الأسعار العالمية. «الطلب المحلّي شبه معدوم» يقول أمين سرّ نقابة اتحاد القصابين ماجد عيد، مشيراً إلى أن المسلخ الذي كان يذبح 10 رؤوس يومياً بالكاد يذبح رأسين. رغم ذلك أسعار اللحوم في ارتفاع مستمرّ وغير مبرّر محلياً. وبحسب عيد، فإن «أسعار اللحوم في لبنان لا ترتبط بالأعياد»، لأنه في جوهرها «تعود إلى تحوّلات حادّة في الأسواق العالمية». فأسعار اللحوم الحيّة المستوردة من أوروبا ارتفعت منذ نحو عام ونصف عام، يقول عيد، إذ تضاعفت أكثر من مرّتين ونصف، مع تسجيل زيادات شبه أسبوعية على أسعار اللحوم في القارة الأوروبية، وهو ما انعكس مباشرةً على السوق اللبنانية. وبسبب هذه التطورات توقفت دول عدّة، بينها لبنان، عن استيراد اللحوم الأوروبية، ما أسفر عن تراجع في استيراد اللحوم الحيّة بنسبة تراوح من 70 إلى 80% في لبنان.

وسط كل تلك العوامل، تبقى أرباح التجّار ثابتة، فالأسعار لا تنخفض لأن تاجراً ما أو مجموعة تجّار في قطاع ما قرّروا أن يخفضوا الأسعار خارج إطار العوامل التي تتجاوز إرادتهم، بل هم قد اتخذوا قراراً إرادياً بأن يحافظوا على هوامش الأرباح مهما كان الطلب الاستهلاكي ضعيفاً أو مهما ارتفعت الأكلاف الخارجية، وبأي موسم.

زينب عوض - الاخبار