"صوماليلاند" موطئ قدم استراتيجي لإسرائيل في القرن الأفريقي
فجّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قنبلة جيوسياسية مدوّية، بإعلانه اعتراف بلاده رسميًا بإقليم أرض الصومال، المنشق عن جمهورية الصومال عام 1991، كـ "دولة مستقلة ذات سيادة"، لتكون الدولة العبرية بذلك أوّل دولة تعترف رسميًا بالإقليم الانفصاليّ في منطقة القرن الأفريقي.
اهتمام الدولة اليهوديّة بتلك المنطقة ليس وليد ساعته، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستراتيجية قديمة العهد، تعود إلى منتصف القرن المنصرم، وهذه الاستراتيجية أُعيد إحياؤها في العقدين الفائتين، قبل أن تصبّ تل أبيب جام اهتمامها على تلك البقعة الحيويّة، مع سطوع نجم "المتمرّدين الحوثيين" في اليمن، واستهدافهم السفن المبحرة صوب الموانئ الإسرائيلية، مع بدء الحرب المدمّرة على قطاع غزة عام 2023.
لـ "جمهورية أرض الصومال" أهمية استراتيجية وجيوسياسية كبيرة، كان من البديهي أن "تُسيل لعاب" نتنياهو، في ظلّ "الحصار البحري" الذي فرضه الحوثيون على السفن المتجهة صوب إسرائيل إبّان الحرب على غزة. فالكيان المستقلّ عن الصومال والواقع في الطرف الشمالي الغربي منها، يشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب، ما سيمنح إسرائيل موطئ قدم مثاليًا في "صوماليلاند"، يتيح لها التجسّس على حركة "أنصار اللّه" وعلى كامل مساحة اليمن المترامية الأطراف، فضلًا عن مراقبة حركة الملاحة البحرية عن كثب في البحر الأحمر، الممرّ المائي الاستراتيجي الذي يفصل بين "القارة السمراء" و "قارة التناقضات"، ويتصل بالمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب.
لا ريب في أن تل أبيب ترى في اعترافها بالإقليم الانفصاليّ "رغمًا عن أنف" الدولة الصومالية، فرصة دبلوماسية ثمينة، تترافق وسعيها الحثيث لتوسيع مروحة "الاتفاقات الإبراهيمية"، كذلك تعتبر الاعتراف ركيزة استراتيجية وحيوية، تسمح لها بإبقاء أعينها مفتوحة عن قرب على الممرّات المائية الحسّاسة، والتي تعتبرها مرتبطة بأمنها القومي، ما يعزز بالتالي تموضعها في وجه النفوذ الإيراني "المنتفخ" في اليمن. وهنا يبحث رأس الحكومة الإسرائيلية اليمينية عن موطئ قدم عسكري، يُترجَم ربّما في المستقبل بإقامة قواعد عسكرية واستخباراتية على تخوم اليمن، تتيح مواجهة "أنصار اللّه"، والقضاء على تهديدهم خطوط الملاحة البحرية، بدءًا بخليج عدن مرورًا بمضيق باب المندب وصولًا إلى البحر الأحمر. الاقتراب الإسرائيلي من اليمن، سيضيّق الخناق أيضًا على الإمدادات الإيرانية الآتية إلى الحوثيين.
ترنو إسرائيل من خلال اعترافها بأرض الصومال كذلك، إلى عزل الإقليم عن محيطه، وتحويله إلى "جيب" إسرائيلي يدور بالكامل في فلكها في القرن الأفريقي، بالتزامن مع التغييرات الجذرية التي تتحكّم بإيقاعها الدولة العبرية، لا بل تقودها لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بالحديد والنار. ولا يغيب عن البال أيضًا، "الحلم الإسرائيلي" بتهجير الغزيين من القطاع المنكوب. وفي هذا الإطار، طُرح في وقت سابق اسم "جمهورية أرض الصومال"، من بين دول أفريقية أخرى، لتكون "ملاذًا آمنًا" للفلسطينيين المهجّرين، تمهيدًا لتوطينهم هناك، مقابل إغداق الأموال الإسرائيلية على "الكيان الأفريقي" المستقلّ من طرف واحد.
في المقابل، يعتبر المراقبون أن هرغيسا، عاصمة الإقليم الانفصاليّ، تتوق إلى جني ثمار تعاون أمنيّ ومساعدات تكنولوجية وزراعية إسرائيلية، هي بأمسّ الحاجة إليها، في ظلّ وجودها في شبه عزلة دولية، كون أي دولة لم تعترف رسميًا باستقلالها منذ إعلان انفصالها عن الصومال عام 1991 من جانب واحد. وإلى طموح نيل حماية المظلّة الأمنية الإسرائيلية، تأمل "صوماليلاند" أن يشكّل الاعتراف الإسرائيلي بها، باكورة لاعترافات دولية أخرى، وأن يشرّع لها الباب الأميركي على مصراعيه، تمهيدًا لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد "اليتيمة"، والمتعطشة لفك عزلتها الأفريقية، والانطلاق نحو رحاب "جنة" الاقتصاد العالمي.
نايف عازار -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|