الصحافة

مخاوف من "قتال سوري-سوري على الأراضي اللبنانية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليس صحيحاً أن زيارة مساعد مدير جهاز الاستخبارات العامة السوري، العميد عبد الرحمن الدباغ، إلى بيروت الأسبوع الماضي، يرافقه خالد الأحمد الذي يُعدّ أحد أبرز المقرّبين من الرئيس السوري أحمد الشرع، كانت تهدف حصراً إلى البحث عن أنصار النظام السوري المخلوع المقيمين على الأراضي اللبنانية، سواء من رجال أعمال، ضباط أو عناصر سابقة في الجيش السوري والميليشيات المحلية التي تعاونت معه. غير أن ذلك لا يعني، في المقابل، أن الوفد لم يكن مهتماً بهذا الملف أو متابعاً لتفاصيله.

البحث عن "الفلول"

سعت بعض وسائل الإعلام اللبنانية إلى إظهار الزيارة على أنها جاءت بهدف استقصاء المعلومات والبحث عن هؤلاء "المطلوبين الجدد" في المقاهي والمطاعم، في سيناريو يصعب تصديقه ويشبه عملياً البحث عن "إبرة في كومة قش". المؤكد في هذا السياق أن الوفد زار مطعمين على الأقل: الأول يقع في "الزيتونة باي"، تلبيةً لدعوة عشاء مع الوزير السابق علي حميّة بناءً على طلب خالد الأحمد. الثاني مقهى مجاوراً قضيا فيه بعض الوقت، مع الإشارة إلى أن معلومات متداولة تفيد بأن المكان الأخير بات مقصداً لبعض رجال الأعمال والضباط السوريين السابقين.

وعلى أي حال، لا يمكن نفي أن الأجهزة الأمنية السورية تعمل على استقصاء المعلومات وبناء ملفات حول ما تسميه "فلول" النظام السابق من رجال أعمال وضباط وعسكريين. ولا يُخفي متابعون للملف اعتقادهم بأن هذه الأجهزة تمتلك معطيات عن أنشطة ليست عسكرية بالضرورة لبعض هؤلاء على الأراضي اللبنانية.

فعلياً، حمل الوفد السوري هذه الهواجس إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية التي التقى بعض قادتها، من دون الغوص في ما يمتلكه من معلومات أو ما هو متوافر لدى الجانب اللبناني. فقط أثار الشكوك والتكهّنات مكتفياً بطرح أسئلة عامة.

عين الأجهزة مفتوحة

تتابع الأجهزة الأمنية اللبنانية الأنشطة السورية على الأراضي اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة، سواء تلك التي يقوم بها ناشطون معارضون للنظام السوري الجديد من أنصار النظام السابق، أو تلك العائدة إلى جهات محسوبة على الهيكل الجديد للدولة السورية، ولا سيما بعد التحركات التي سُجّلت في 8 كانون الأول الماضي في ذكرى "سقوط النظام" وما ترتب عليها من وضع أمني مستجد. وبحسب المعلومات، لم تُرصد حتى الآن نشاطات ذات أبعاد عسكرية للطرفين، كما لا تمتلك الأجهزة اللبنانية قاعدة بيانات مكتملة حول جميع "الفلول" الموجودين في لبنان، ولا سيما الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بطرق غير شرعية. غير أن ذلك لا ينفي وجود عمل جارٍ لإعداد ملفات حول طبيعة الأنشطة التي يمارسها هؤلاء.

ويُشار هنا إلى أن لبنان شكّل ملاذاً آمناً لنشاط المعارضة السورية بين عامي 2011 و2024، وهي المعارضة التي باتت اليوم في موقع الحكم، فيما يتعامل لبنان حالياً مع أنصار النظام السابق وفق القوانين اللبنانية، أي ضمان وجودهم على الأراضي اللبنانية شرط التزامهم بها.

المنصات هدف

إلى جانب البعد الأمني، تبرز خشية لدى الأجهزة السورية لا تقتصر على نشاط المعارضين وقدرتهم على التأثير داخل المشهد السوري، بل تمتد إلى منصات ووسائل إعلام جرى ويجري افتتاحها في لبنان بشكل متواصل بتمويل شخصيات سورية. هذه المنصات، التي تتوجه بشكل أساسي إلى السوريين المقيمين داخل سوريا، تُتَّهم من قبل دمشق بالعمل على تأليب الرأي العام ضد الدولة، وافتعال مشكلات داخل البلاد، وإثارة النعرات الطائفية، والتحريض على العنف والانفصال. ويُعدّ هذا الملف من المطالب السورية المطروحة على الجانب اللبناني لإيجاد حل له، رغم أن الحكومة اللبنانية تتعامل مع هذه المنصات كما تتعامل مع سائر وسائل الإعلام العربية أو الأجنبية، شرط التزامها بالقوانين المرعية.

التهديد بالاغتيالات

في أعقاب هذا الاهتمام السوري، وبعد مغادرة الوفد بيروت، بدأ مقربون من النظام السوري الجديد بتسريب أجواء عن انزعاج سوري، ولا سيما لجهة ما يعتبره الجانب السوري عدم تعاون لبنان في ما يتعلق بتوقيف "الفلول" أو تسليمهم، ولا سيما أولئك المصنّفين من الدرجة الأولى والمحتمل وجودهم على الأراضي اللبنانية. وترافقت هذه الأجواء مع تداول روايات عن احتمال حصول أعمال أمنية انتقامية، من بينها تنفيذ اغتيالات، على قاعدة "آخر الدواء الكي".

وقد تعزز هذا المناخ مع قيام صفحات سورية ببث تهديدات مباشرة لأنصار النظام السابق الموجودين على الأراضي اللبنانية، إلى جانب تداول صور أعضاء الوفد الأمني السوري خلال تجولهم في بعض مطاعم وشوارع العاصمة بيروت على أنه نشاط يرمي للبحث عن الفلول ، وجرى تقديم ذلك على أنه استعراض أمني يهدف إلى إظهار الجدية و"علو اليد".

اغتيال قيادي في "الطراميح"

جاءت تلك الحملة بنتائج سلبية. لم تمض أيام على تفعيلها حتى عثر على الشاب السوري غسان السخني فجر يوم الاثنين – الثلاثاء جثةً هامدة في إحدى قرى قضاء جبيل، ليتبين لاحقاً أن السخني تم استدراجه من منزله في جونية (قضاء كسروان)، وأقتيد على متن سيارة بيضاء اللون، في حادثة قُرئت على أنها "رسالة أمنية" وبداية محتملة لمسلسل تصفيات على الأراضي اللبنانية، وهو السيناريو الذي تخشاه الأجهزة اللبنانية بشدة.

والقتيل ينحدر من بلدة قمحانة في ريف حماة الشرقي، وكان أحد قادة ميليشيات "الطراميح" (وهي عشيرة سورية تتمركز في حماة)، والتي كانت تُعدّ ذراعاً من أذرع اللواء السوري السابق سهيل الحسن، المعروف بـ"النمر". وقد فتحت الجريمة الباب على سيناريو كان يُفترض أنه مستبعد، ودفعت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى فتح تحقيقات فورية وجدية وعلى درجة عالية من الاهتمام، أسفرت التحرّيات في نتيجته عن توقيف السوري وديغ داغر في عكار. وعلمت "المدن" أن داغر كان في صدد الفرار من الأراضي اللبنانية من خلال معبر غير شرعي.

المفاجأة، أن داغر يعد أحد المقرّبين من خالد الأحمد، وناشط في لجنة السلم الأهلي التي أسسها الأخير لتسوية وضع السوريين من فلول النظام.

ما حدث مع السخني فتح أعين الأجهزة الأمنية اللبنانية التي تخشى من انزلاق الأمور إلى مواجهة سورية- سورية على الأراضي اللبنانية، أو تحولها إلى هجمات متبادلة أو من طرف واحد نظراً للكم الهائل من السوريين على أرضه. وما زاد الأمور تعقيداً، أن التحقيقات تميل بأكثريتها صوب ضلوع رسمي سوري بما جرى.

مكتب تسوية ومصالحات

قبل هذه التطورات، كان العمل جارياً في لبنان على إنشاء ما يشبه مكتب تسوية ومصالحة، بناءً على طلب دمشق وتحت إشراف ما يُعرف بـ"لجنة السلم الأهلي"، بهدف معالجة ملفات سوريين من أتباع النظام السابق، ولا سيما رجال الأعمال. ويُقال إن المشروع كان يسير خطوة خطوة نحو التنفيذ بالتنسيق مع الجانب اللبناني، غير أن مقتل "الطرموح" قلب المشهد رأساً على عقب، خصوصاً أن المؤشرات الأولية للتحقيق تفيد بأن القتيل كان في طريقه إلى تسوية وضعه تمهيداً للعودة إلى سوريا، بناءً على وعود سابقة، قبل أن يقع ضحية عملية استدراج انتهت بمقتله ذبحاً.

عبد الله قمح - المدن

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا