الصحافة

بري يفضح "الغزوة"... ويكشف سرّ المرحلة الأخطر

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في بلدٍ لم تعد أزماته تُعدّ ولا تُحصى، وفي لحظة سياسية تكاد تلامس حدود الانفجار الدستوري والمالي والأمني، اختار رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يخرج عن صمته النسبي، ليرسم بكلماته صورة دقيقة عمّا يعتبره أخطر مرحلة يمرّ بها لبنان منذ عقود.

فالرجل الذي اعتاد إدارة الاشتباكات السياسية ببرودة المحترف، بدا هذه المرّة كمن يتحدّث من قلب العاصفة، محاطاً بحملة تستهدفه مباشرة.

فبري الذي لم يكتفِ بوصف الواقع، قدّم روايته الخاصة لما يجري: "غزوة" سياسية تستهدفه شخصياً، حكومة عاجزة ترمي كرة النار على المجلس النيابي، انقسام داخلي يهدّد الموقف الوطني في الجنوب، واتهامات خارجية تتنقّل بين العقوبات وملف السلاح وتهريب القدرات، رافعا في مواجهة كل ذلك وفي مقابل كل ذلك، لواء "الوحدة" كخيار وحيد لمنع الانهيار الكامل، في بلد فقد القدرة على امتصاص الصدمات.

واضح ان مواقفه، ليست مجرد جولة تصريحات، بل إعلان موقف في توقيت بالغ الحساسية، راسما خط تماس جديد في المعادلة اللبنانية: بين مَن يريد فتح معركة قانون الانتخابات بلا مشروع واضح، ومَن يضغط لفرض قراءة محددة للوضع الجنوبي، ومَن يستخدم ورقة العقوبات كأداة ضغط سياسية.

في ظل هذا المشهد، بدا بري كأنّه يقدّم سردية مضادة، يضع فيها خطوطاً حمراء حول دوره، وحول حكومة يعتبرها مقصّرة، وحول وحدة وطنية يراها مهددة أكثر من أي وقت مضى.

بهذه الخلفية، يصبح تحليل كلام "الاستاذ" واجباً، لفهم مسار المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ الرجل رغم كل الانتقادات، ما يزال حجر زاوية في النظام السياسي اللبناني، ولا يمكن عزل موقفه عن موازين القوى الداخلية والإقليمية. فما الذي أراد قوله؟ وما دلالات الرسائل التي بثّها في مختلف الاتجاهات؟ وكيف يمكن قراءة هذا الخطاب في سياق التحوّلات المتسارعة التي يعيشها لبنان؟

فقد قدم بري، الذي يتقن اللعب على حافة الاشتباك من دون الانزلاق إليه، أمام وفد نقابة محرري الصحافة لوحة مركّبة تختلط فيها الرسائل، في خطاب يشي بأنّ المرحلة المقبلة ليست عادية، وأنّ ما يواجهه اليوم ليس تفصيلاً في مسيرته الممتدّة منذ عقود، أهمها:

- الرسالة الاولى من بوابة الحملات السياسية، حيث أوحى بأنّ الهجوم عليه ليس ردّ فعل ظرفياً، بل حملة ممنهجة من "طرف معروف"، يحاول جره الى معركة استنزاف لا يريدها، خصوصاً في لحظة تتشابك فيها الملفات، ويتحوّل كل تفصيل إلى مادة اشتباك إضافي داخل الساحة اللبنانية.

- الرسالة الثانية انتخابية، ظهر فيها أكثر حدّة، فالرجل الذي يتعامل مع هذا القانون باعتباره المفتاح السياسي للنظام اللبناني، أراد التأكيد أنّ أي تعديل لا يمكن تمريره بالقوّة، وأنّ الحديث عن الإصلاحات الانتخابية من دون توافق، ما هو إلا رمي كرة النار في حضن المجلس النيابي، معيدا توجيه السهام نحو الحكومة، رافض أي سيناريو تمديد أو فراغ جديد.

- الرسالة الثالثة خارجية، بدا "الرئيس" كمن يحاول ضبط توازن دقيق، بين الهواجس الأمنية والاتهامات الدولية، متحدثا عن تحريض عمره "أكثر من 12 سنة"، متعاملا مع هذا الملف ببرودة مقصودة، في إشارة إلى أنّه ليس في وارد تضخيم الموضوع ولا تجاهله أيضاً.

- الرسالة الرابعة جنوبية، هذا الملف حضر بقوة في كلامه، حيث حاول رسم صورة مضادة "للرواية الإسرائيلية"، حيث رأى أنّ غياب موقف لبناني موحّد تجاه الاعتداءات، يفتح الباب أمام روايات خارجية تستثمر الانقسام الداخلي. من هنا تأتي عبارته المفتاحية: "أعطوني وحدة... عندها لا خوف على لبنان".

- الرسالة الخامسة عربية، أراد منها التأكيد أنّ الانفتاح الخليجي على لبنان لا يزال قائماً، وأنّ أبواب الرياض لم تُغلق يوماً أمامه، تزامنا مع تداول سيناريوهات عن تغيّر المزاج العربي تجاه لبنان.

- الرسالة السادسة الودائع، مع ذهابه إلى حدّ إعلان موقف لا التباس فيه: "الودائع مقدسة"، غاسلا يديه من اي عرقلة، مشددا على أنّ المجلس أقرّ معظم القوانين الإصلاحية، باستثناء قانون "الفجوة المالية" الذي كان على الحكومة إنجازه.

في خلاصة المشهد، اعتبر بري أنّ الأزمة الحالية هي "الأخطر في تاريخه وفي تاريخ لبنان"، لكنّه عاد إلى ما يشبه شعاراً سياسياً يكرّره أكثر من مرّة: "لا خلاص إلا بالوحدة"، حيث أن كل حديث عن العزل أو الإلغاء لم يعد صالحاً، في بلد لم يعد يحتمل كسر أحد مكوّناته.

بهذا المعنى، كان كلام رئيس المجلس أقرب إلى خريطة طريق سياسية منه إلى موقف ظرفي. فالرجل، رغم العواصف، لا يزال ثابتاً على قاعدة واحدة: الوحدة أولاً... وما دونها تفاصيل. 

ميشال نصر -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا