الصحافة

مآزق الجنوب والاستنزاف: الميكانيزم تتفرَّج واليونيفيل عاجزة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على الرغم من المناورات التي يجريها الجيش الاسرائيلي على حدوده الشمالية مع سيناريوهات المحاكاة لحرب محتملة، يمكن القول حتى الآن إن التهويل بضربة واسعة على لبنان لا يزال في إطار الحرب النفسية، في حين أن الحرب لم تغِب عن الجنوب في أي يوم من الأيام. فاسرائيل تضرب متى شاءت بالمدفعية والغارات وتفخّخ منازل في القرى اللبنانية وتستهدف مباني بذريعة أنها بنى تحتية لحزب الله وتقتل لبنانيين بحجّة أنهم قياديّون في الحزب.

منطقة عازلة جنوباً تتعزّز بجدران

بموازاة الإعتداءات، تفرض اسرائيل أمراً واقعاً جديداً بالقوة عبر خلق مناطق عازلة ليس فقط بالتهجير وإنما عبر تحصين حدودها بجدران عازلة كان آخرها بمحاذاة موقع حدب يارون في الأراضي المحتلّة، تخطت فيه اسرائيل الخط الأزرق بحسب مسح أجرته اليونيفل. إذ يؤكد تقرير قوات حفظ السلام أن الأعمال بدأت في الجدار في تشرين الأول الماضي جنوب غرب بلدة يارون متخطية الخط الأزرق، ما جعل أكثر من 4000 متر مربع من الأراضي اللبنانية غير متاحة للشعب اللبناني. ويضيف البيان أن الأعمال في الجدار التي استكملت في تشرين الثاني، جنوب شرق يارون، تخطّت أيضاً الخط الأزرق.

في نقطة أخرى يقوم الجيش الإسرائيلي بتحصينات في جل الدير جنوب عيترون على الحدود الجنوبية، حيث لا تظهر الصور والخرائط الجويّة التي بحوزة الجيش اللبناني أن الأعمال تخطّىت الخط الأزرق. لكن توثيق ذلك على الأرض يتطلّب معاينة ميدانية من الجيش وهو أمر مستحيل راهناً بسبب الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة. علماً أن المسح الذي أجرته اليونيفل للنقطة المذكورة لم يلحظ تخطّياً للحدود، إذ أكد أن الجدار المشيّد بين عيترون ويارون واقع جنوب الخط الأزرق.

في هذا الإطار تشير المصادر إلى أن اسرائيل تعتزم رسم مشهد الجدار العازل منذ سريان اتفاق وقف النار وأنه أمرٌ ينسحب على معظم القرى الحدودية الواقعة في القطاع الغربي (بحسب تقسيمات اليونيفل) من رميش حتى عيترون. علماً أنه سبق للجيش الاسرائيلي أن خلق مناطق عازلة في الضهيرة الفوقا وبين بلدتي كفركلا والعديسة في القطاع الشرقي.

بهذه الطريقة إذاً تكون اسرائيل قد رسمت مشهدية المنطقة العازلة بكل الوسائل المتاحة. فالجدران الإسمنتية المستحدثة على الحدود من دون حسيب أو رقيب وما تمثّله من رمزيّة قوّة، تضاف إلى احتلال التلال الخمس وبناء مواقع عسكرية في خلة المحافر، عمق بلدة العديسة، وقرب تلة الدواوير المحتلّة بين مركبا وحولا. وهنا يطرح سؤال عن دور لجنة الميكانيزم في مواجهة كل هذه الخروقات؟

الميكانيزم لجنة ربط نزاع؟

عندما أنشئت لجنة الميكانيزم عقب اتفاق وقف إطلاق النار، كان الهدف مراقبة تطبيق وقف الأعمال العدائية من الجانبين، أي إسرائيل وحزب الله. في ما خصّ لبنان، تقع على لجنة المكيانيزم مهمة المساعدة في صد أي عدوان وذلك عبر إبلاغ الجيش اللبناني عن أي حركة غير اعتياديّة لحزب الله حتى يقوم بمعالجتها. لكن سرعان ما تحوّلت هذه اللجنة إلى شاهد صامت وفقاً لما تعكسه الممارسات على الأرض وهو ما دفع في وقت سابق برئيس الجمهورية إلى المطالبة بتفعيل دورها.

في مقارنة بين أعمال اللجنة المنبثقة عن القرار 1701 ولجنة الميكانيزم، يرصد العميد الركن المتقاعد شربل أبو زيد في حديث إلى "المدن"، فارقاً شاسعاً بين فعالية اللجنتين. فخلافاً للتنسيق الذي كان قائماً إبان حرب تموز ال 2006، يرى أبو زيد أن لجنة الميكانيزم قد أطلقت العنان لاسرائيل، بسبب وجود اتفاق ضمني بين أميركا واسرائيل على إعطاء الأخيرة حرية الحركة داخل الأراضي اللبنانية. ويضيف: لو لم يكن هذا الإتفاق الضمني موجوداً لكانت اللجنة ضغطت أكثر في اتجاه انسحاب اسرائيل والاستجابة إلى دعوة رئيس الجمهورية إلى التفاوض، وبالتالي إنّ لجنة الميكانيزم اليوم هي لزوم ما لا يلزم.

أما السبب الرئيسي بحسب أبو زيد فهو أنه في أعقاب حرب تموز لم يكن القرار الأميركي قد اتّخذ بإنهاء ملف الشرق الأوسط، وبالتالي أوكل الملف اللبناني بشكل أساسي إلى إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، أصحاب الحضور البارز في قوات اليونيفل. أما اليوم فقد اختلف المشهد ومشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام في المنطقة قد وضعَ على السكة إن من خلال إنهاء ولاية اليونيفل بحلول 2027 أو من خلال تعيين أشخاص من حلقة الرئيس ترامب الضيقة في المناطق التي يراد فيها إنهاء نفوذ المحور الإيراني، أي في سوريا والعراق ولبنان.

ويؤكد أبو زيد أن التسوية القائمة بين فرنسا وأميركا ستفضي بعد انتهاء ولاية اليونيفل إلى حجز مقعد لباريس في خارطة المنطقة الجديدة، وذلك عبر تشكيل قوة دولية تكون فرنسا شريكة فيها.

وإلى حين تبلور الصورة في شكل أوضح، سيواصل الجيش الاسرائيلي ضغوطه وخلق الذرائع لاستباحة الأراضي اللبنانية عبر التسويق لفكرة إعادة بناء حزب الله لقواه في منطقة جنوب الليطاني. في حين يؤكد أكثر من مصدر أمني وعسكري أنَّ لا حركة أو نشاط لحزب الله جنوبي النهر، حيث السيطرة باتت للجيش اللبناني من خلال الجهد الذي يقوم به لتنفيذ خطة حصر السلاح هناك، بالتنسيق مع اليونيفل أو وحده.

اليونيفل تقليص للعديد وزيادة للمهام

قبل أشهر على انتهاء مهلة التمديد لليونيفل بدأت الأخيرة بتقليص عديدها في الجنوب، لكن التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني لا يزال قائماً على كل المستويات لمراقبة الحدود وتوثيق الاعتداءات وحفظ السلام في المنطقة الواقعة تحت الحرب.

وعلمت "المدن" أن قوات اليونيفل تعتزم تسيير دوريات على طول الخط الأزرق، إضافة إلى وضع نقاط مراقبة ليلية غير ثابتة بتوقيت غير معلن ومتبدّل لن يكشف عنه لأي جهة، وذلك بهدف استكمال عمليات المراقبة وتوثيق الخروق.

لكن قوات اليونيفل تعلم أن هذه المهمة دونها صعوبات في ظل تفوق إسرائيل الجوي، الذي يتيح لها رصد أي نقطة مراقبة والالتفاف عليها لتنفيذ خرق في مكان آخر غير خاضع للمراقبة.

أما التحدّي الآخر فهو متعلّق بسلامة قوات حفظ السلام. فجنود اليونيفل الذين كانوا يدخلون الملاجئ عقب الانذارات الاسرائيلية بشن هجوم صاروخي، لن يكونوا قادرين على فعل ذلك مع تنفيذ مهام المراقبة. وبالتالي فالخيار المتاح هو تقاسم الأدوار بين الجنود داخل الملاجئ وخارجها في حال إطلاق صفارات الإنذار.

تعلم قوات اليونيفل أن مهمّتها اليوم تزداد صعوبة مع كل ما سبقها من دفع اسرائيلي لإنهاء وجودها في الجنوب. وهذه الصعوبة يوازيها التحدّي الكبير الذي يواجهه الجيش اللبناني في التصدي لأي خرق إسرائيلي واستكمال عملية حصر السلاح في جنوب الليطاني واحتوائه على كامل الأراضي اللبنانية. وبين هذا وذاك لا تبدو معالم حرب الاستنزاف واضحة في المرحلة المقبلة.

لارا الهاشم - المدن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا