توغلات "إسرائيليّة" جنوب سوريا...المشاريع التوسعيّة لا تنتظر التوافقات
لم تنقطع الإعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري منذ شهر كانون الأول الفائت. فبعد مرور ساعات فقط على سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت «تل أبيب» عن إن « اتفاقية فك الإشتباك الموقعة عام 1974 مع النظام السابق، لم تعد سارية»، أو بمعنى آخر لم تعد تلبي «احتياجاتها الأمنية»، التي توسعت على وقع شعورها ب» فائض القوة الإسرائيلي»، الذي قابله على الضفة الأخرى « فائض ضعف» عربي لم يصل في أي يوم من الأيام، للدرجات التي وصل إليها في الوقت الراهن .
وقد وثقت منظمة «مراقبة حقوق الإنسان السورية - إيتانا» ما يقارب 200 عملية توغل اسرائيلي في الجنوب السوري، كانت قد حصلت في المرحلة الممتدة بين أواخر العام 2024 ومنتصف شهر تشرين أول المنصرم . ومع ذلك فقد اتخذت تلك الإعتداءات أبعادا أكثر خطورة بعد هذا التاريخ. ففي أواخر شهر تشرين أول المنصرم، أقامت قوة للإحتلال حاجزا على «أوتستراد السلام» في ريف محافظة القنيطرة، على بعد نحو 40 كم عن العاصمة دمشق، في خطوة تحمل الكثير من الدلالات، والكثير من الإستفزاز للحكومة السورية، ومن المؤكد أن من بين مراميها هو الضغط عليها، وإظهارها بموقف» العاجز» أمام جمهورها .
فقد نفذ جيش العدو الإسرائيلي في غضون الأيام الثلاثة المنصرمة، ثلاثة توغلات جديدة في مناطق الجنوب السوري :
- الأولى يوم الثلاثاء، الذي شهد توغلا الأخير في ريف القنيطرة، وجرى فيه نصب حاجز بين قريتي» أم باطنة» و» جبا» .
- الثاني يوم الأربعاء، الذي شهد توغلا اسرائيليا على الطريق الواصل بين قرية» أبو غارة» وبلدة» سويسة» في ريف القنيطرة الجنوبي .
- الثالث يوم الخميس، حيث وصل «الجيش الإسرائيلي» إلى بلدة « صيدا الحانوت»، وقام بتجريف عشرات الدونمات من الأراضي، كما أقام ساترا ترابيا على مدخل البلدة، بالتزامن مع توغل قوة أخرى نحو قرية « صيصون» بريف درعا الغربي .
واللافت هو أن رد فعل الحكومة السورية، كان قد اقتصر على الجانب الإعلامي، ولم تعقب السلطات السورية على تلك التوغلات حتى بالصورة المعتمدة سابقا، والتي كانت تقوم على إدانة الإنتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية، والتأكيد على التزام دمشق باتفاق « فك الإشتباك» الموقع بين الطرفين العام 1974 .
وكان الجانبان السوري و « الإسرائيلي»، قد عقدا في غضون الأشهر الماضية، جولات تفاوض مباشرة أربع، وقد جرى الحديث عن جولة خامسة سوف تعقد عما قريب بين الطرفين. ويهدف الطرفان من خلال تلك الجولات، التي تجري بدعم وإسناد أميركيين، للوصول إلى توافقات أمنية، يمكن لها أن تلبي مطالب الطرفين، وتضع حدا لسلسة الإنتهاكات الإسرائيلية، التي غالبا ما تؤدي إلى اعتقال العديد من المدنيين، وتدمير مقومات عيشهم، خصوصا في القطاع الزراعي، وتقييد حركة هؤلاء في محاولة لدفع النسبة الغالبة منهم للنزوح عن مناطقهم وقراهم.
وغالبا ما تبرر «تل أبيب» تلك التوغلات، التي تمثل انتهاكا صارخا للسيادة السورية، وانتهاكا صارخا أيضا للقانون والمواثيق الدولية، بإحدى أمور ثلاثة :
1 - «تل أبيب» تسعى من خلال تلك التوغلات إلى حماية» الجبهة الشمالية»، ومنع تكرار سيناريو غزة 7 تشرين أول 2023، انطلاقا من الجنوب السوري، وهي لا تنسى هنا أن تسوق لرؤيا مفادها أن السلطات السورية الجديدة، أو القواعد التي تستند إليها على الأقل، هي ذات صبغة» أصولية»، أشد تطرفا من تلك التي كانت تتبناها حركة حماس، التي أطلقت ذلك السيناريو .
2 - «اسرائيل» تسعى لـ» حماية الأقليات»، خصوصا منها تلك التي لها امتدادات في داخل» اسرائيل»، والتي يقصد بها هنا «الطائفة الدرزية» .
3 - كما تسعى لقطع طريق المساعدات العسكرية الإيرانية، الرامية لدعم المقاومة في الجنوب اللبناني .
من المؤكد أن كل تلك» المبررات»، باستثناء الأخير منها، تندرج في سياق تسويق إعلامي محض، ولا علاقة له بالمرامي الحقيقية لتلك التوغلات، التي تهدف من خلالها إلى إعادة رسم المسرح الجيوسياسي في المنطقة برمتها .
فعلى مدار الأشهر العشرة المنصرمة استطاعت «تل أبيب» أن تؤسس ل 9 مواقع اسرائيلية دائمة في العمق السوري، وهذا سيكون كفيلا بتوفير بنية تحتية عسكرية، قادرة من خلالها على تفكيك أي مجموعات، يمكن لها أن تعمل ضد التمددات الإسرائيلية الحاصلة على الأراضي السورية، بل وقادرة على منع أية قوة اقليمية، من أن تؤسس لوجود لها في سوريا، ويكون من شأنها أن تلعب دورا إسناديا للجيش السوري، الذي فقد 90 % من قدراته في غضون الأيام الثلاثة الأولى فقط لسقوط النظام . ثم إن السيطرة الإسرائيلية على الجنوب السوري ، من شأنه أن يشكل جدارا حمائيا للضفة الغربية، التي تسعى «اسرائيل» إلى ضمها لاحقا، ولربما تكون «الخطة الإسرائيلية» المقبلة هي نقل جزء من سكان جنوب سوريا إليها، أي إلى الضفة الغربية، ونقل جزء من سكان الضفة إلى الجنوب السوري.
عبد المنعم علي عيسى -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|