الصحافة

زيارة فيدان لواشنطن... مُؤشر جديد على تراجع النفوذ التركي في سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

برزت تركيا كلاعب محوري في سوريا، عشية السقوط المدوي لنظام بشار الأسد. وعلى الرغم من تنافرها مع نظام الاسد الذي ظهر بوضوح منذ شهر آب 2011، بعد لقاء أحمد داؤود أوغلو مع الأسد بدمشق، حيث لقبت أنقرة بـ«الداعم الأكبر» لقوى المعارضة السورية وهي: «المجلس الوطني السوري» الذي تأسس شهر تشرين الاول 2011، و «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» الذي نجم عن توسعته في شهر أيلول 2012، ليضم قوى وشخصيات علمانية وليبرالية ويسارية.

فإذا كان يصح توصيف النفوذ التركي  بـ «الناعم» في تلك المرحلة، فإنه لم يلبث أن خلع هذه الصفة، بعيد نجاح أنقرة في الحصول على ضوء أخضر أميركي وروسي، لشن ثلاث عمليات عسكرية ما بين 2016 - 2019، كان من نتيجتها ترسيخ نفوذها «الخشن»  في مناطق الشمال، والشمال الشرقي من سوريا.

وبعيد 8 كانون الاول بأيام قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مؤتمر صحافي «لا يعرف أحد من يقف وراء الطرف الآخر (في سوريا)، وأنا أعرف، هذه تركيا... إن تركيا هي من يقف وراء ذلك». ثم قال ترامب بوضوح أكثر يوم 25 أيلول المنصرم، حين توجه إلى الرئيس التركي قائلا «أعتقد أن هذا الرجل مسؤول عن سوريا، وعن نجاح معركة تخليصها من زعيمها السابق، إنه لا يأخذ تلك المسؤولية على عاتقه، لكنه في الواقع إنجاز عظيم». هذا الكلام كان أقرب لامتداح الدور التركي في إنجاز تحول جيوسياسي كبير، ما كان له أن ينجز من دون إسناد تركي، برغم أن الفعل كان مستوفيا لشروطه الدولية والإقليمية منذ شهر أيلول الذي سبق حدوثه.

والثابت هو أن تلك التصريحات لم تكن تمثل اعترافا بوجوب إطلاق اليد التركية على امتداد الجغرافيا السورية بالغة الحساسية، والشاهد هو أن تنامي الدور التركي كان قد واجه في سوريا ما بعد الأسد، معارضة كبيرة من دول إقليمية عديدة، أبرزها «اسرائيل» ومصر والسعودية، ناهيك بأن «المشروع» التركي في سوريا، الذي مثل «رافعة» هي الأهم للسلطات السورية الجديدة، قد ازدادت تحدياته بعد تعارض العديد من بنوده مع الأهداف الأميركية والفرنسية، خصوصا منها تلك التي تتعلق بملف الشمال، والشمال الشرقي من البلاد. ولذا فقد كان من المبكر القول بـ «علو كعب» أنقرة على الساحة السورية، حتى ولو أقر العديدون بنسب إنجاز 8 كانون الاول إليها لاعتبارات عديدة، أبرزها الموقع الذي تحظى به تلك الساحة، والذي يجعل من المتغيرات الحاصلة فيها، أمرا شديد التأثير في اتجاهات المشهد الإقليمي، ومنها علاقات أنقرة المعقدة  مع الجارين الروسي والإيراني، وبدرجة أقل مع جوارها الأوروبي، الذي ينظر إلى محاولات تمددها في الخارج، على أنه قد يهدد استقرار القارة العجوز، أقله على المديين المتوسط والبعيد.

يمكن القول إن الدور التركي قد بدأ بالتراجع في سوريا على وقع معطيين:

- أولا: «تل أبيب» عمدت إلى رسم خطوط التمدد التركي بالنار بعيدا عن التوافقات، والشاهد هو أن العشرات من المواقع كانت قد تعرضت لقصف سلاح الجو الإسرائيلي، بعيد وصول عتاد أو أسلحة تركية إليها.

- ثانيا: نجاح الولايات المتحدة وأوروبا، في فرض شروط على دمشق تحت ضغط التلويح بعدم رفع العقوبات عنها، إذا بقيت على سياساتها الرامية إلى ترسيخ نفوذ تركي من النوع المستدام على أراضيها.

وبناء عليه، فقد تحول الدور التركي من طرف مؤثر في أدق تفاصيل المشهد السوري خلال الأشهر الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، إلى طرف  محدود التأثير في ذلك المشهد، الذي باتت تفاصيله ترسم في عواصم القرار الكبرى، ومما تشير إليه زيارة وزير الخارجية التركي حقان فيدان إلى واشنطن، بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري إليها، واللقاء الثلاثي الذي جمعه إلى جانب نظيريه السوري والأميركي، والطريقة التي حدثت بها.

فما تسرب عن ذلك اللقاء، هو أن ذلك لم يكن حدثا عابرا، أو أنه جاء في سياقاته الطبيعية، بل كان أشبه بمحطة سياسية كاشفة لحجم «القلق»، الذي يراود غرف صناعة القرار السياسي في أنقرة حيال التطورات السورية، والتي شكلت زيارة الشرع لواشنطن فيها، ذروة تنبئ بوجود قرار يقضي بتحجيم الدور التركي في سوريا، وإعادته إلى الحدود التي كان عليها ما قبل كانون الاول الماضي.

بشكل ما، يمكن القول إن زيارة فيدان لواشنطن، تمثل مؤشرا على تراجع «المشروع» التركي في سوريا لمصلحة نظيره الأميركي، الذي يلقى قبولا من أطراف عديدة أبرزها السعودي والمصري. ولم يكن الحضور التركي، وفق ما ظهر عليه، على أنه حضور من النوع «المقرر»، بل حضورا هو أقرب للـ «الشاهد» على ما يجري، أو حضورا مراده «إخبار» أنقرة بما يجري على أبعد تقدير.

يقول المبعوث توم براك في بيانه التفصيلي، الذي نشره غداة زيارة الشرع إلى واشنطن : «في جلسة ثلاثية محورية مع وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخارجية التركي حقان فيدان، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، رسمنا المرحلة التالية من إطار العمل الأميركي- التركي - السوري: دمج «قوات سوريا الديموقراطية» في الهيكل الاقتصادي والدفاعي والمدني السوري الجديد».

لكن هذا عكس ما كانت أنقرة تريده، وقبولها به، يعني قبولها لـ «خلط الزيت بالماء» وفقا لمنظورها، ولعل هذا سيكون من النوع ثقيل الوطأة على خيارات دمشق، التي تدرك إن «إثارة» أنقرة على هذا النحو، أمر لن يكون محمود العواقب، في ظل سعي السلطات الراهنة إلى ترسيخ استقرارها، الأمر الذي يتطلب حسابا دقيقا لحجوم وتأثيرات الأطراف الفاعلة على الأرض السورية، وأنقرة حتى اليوم تمثل طرفا من الصعب تجاهله.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا