الصحافة

هل تفتح "تل أبيب" الباب أمام زيارة البابا أم تغلقه؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في الشرق الأوسط، لا تمر الزيارات البابوية مرور الكرام. فهي ليست مجرد محطات روحية عابرة، بل رسائل مشفّرة تُقرأ على مستويات متعددة: لاهوتية، إنسانية، وسياسية. ففيما تتهيأ بيروت لاستقبال البابا ليو الرابع عشر ، في زيارة وصفت في دوائر الفاتيكان بأنها "دعوة إلى الرجاء وسط العاصفة"، تراقب العيون في "تل ابيب" وترصد ما بعد الزيارة، حيث تقرأ هذه الخطوة بكثير من الحذر، على وقع تساؤلات حول توقيتها ودلالاتها ومآلاتها، خصوصا في ظلّ لحظة إقليمية يختلط فيها البعد الروحي بحسابات الجغرافيا والاستراتيجيا.

فمنذ أن أعلن الكرسي الرسولي عزم الحبر الأعظم زيارة لبنان، تتابع المؤشرات من داخل "إسرائيل" على أن المؤسسة الأمنية والديبلوماسية تتعامل مع الملف بجدية استثنائية، على ما يردد ديبلوماسي غربي في بيروت، اذ ان لبنان بالنسبة إلى "إسرائيل" ليس مجرد جار مضطرب، بل مساحة حساسة تقع على تماس مباشر مع حدودها الشمالية، وفيها يتقاطع النفوذ الديني والسياسي والعسكري بصورة لا شبيه لها في المنطقة. من هنا، فإن أي زيارة لشخصية رمزية كالبابا، لا يمكن أن تفهم بمعزل عن شبكة التوازنات التي ترسم المشهد اللبناني والإقليمي معاً.

وتتابع المصادر، بان "تل ابيب" ترى في الزيارة المرتقبة أكثر من بادرة رعوية، فالفاتيكان، وإن كان يرفع راية الحياد الديني، إلا أنه لم يتخل يوماً عن أدواره الديبلوماسية الهادئة في نزاعات الشرق الأوسط، من فلسطين إلى العراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان، حيث ترجمت مواقف الحاضرة البابوية إلى رسائل سياسية، ما يولد الخشية لدى بعض الأوساط الإسرائيلية من أن تتضمّن خطابات البابا المرتقبة في بيروت، إشارات مباشرة إلى مأساة الشعب الفلسطيني أو إلى ضرورة إنهاء الاحتلال، وهو ما تعتبره "إسرائيل" تدخّلاً غير مرغوب فيه في صلب ملفّها الأمني - السياسي.

وتشير المصادر الى ان "تل ابيب" التي تحرص على عدم الظهور بمظهر المعارض علنا لزيارة الحبر الأعظم، الا إنها تدير خلف الكواليس نقاشاً جديا حول تداعيات الحدث، وصلت اصداؤه الى واشنطن، التي تردد انها اوصلت رسالة للبابا تنصحه بتأجيل الزيارة راهنا، خصوصا ان "تل ابيب" لم تتعهد حتى الساعة بتعليق طلعاتها الجوية وغاراتها فوق الاراضي اللبنانية خلال وجود قداسته في لبنان، رغم كل الاتصالات الديبلوماسية التي قادتها روما والفاتيكان وفرنسا وواشنطن.

اللافت، أنّ الأوساط الإسرائيلية تنظر أيضا إلى السياق اللبناني الداخلي كعامل حاسم في تحديد نبرة الفاتيكان، فلبنان يعيش واحدة من أكثر مراحله هشاشة منذ تأسيسه: انقسام حاد بين القوى الداخلية، وتحديات اقتصادية غير مسبوقة، وهذا ما يجعل "إسرائيل" أكثر قلقا، إذ ترى أن أي إشارة إلى دعمٍ لمفهوم "الحياد اللبناني" أو إلى "ضرورة حماية التعددية الدينية"، قد تُستثمر ضدها في الخطاب الإقليمي، باعتبارها دولةً تهدد هذا النموذج التعددي.

وتختم المصادر، أما على المستوى الأمني، فتتعامل "إسرائيل" مع الزيارة بوصفها "حدثا استثنائيا عالي الحساسية". فالمسافة بين بيروت والحدود الشمالية قصيرة ،بما يكفي لتجعل أي تحرك ديبلوماسي أو شعبي في العاصمة اللبنانية موضع رصد استخباري دقيق، حيث تفيد تسريبات إعلامية بأنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية تدرس سيناريوهات محتملة لأي انعكاسٍ ميداني للزيارة، سواء في الجنوب اللبناني أو في الأراضي الفلسطينية، حيث قد تستغل فصائل مختلفة المناسبة لإطلاق رسائل رمزية ضد "إسرائيل".

في الخلاصة، يمكن القول إنّ "إسرائيل" تجد نفسها أمام معادلة دقيقة: فهي لا تستطيع معارضة الزيارة علناً، خشية الظهور بمظهر مناهض للرمزية المسيحية العالمية، ولا ترغب في الوقت نفسه أن تتحول بيروت إلى منبر لإعادة تسليط الضوء على مظالمها في المنطقة. لذا، يتوقّع أن تتّبع "تل أبيب" سياسة "الصمت المتحفّظ"، أي المراقبة الدقيقة من دون إعلان مواقف رسمية، والاكتفاء بالتأثير عبر القنوات الديبلوماسية الهادئة مع الفاتيكان وبعض العواصم الغربية.

عليه، فإن الزيارة البابوية المرتقبة إلى لبنان تحمل في طياتها اختبارا جديدا للعلاقة بين الدين والسياسة في الشرق الأوسط. فحين تطأ قدما الحبر الأعظم أرض لبنان، ستتلاقى في اللحظة ذاتها ثلاثة مسارات: المسار الروحي الذي يمثّله الفاتيكان، المسار الوطني الذي يعكسه لبنان المتأرجح على حافة أزماته، والمسار الأمني الذي تراقبه "تل أبيب" بعيونٍ مفتوحة وقلوب متوجسة. تداخل بين الإيمان والسياسة، بين الصلاة والحسابات، تتكشف صورة الشرق الأوسط على حقيقتها: منطقةٌ لا تزال تبحث عن سلامها بين جدران الخوف وحدود النار.

ميشال نصر -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا