الدراجات الناريّة من وسيلة نقل ... الى كابوس يحصد أرواح الناس
فوضى عارمة تجتاح الطرقات في لبنان، فمع الانهيار الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الوقود وصعوبة التنقل، لجأ عشرات الآلاف من المواطنين وغيرهم من المقيمين إلى الدراجات النارية، كبديلٍ أقل كلفة من السيارات، غير أن غياب التنظيم وبيع "الموتوسيكلات" من دون تسجيل رسمي أو لوحات، حولاها إلى وسيلة تنتشر بشكل عشوائي خارج أي رقابة تذكر.
في الشوارع، تحول المشهد إلى ما يشبه الفوضى الممنهجة، سير عكس الاتجاه، تجاوز الإشارات الحمراء، استخدام الأرصفة والممرات الضيقة كممرات بديلة، وقيادة متهورة تهدد حياة السائقين والمشاة على حد سواء. فما كان في البداية "حلا اقتصاديا"، بات كابوسا يوميا يهدد السلامة العامة، في ظل غياب شبه تام للرقابة وتراخي تطبيق القوانين.
ظاهرة مقلقة
ولا يقتصر أثر هذه الفوضى على المشهد العام في الشوارع، بل يختبره السائقون والمواطنون يوميا بأنفسهم، كما يروي شادي وخالد تجاربهما. يقول شادي سائق توصيل عبر تطبيق إلكتروني "اشتريت دراجة مستعملة، لأنني لم أعد أستطيع تحمل مصروف السيارة والبنزين، لكن بصراحة، ما في قانون الكل بيمشي متل ما بدو، إذا التزمت بالإشارة الحمراء بيدقوا لك بزمور كأنك غلطان".
أما خالد، الذي يعمل في توصيل الطلبات، فيؤكد ارتداءه للخوذة، مضيفا "مش الكل بيعمل هيك، في ناس بتفكرها زينة مش حماية، وبصراحة الشرطة بالنادر تتوقف حدا، خاصة بالمناطق الشعبية".
من جهتها، عليا وهي أم لثلاثة أولاد تسكن في بيروت، فتروي بحسرة "كل يوم بخاف عأولادي بالشارع، الموتوسيكلات بتمرق من كل جهة، حتى عالرصيف، الأسبوع الماضي صار حادث وما حدا عرف مين السائق لأن الدراجة بلا لوحة".
أما سحر، وهي موظفة في شركة خاصة، فتعتبر أن "الدراجات النارية حل فعال للتنقل، في ظل الزحمة الخانقة وارتفاع كلفة المحروقات، لكنها تحولت إلى كابوس بسبب القيادة المتهورة"، مشيرة إلى أنها "شهدت أكثر من حادث مروع خلال الأشهر الأخيرة، معظم ضحاياه من فئة الشباب".
وتروي ليلى حكايتها مع الدراجة النارية، وهي موظفة أصيبت بحادث: "كنت راجعة من الشغل، وفجأة دخل دراج عكسي ووقع علي، انكسرت رجلي وما حدا تحمل المسؤولية لا بوليصة تأمين، ولا سائق معروف، ولا حتى تعويض من الدولة".
ضرورة التحرّك السريع لوقف هذا الانفلات
هذه الشهادات تدل على حجم الخطر الذي تواجهه الشوارع اللبنانية يومياً، وتبرز الحاجة الملحة لتطبيق القانون بشكل فعلي، لا أن يبقى حبرا على ورق. ورغم أن قانون السير الجديد رقم 243/2012 ينص بوضوح على ضرورة تسجيل جميع الدراجات النارية، وإلزام سائقيها بارتداء الخوذة، فإن تطبيقه بقي حبرا على ورق. وغياب تطبيق قانون جعل من "الموتسيكلات" قنابل متنقلة، حيث أكدت جمعية "اليازا" أن لبنان يشهد كل يوم سقوط قتيل، نتيجة حوادث الدراجات النارية، ما يجعل هذه الظاهرة مصدر قلق متواصل للسلطات والمواطنين على حد سواء.
وتترجم هذه الثُغر في التطبيق على الأرض، إلى أرقام مقلقة تثبت خطورة الوضع، كما يشير إلى ذلك رئيس جمعية 'اليازا' زياد عقل، حيث أكد أن العام 2025 شهد ارتفاعا ملحوظا في حوادث الدراجات النارية، ليس فقط مع السيارات، بل حتى بين الدراجات نفسها". اضاف "خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، شهدنا ارتفاعا يزيد على 30% في عدد ضحايا الطرقات اللبنانية، تمثل هذه النسبة الحوادث بشكل عام، كما ارتفع معدل حوادث الدراجات النارية بشكل كبير جدا"، داعيا إلى "التحرك السريع لوقف هذا الانفلات حفاظا على سلامة السائقين أنفسهم قبل غيرهم".
وأشارعقل إلى "أن غياب الدولة عن الواقع الميداني والقوى الأمنية كذلك، يمثل مشكلة حقيقية. فرغم قيامنا بحملات توعية، فإن تأثيرها يبقى محدودا، إذا لم تلتزم قوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية بتنفيذ قانون السير. من هنا، يعد التقصير على الطرقات الأساسية مسؤولية قوى الأمن الداخلي، أما على الطرقات المحلية فهو مرتبط بالشرطة البلدية، التي غالبا لا تهتم بموضوع الدراجات وانفاذ النظام على سائقيها"، وشدد على أن "هذا القطاع يحتاج إلى تنظيم كامل، من الاستيراد وصولاً إلى دفتر القيادة لكل دراجة وكل ما يتعلق بها".
إرتفاع عدد الضحايا والجرحى مقلق
وتتوافق هذه المؤشرات مع الأرقام الرسمية الصادرة حديثاً، التي تعكس حجم الكارثة على الطرقات اللبنانية. فوفقا لإحصاءات صادرة حديثاً، وقع في لبنان نحو 2,303 حوادث في الـ 2023، خلفت 439 قتيلا وما يزيد على 2,700 جريح. وارتفعت الأرقام في الـ 2024 حيث رصد 2,365 حادثا و443 قتيلا. أما العام الحالي فهو الأكثر دموي على الإطلاق، إذ تم تسجيل أكثر من 4900 حادث سير وأكثر من 260 وفاة وزهاء 6,700 جريح حتى منتصف العام فقط.
يشار إلى أن قانون السير الجديد يساوي بين الدراجة النارية والسيارة، أي إذا صدمك سائق دراجة نارية أو اصطدمت به، لا تهرب، بل اطلب فورا حضور خبير السير وعناصر الدرك، فالدراجة النارية المخالفة لقانون السير، يتحمل سائقها كامل المسؤولية عن الأضرار التي تسبب بها، ولا تسمح له أبدا بابتزازك أو استغلالك في موضوع الأذى الجسدي إذا كنت ملتزما بالقوانين والسرعة، وهو الذي يحجز وتصادر دراجته، إذا لم يكن بحوزته أوراق ثبوتية ورخصة قيادة، أو لم يكن ملتزما بقانون السير على الطرقات.
وبحسب قوى الأمن الداخلي فإن عدد الدراجات النارية في لبنان يتجاوز مليون دراجة، نصفها تقريبا غير مسجل أو مخالف لشروط السير، و تبدو مهمة المراقبة شبه مستحيلة مع ضعف الإمكانات اللوجستية وتراجع عدد عناصر الضبط المروري.
الكلفة السنوية للحوادث تصل الى نحو 1.4 مليار دولار
وتشير تقارير وزارة الصحة اللبنانية إلى أن حوادث الدراجات النارية تمثل ما يقارب 20% من إجمالي إصابات الحوادث المرورية التي تسجل في المستشفيات الحكومية، غالبيتها بين فئة الشباب دون الثلاثين عاما.
مصدر طبي في أحد مستشفيات العاصمة أكد إلى أنه "كل ليلة نستقبل جرحى من حوادث موتورات، كثيرون بلا رخصة أو خوذة، وغالبا يكون السقوط على الرأس قاتلا، والأسوأ أن بعضهم دون 18 عاما".
في ظل هذا الواقع، تتفاقم الكلفة البشرية والاقتصادية للفوضى اليومية على الطرقات، فوفق منظمة الصحة العالية، تقدر حوادث الطرق عالميا بحوالى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع إلى 5% في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وقدّر برنامج iRAP أن الحوادث الخطرة تكلف العالم أكثر من 2200 مليار دولار سنويا.
أما في لبنان، فتشير الأرقام إلى أن الكلفة السنوية للحوادث تصل إلى نحو 1.4 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف قروض البنك الدولي، لدعم الأسر الفقيرة منذ 2020، وتكفي لبناء معمل كهرباء بقدرة 500 ميغاواط سنويا، وتفوق الإيرادات الجمركية المستهدفة، وتغطي نحو 30% من إيرادات الموازنة العامة أو نصف القرض المتوقع من صندوق النقد الدولي.
ضرورة تطبيق القوانين
وبالنظر إلى هذا العبء الباهظ، يرى الخبراء أن استعادة النظام إلى الشوارع لم تعد رفاهية، بل ضرورة عاجلة، تبدأ بتطبيق القوانين القائمة لا بسن أخرى جديدة، من خلال فرض التسجيل الإلزامي لجميع الدراجات ومنع سير غير المسجّلة، وتنفيذ حملات ضبط مستمرة تتضمن الغرامات والمصادرة عند المخالفة، إلى جانب تدريب سائقي التوصيل وإلزامهم بارتداء الخوذة والسترة العاكسة، وتنظيم استيراد الدراجات النارية ومنع بيعها لمن هم دون الثامنة عشرة، إضافة إلى تخصيص مسارات خاصة لها في المدن الكبرى للحدّ من الحوادث وتحسين السلامة المرورية.
ما يجري اليوم على الطرق اللبنانية ليس مجرد فوضى مرورية، بل انعكاس لأزمة حكم ورقابة تمتد من الدولة إلى أصغر شارع. ورغم أن الدراجات النارية تعتبر وسيلة نقل اقتصادية وسريعة، فإن فوضى انتشارها في لبنان، تحولت إلى تهديد حقيقي للسلامة العامة، فبوجود عشرات آلاف الدراجات النارية، تبرز الحاجة إلى التنظيم وفرض تطبيق القانون بجدية، ومن دون تهاون حفاظاً على سلامة المواطنين.
ربى أبو فاضل - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|