لقاء واشنطن... هل يُؤسّس لـ"قيامة" سوريا الجديدة؟
وفقا للعديد من المؤشرات والتصريحات والبيانات واللقاءات، التي أجراها الرئيس السوري منذ وصوله إلى واشنطن يوم 8 تشرين الثاني الجاري، والتي توجت بلقاء الرئيس الأميركي صباح يوم الاثنين الماضي في البيت الأبيض، فإن وصف الإدارة الأميركية لتلك الزيارة بـ «الخطوة التاريخية» يبدو أمرا مبررا، ليس من حيث إنها كانت الأولى لرئيس سوري، منذ أن أعلن عن قيام «المملكة السورية» شهر آذار من العام 1920، بل لاعتبارات تتعلق بنجاحها في فتح آفاق، كانت على مدى يقارب العقود الستة مغلقة، وبدرجة كفيلة بوضع سوريا في مدارات تبدو شديدة التعقيد، رجل في الشرق ورجل في الغرب.
وانعكاسات تلك الوضعية كانت من النوع ثقيل الوطأة على مجالات الاقتصاد، الذي طغت عليه صبغتان:
- واحدة مشوبة بنفحة « الاقتصاد الاشتراكي»، الذي يحتم على الدولة دعم السلع الأساسية حماية للشرائح التي تعيش تحت خط الفقر، وتلك فتحت بوابة عريضة للفساد، وظهور اقتصاد «السوق السوداء» المواز، الذي ساعد في نخر اقتصاد الدولة.
- وثانية مشوبة بميل خجول لإقتصاد السوق، الذي سادت قوانينه طوال نصف قرن، قبيل أن ينقض عليها «حكم البعث»، ويحيل التجربة برمتها إلى «مسخ» من الصعب تحديد معرفاته.
ومن المؤكد أن الحدث السوري، الذي شهدته الولايات الأميركية ما بين 8 - 10 تشرين الجاري، كان أشبه بخوض غمار تجربة التغيير، بأبعادها الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية، كما من المؤكد أن هكذا «مخاض» لن يكون بلا آلام، بل والمتوقع له أن تكون آلامه مبرحة.
رسميا، أصبحت سوريا العضو الذي يحمل الرقم 90 في «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، الذي أعلنت الولايات المتحدة عن تأسيسه شهر أيلول من العام 2014، وهذا أمر ستكون له حساباته الخارجية، والتزاماته الداخلية. ومن المقدر أن تكون لكلتا الاثنتين تداعيات محمودة على السلم الأهلي السوري، وعلى الأمن الإقليمي المضطرب بمفاعيل أزمات عديدة، لعل من أبرزها طول أمد الصراع السوري.
كما من المقدر أن تكون له تداعيات على تركيبة السلطة التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، لكن حركة «المد والجزر» التي يمكن أن تنشأ داخل السلطة تظل رهينة، وبدرجة كبيرة، بالعامل الاقتصادي. فالتطرف ملاذه الفقر، وهذا ما يجب أن تتكفل به «القاطرة» الأميركية. ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتان في بيان مشترك لهما عن «تعليق العمل بقانون قيصر لمدة 180 يوم»، كانت إدارة ترامب تعلن وفقا لـ«فوكس نيوز»، عن دعوة الكونغرس إلى «إلغائه بشكل كامل»، بغرض «فتح الطريق أمام النمو الاقتصادي».
في المحور الثالث، المتعلق بالعلاقة مع «اسرائيل»، سربت وسائل إعلام اسرائيلية تفاصيل الاتفاق المزمع عقده بين سوريا و «اسرائيل» قبل نهاية العام الجاري، وقد جاء في تلك البنود «الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمراقبة الحدود، وتبادل المعلومات، ومنع أي خروقات عسكرية»، على أن يبقى «الجنوب الاستراتيجي بيد اسرائيل»، وفقا لما ورد في تلك التسريبات. وهذا يشمل ضمنا حصول «السويداء على التزامات تتعلق بحماية الأقلية الدرزية»، في مقابل «تعهد اسرائيلي بعدم شن أي ضربات عشوائية».
وعن هذه التسريبات، قال مصدر في وزارة الخارجية السورية لـ «الديار» إن «دمشق حصلت على 99 % مما تريده من «تل أبيب»، وإن الجانب الأميركي تعهد بعدم قيام «اسرائيل» بشن هجمات ضد مواقع أو نقاط في سوريا، إلا بالتنسيق مع الجانب السوري عبر الوسيط الأميركي»، واكد المصدر انه «جرى الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية : أميركية – «اسرائيلية»- سورية لهذا الغرض، وستباشر عملها في غضون الأيام القليلة المقبلة».
وعن إمكان انضمام سوريا لـ«اتفاقات ابراهام»، أجاب المصدر إن «هذا سابق لأوانه، فالدول الأربع التي انضمت إلى تلك الاتفاقات، لها ظروف تختلف عن الظروف السورية بشكل جذري، ثم إن لسوريا أراضي تحتلها «اسرائيل»، وهذا وحده كفيل بتأجيل أي طروحات من هذا القبيل».
في الملف الذي يمثل الهاجس الأهم للسوريين، أو للمؤمنين بسوريا وطنا موحدا ، يمكن القول إن زيارة الشرع الى واشنطن مثلت خطوة هي الأبرز من بين الخطوات السابقة ، على طريق استعادة الدولة لوحدة أراضيها، وقد أكدت الإدارة الأميركية دعمها لوحدة التراب السوري تحت قيادة الرئيس السوري الجديد، أما ترامب فقال إنه «على وفاق تام معه»، وأعرب عن ثقته في أنه «سيتمكن من أداء مهام منصبه بشكل جيد».
والمرجح أن جولة التفاوض الجديدة التي ستنعقد في الأيام القليلة المقبلة، ما بين ممثلين عن الحكومة السورية وممثلين عن «قوات سوريا الديموقراطية - قسد»، ستكون مختلفة «الطعم والمذاق» عما سبقها من جولات، فالزيارة بعثرت الكثير من أوراق القوة، التي سبق وأن راكمتها في غضون الاحتياج الأميركي لها على امتداد السنوات العشر المنصرمة، ولعل انضمام دمشق إلى «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، سيجعل من القاعدة «الشرعية» التي تقول «إذا حضر الماء بطل التيمم»، هي الناظمة للعلاقة المستجدة بين واشنطن و«قسد».
لكن هذا لايعني أن هناك توجها أميركيا واضحا لدعم قيام «نظام مركزي» صارم في سوريا ، على النحو الذي كان عليه منذ قيام كيانها، والمؤشرات تدل أن التوجه الأميركي الجديد يدعم قيام حكم «لا مركزي»، متفارقا بذلك مع مخرجات «القرار 2254» الصادر عن مجلس الأمن العام 2015، ومتوافقا معه في باقي بنوده، وهذا يشير بقوة إلى وجود رغبة أميركية في إيجاد حلول للـ «المعضلة» السورية، خارج إطار الحل الأممي المتمثل بذلك القرار.
عبد المنعم علي عيسى- الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|