جعجع: أكثر فريقٍ سياسيٍّ يعمل لمصلحة الشيعة في لبنان هو حزب "القوات
السيادة البحريّة مؤمّنة أميركيًا
من الناقورة جنوبًا إلى العريضة شمالًا، بات الشاطئ اللبنانيّ محصّنًا بمظلّة أمنية أميركية، في خطوة تحمل دلالات سياسية واستراتيجية واضحة، مفادها أن لبنان لم يعد أسير المحور الإيراني، وأن فرص عبوره نحو ميناء السلام والازدهار الذي ترسو عليه المنطقة، أصبحت أقرب إلى الواقع من أيّ وقتٍ مضى.
لكن قبل التطرّق إلى هذه القضية، ومن باب تنقية المنطق السياسي من ديماغوجية "الممانعة" وشوائب "السطحيين" الذين يُساوون بين احتلال ورعاية أممية باعتبارهما انتهاكًا للسيادة، لا بدّ من الإشارة إلى قاعدة شبه ثابتة في تاريخ لبنان الحديث: كلّما أُدرج ضمن دائرة الاهتمام الدوليّ، اقترب من السيادة الحقيقية. وكلّما انكفأ عن هذا المدار، ابتلعته لعبة المحاور ووحدة الساحات القاتلة. فالاحتلالان الأسدي سابقًا والإيراني لاحقًا، اللذان دعما الدويلة على حساب الدولة، حوّلاه إلى منصّة لزعزعة الأمن الإقليميّ عبر الميليشيات العابرة للحدود، والارتباطات بشبكات المخدّرات العالميّة، ما جرّ عليه الويلات والعقوبات، و "تهشيل" الداعمين والمستثمرين. في المقابل، يهدف التدخل العربي والغربي إلى انتشاله من حرائق المنطقة، وترسيخ منطق الدولة، عبر دعم المؤسّسات الشرعية والعسكرية فقط.
ماذا يفعل الأميركيون في مياه لبنان الإقليمية؟
بحسب مصدر مطّلع جدًا على العلاقات الأميركية – اللبنانية، يعود هذا الحضور البحري الأميركي المكثف إلى مرحلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عام 2022. على أثر المفاوضات التي قادها مبعوث الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، آموس هوكستين، كان يُرسم مسار موازٍ من "التنسيق والتعاون" بين الجيشين اللبناني والأميركي، أسفر عن التوصّل إلى "اتفاقية أمنية بحرية" تسلَّم بموجبها القوات الأميركية مهمّة مساعدة الجيش الشرعي في حماية المياه الإقليمية اللبنانية، كجزء من استراتيجية أوسع لترسيخ الاستقرار.
وأوضح أن هذا الاتفاق، نُسِجَ آنذاك، بعيدًا من الأضواء، ومن دون إعلان رسميّ مباشر. هو ثمرة مسار تعاون طويل بين الولايات المتحدة ولبنان. فقد شكّلت نجاحات الجيش اللبناني في معركتي "نهر البارد" و "فجر الجرود" نقطة تحوّل في نظرة واشنطن إليه، ما دفعها إلى تكثيف دعمه تدريبًا وتسليحًا وتجهيزًا وحتى ماليًا. وقد تبيّن للإدارة الأميركية أن المؤسسة العسكرية تملك من الكفاءة والانضباط ما يؤهّلها لتكون شريكًا موثوقًا في مواجهة الإرهاب.
وأكّد المصدر أن أحد الأهداف الأساسية لهذه الخطة الأمنية، هو مساعدة الدولة في حماية منشآتها وثرواتها البحرية، خصوصًا الغاز، في ظلّ عدم قدرة الجيش على تأمين هذه المهمة، نظرًا لإمكانياته وقدراته المحدودة. ولهذا، جرت الاستعانة بالأميركيين، الذين تولّوا نشر نقاط مراقبة ومتابعة على طول الخط البحري المعني، بالتنسيق والتعاون مع الجانب اللبناني.
وعن موقف "حزب اللّه" في تلك الآونة من هذا الملف، الذي منح لبنان بعدًا دوليًا لا ينسجم مع مشروعه، أشار المصدر إلى أن "الحزب" لم يكن على اطّلاع مباشر أو تفصيليّ على الاتفاق. فمثل قرار استراتيجي كهذا اتُخذ بين الجيشين اللبناني والأميركي تحت قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، لا يمكن لـ "الممانعة" تعطيله أو التدخل فيه. ولفت أيضًا إلى عامل أساسي في تلك المرحلة، أي قبل التغيّرات الجذرية التي أحدثها "طوفان الأقصى" وسقوط نظام بشار الأسد، حيث كانت خطوط الإمداد والتهريب العسكري والمالي مفتوحة على مصراعيها عبر الحدود، ولم يكن "حزب اللّه" يشعر آنذاك بأي حصار أو تضييق. وبما أن السيادة في أحد مفاهيمها الرئيسية تُقاس بمدى القدرة على حماية الحدود، حيث كانت الجهة الشمالية - الشرقية للبنان مخترقة إلى حدّ كبير من قبل "حزب اللّه"، شكّلت الحدود البحرية خطوط السيادة الفعلية، ما جعلها الأكثر اتساقًا وانسجامًا مع مفهوم الدولة. لماذا؟ لأنها بقيت بمنأى عن شبكات التهريب وعمليات التخريب التي كان يقودها "محور الممانعة".
نقطة أخرى برزت بوضوح بعد إتمام الاتفاق البحري الأمني. في حرب تموز 2006، استخدم "حزب اللّه" ترسانته البحرية لقصف البارجة الإسرائيلية "ساعر 5"، في مشهد عكس آنذاك هامشًا أوسع من الحركة. أمّا في "معركة الإسناد" عام 2023، ورغم التصريحات النارية للأمين العام السابق السيد حسن نصراللّه وتهديداته المتكرّرة بقصف منشآت النفط والغاز الإسرائيلية، وبث فيديوات عن أسلحة دفاعية بحرية يمتلكها، قد تطول البوارج الإسرائيلية، فإنه لم يُقدم على تنفيذ أيّ من تلك التهديدات. فـ "الحزب"، وخلفه إيران، كانا يدركان أن أيّ استهداف بحريّ، قد تعتبره الولايات المتحدة اعتداءً على استراتيجيّتها في شرق المتوسّط واستهدافًا لخطّها الأمني الذي بات يحمي مياه لبنان. وهكذا، في بداية المواجهة التي أطلقها، التزم "حزب اللّه" بقواعد الاشتباك (حيث أساء التقدير بأن الاسناد سيتحوّل إلى تدمير ذاتيّ وسقوط للخطوط الحمراء)، فركّز نيرانه بريًّا في مزارع شبعا، وتجنب طوال الحرب أيّ تصعيد بحري قد يفتح الباب أمام مواجهة مباشرة مع القيادة الوسطى الأميركية.
وفي سياق التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات والجهد الاستخباراتي المشترك، كشف المصدر أن الجيش اللبناني تمكّن في أيلول الماضي من تعقب واعتراض السفينة "هوك 3" خلال محاولتها مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية بطريقة غير شرعية. وأردف قائلًا إن إسرائيل لا تستطيع خرق المياه الإقليمية اللبنانية أو تنفيذ أي عملية بحرية من دون موافقة أميركية واضحة، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخروق، إن حصلت، فقد يُسمح بها فقط ضمن هامش الحرب الدائرة مع "حزب اللّه".
في الخلاصة، شدّد المصدر على أن أمام الدولة فرصة ذهبية نادرة؛ فالمظلّة الأمنية الأميركية، تشكّل ركيزة أساسية لاستعادة السيادة الكاملة، والخروج من دوّامة الحروب والصراعات. إذ إن الولايات المتحدة والأسرتين العربية والغربية لا تملك أطماعًا استراتيجية أو أيديولوجية تتنافى مع فكرة الدولة الوطنية. في المقابل، كان لبنان بالنسبة إلى نظام الأسد وإيران بمثابة وسيلة لرفع مكانتهما الإقليمية، عبر تحويله إلى ورقة تفاوض أو ساحة نفوذ. أما بالنسبة لعواصم القرار الغربي والعربي، فكل ما تطمح إليه هو قيام دولة مستقرّة ومزدهرة، تُدار بمؤسّساتها الشرعية.
طوني عطية -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|