الراعي يطلع من وفد الرؤيا العالمية على مشروع قانون لحماية حقوق الطفل
تعبنا... فهل يتعب السلاح؟
بقلم: دافيد عيسى – سياسي لبناني
لماذا لا يعود حزب الله حزبًا سياسيًا كباقي الأحزاب اللبنانية؟
أطرح هذا السؤال بعيدًا عن أي تحدٍّ، ومن منطلق حوارٍ (لبناني لبناني) صادق، هدفه البحث عن قواسم مشتركة تساعد في تقريب وجهات النظر بيننا كلبنانيين، خصوصًا أن لبنان لم يعد يحتمل المزيد من الانقسامات ولا مزيدًا من الصراعات الداخلية.
هذا سؤالٌ يطرحه اللبنانيون منذ سنوات، وازداد طرحه في الفترة الأخيرة بعد حرب «الإسناد»، دون أن يجد اللبنانيون له جوابًا مقنعًا.
فالمنطق البديهي في أي دولةٍ طبيعية أن يكون السلاح في يد جيشها ومؤسساتها الأمنية الشرعية وحدها، فكيف تكون الدولة قوية إذا وُجد من ينافسها في قرار الحرب والسلم؟ وكيف يطمئن المواطن على مستقبله إذا كان أمنه مرتبطًا بحزبٍ يمتلك ترسانةً عسكرية تفوق قدرات جيشه؟
إن تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني ليس تنازلًا أو خسارةً لحزب الله، بل على العكس، هو خطوةٌ تجعل جيشنا مسؤولًا عن حماية الوطن وحده، وتمنع العدو الإسرائيلي من تبرير اعتداءاته المتكرّرة على أرضنا وشعبنا.
إن ما نسمعه من تصريحاتٍ صادرة عن مسؤولين في حزب الله، والتي تؤكّد الإصرار على الإبقاء على السلاح ورفض أي نقاشٍ حوله، أمرٌ مقلق، ويدعونا إلى طرح بعض الأسئلة المشروعة:
ما الحكمة من إعطاء إسرائيل الذريعة التي تبحث عنها للعودة إلى الحرب؟
وكيف يمكن للبنان أن يطلب من العالم دعمًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو ماليًا لإعادة إعمار ما تدمّر؟
ولماذا تريدون إظهار الدولة وكأنها عاجزة عن تطبيق جوهر القرار 1701 الذي التزم به لبنان أمام المجتمع الدولي؟
إن استمرار هذا الواقع لا يخدم حزب الله ولا بيئته، ولا يخدم الشعب اللبناني عمومًا، بل يضع وطننا مجددًا في موقع الضعف أمام الخارج، ويُظهِر جيشه وكأنه غير قادرٍ على فرض السيادة أو حماية المواطنين.
أما السؤال الأهم، فهو لماذا يبقى حزب الله مرتبطًا بمحورٍ إقليمي؟ أليس لبنان كيانًا مستقلًا له خصوصيته وتاريخه وهويته؟
إن استمرار هذا الارتباط حوّل الحزب إلى أداةٍ في صراعاتٍ إقليميةٍ تتجاوز حدود الوطن، وأدخل لبنان في حروبٍ لا مصلحة له فيها.
أما حول ما قاله أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، ونسمعه من حينٍ إلى آخر من بعض قيادات الحزب: «تحسنون إلينا ولا تسيئون عندما تتهموننا بأننا جماعة الولي الفقيه»، فأودّ أن أقول لقيادة الحزب وعناصره وبيئته، وبكل احترام: عندما نتحدث عن «ولاية الفقيه»، لا نتحدث عنها من الناحية الدينية أو الإيمانية، فنحن لا نتدخل في الأمور الدينية (وكلٌّ واحد على دينه الله يعينه)، ولكم كامل الحرية في معتقداتكم وممارساتكم الدينية، ونحن نحترم ذلك.
إنما ما نتحدث عنه هو تحوّل «ولاية الفقيه» من مرجعيةٍ دينية إلى مرجعيةٍ عسكرية، تُوجّه الحزب نحو خياراتٍ وحروبٍ مدمّرة، كالتي عاشها لبنان مؤخرًا، والتي أودت بحياة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وعددٍ كبيرٍ من قادة الحزب وعناصره، وأدت إلى دمار الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، وتهجير آلاف العائلات من منازلها وقراها، إضافةً إلى ما خلفته هذه الحرب من خسائر على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية كافة.
إن هذا التحوّل العسكري هو الذي نتحدث عنه، وهو ما يضعنا جميعًا أمام مسؤوليةٍ وطنيةٍ لوقف أي سياساتٍ قد تقود إلى المزيد من الحروب والدمار.
لبنان شبع في ان يكون ساحة رسائلٍ بين الدول وعدم استقرار، لبنان يحتاج أن يكون مساحة لقاءٍ وسلام، وطنًا حرًّا سيّدًا مستقلًّا يقرّر أبناؤه مصيرهم بأنفسهم.
لقد تعب اللبنانيون، بكل طوائفهم، من حروب الآخرين على أرضهم، وتعبوا من الدموع والدم والدمار والخراب، خصوصًا بعدما قدّموا الكثير، وضحّوا ودفعوا أثمانًا باهظة دفاعًا عن قضايا ليست قضاياهم.
أما عن التعابير التي تُستعمل، والكلام الذي نسمعه من بعض الإعلاميين المقرّبين من حزب الله، الذين يوجّهون اتهاماتٍ مهينةً لمن يرفض الحرب؛ بحيث يُقال لهم إنهم «لم يتأثروا» أو إن الحرب «لم تُصبهم»، كما لو أن الألم والقلق لهما حدودٌ طائفية أو جغرافية، فهذا خطابٌ إقصائيٌّ ومهين، يتجاهل حقيقةً مشتركةً عرفها كل لبناني في سنواتٍ من الخوف والانتظار؛ ليالٍ لا ينام فيها الأطفال من هول الأصوات، وقلوبٌ تتابع الأخبار بوجل، وأمهاتٌ تصلّي من أجل أبنائهنّ.
الألم لم يكن حكرًا على طائفةٍ أو فئة، بل كان ألمًا لكل الوطن.
إن وصف من يرفض الحرب بأنهم «لم يتأثروا» هو محاولةٌ للتقليل من تجربة شعبٍ كاملٍ اجتاحه الرعب والدمار، وتجاهلٌ لآثار الصدمة التي تركتها تلك الحروب على نفس المجتمع بأكمله.
وفي الختام، أتوجّه إلى قيادة الحزب وعناصره بكل احترام لأقول لهم: إنّ لبنان لا يستطيع وحده تحمّل أوزار القضية الفلسطينية إلى ما لا نهاية، فقد قدّم قسطه للعلى أكثر من كل العالم، ودفع آلاف الشهدا، وعلى رأسهم أمين عام الحزب سماحة السيد حسن نصرالله بسبب القضية الفلسطينية.
أنتم لبنانيين وأبناء هذا الوطن، ولقد آن الأوان لأن تُترجم تضحياتكم بخيارٍ وطنيٍّ خالصٍ يعيد للحزب دوره الطبيعي في الحياة السياسية تحت سقف الدولة والقانون، ويضع قرار السلم والحرب في يد الدولة اللبنانية.
إن خيار الدولة هو وحده القادر على حماية الجميع، وهو الضمانة الوحيدة لمستقبل أولادنا في وطنٍ لا سلاح فيه إلا سلاح الشرعية، ولا مدافع عنه الا الجيش اللبناني.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|