اختطاف وحشي لفتاة على طريق المطار يهز لبنان.. 72 ساعة من التخذير والتعذيب تنتهي بمعجزة!
"حزب الله" يشهر سلاحه الانتخابي باكرًا... نبذ وتخوين المرشحين الشيعة المعارضين
دخلت معادلة الانتخابات النيابية المقبلة في بعلبك الهرمل مرحلةَ احتدامٍ مبكرة، ليس لأن ساحات الانتخاب تغيرت فجأة، وإنما لأن الطرف الذي يهيمن على المشهد المحلي قرّر تحويل حسابات القوة الميدانية إلى تعبئة انتخابية منظمة وذات لهجة عالية السقف. "حزب الله"، الذي حقق في الدورات الماضية حضورًا شبه مطلق في الدائرة، يصوغ الآن روايةَ استحقاقٍ مصيريّ: استعادة كل المقاعد وإعادة ترسيخ الزعامة عبر مشهد انتخابي مسخَّن سياسيًا واجتماعيًا.
الرهان المركزي لـ "الحزب" يقوم على ثلاثة مكونات متشابكة: رفع نسبة المشاركة في الاقتراع، شدّ عصب القاعدة الشعبية، واستهداف الخصوم بلغةٍ تفقدهم أحياناً حدود التنافس السياسي لتقترب من خطاب التهديد والنبذ. ووفق تصريحات مسؤولي "الحزب"، الهدف الأول رفع نسبة الاقتراع إلى 75 % بعدما كانت المشاركة حوالى 63 % في الدورة السابقة، معادلةٌ يراهنون أنها تضمن الفوز بالمقاعد العشرة كما يردد قياديوهم. هذا التصوّر يعتمد على قدرة "الحزب" على تحويل غياب الحماسة الشعبية والشكوى الإنمائية التي يتداولها الناس إلى اندفاع انتخابي يصوغه كواجبٍ ولائي ومشروع مقاوم.
لكن الحكاية لا تقف عند دعوات التصويت؛ فهي تمتد إلى خطابٍ سياسي يختبر حدود الحياء الطائفي والاجتماعي. حيث تصاعدت في الآونة الأخيرة رسائل مباشرة إلى من ينوون الترشح من أبناء الطائفة الشيعية على لوائح مستقلة أو متحالفة مع قوى وأحزاب مثل "القوات اللبنانية"، تحمل معاني نبذ من المجتمع ووصمًا بالخيانة لدم الشهداء، وتحريضًا ضمنيًا على مقاطعة اجتماعية من عائلاتهم وبيئتهم. هذا الأسلوب الاستبعادي أثار ردود فعل داخل بعض الأوساط الشيعية في المنطقة التي بدأت ترى في الخطاب تعبئة مفرطة ضد الشخصيات المعارضة وصولًا إلى حد هدر الدم، وتحويل الانتماء السياسي إلى امتحان للولاء، واختزال خيارات الناس بين التأييد المطلق أو العزلة.
السياسة الانتخابية لـ "حزب الله" هنا تظهر مزدوجة: من جهة يرحّب بتعدد اللوائح كأداة لتفريغ المعارضة وتفكيك قوتها التصويتية، ومن جهة أخرى يركّز ضرباته على "القوات" باعتبارها الخصم الأكثر قدرة على استثمار الاعتراض الشعبي، ضمن لائحة تجمع مختلف الأطراف لتحقيق الخرق الكبير. ومع تصاعد نبرة التحذير من الخرق، أصبحت عبارة "كل صوت رصاصة في وجه العدو" شعارًا محوريًا في التعبئة الحزبية، لتتحوّل العملية الانتخابية إلى معركة رمزية بين "خيار المقاومة" و "مشروع الاستسلام" وفق التعبير الحزبي.
الاستراتيجية مبنية على استثمار الحضور الطائفي والشعبي وتحويله إلى ماكينة انتخابية متماسكة، وفي المقابل تفريغ أي محاولة تمثيل بديل بأنها خيانة أو تسلّق. هذه المعادلة تضع المجتمع البقاعي بين مطرقة "الولاء" وسندان "العقاب الاجتماعي"، وتحوّل صناديق الاقتراع إلى ميدان ثأري رمزي قبل أن يكون مدنيًا. كما أن الخطاب الانتخابي يركّز على إشعار الناس بأن كل غياب عن المشاركة أو أي تحرّك مستقل يمكن اعتباره تهديدًا مباشرًا للبيئة الشيعية ككل، ما يعكس رؤية "الحزب" للانتخابات المقبلة باعتبارها امتدادًا للمعركة العسكرية والميدانية.
وعليه، يطرح السؤال نفسه: إذا كانت المنافسة الديمقراطية قائمة في كل لبنان، فلماذا كل هذا التخوين والنبذ في بعلبك؟ "حزب الله" نفسه يجلس إلى الطاولة مع كل القوى السياسية في الحكومة ومجلس النواب واللجان، وشارك في الانتخابات البلدية الأخيرة في بيروت بالتحالف مع "القوات"، كما خاض لعقود انتخابات الروابط والنقابات بالتحالف مع جميع الأحزاب بما فيها "القوات" أيضًا. فإذا كان من الطبيعي أن يتحالف "الحزب" أو ينافس في مناطق أخرى ضمن قواعد ديمقراطية واضحة، لماذا تُفرض قيود صارمة وعقوبات في بعلبك على من يجرؤ على الترشح أو التعبير عن خياراته السياسية؟ هذا التناقض يبرز سؤالًا مهمًا حول طبيعة المنافسة السياسية وحرية المشاركة في الدائرة، ويكشف كيف يمكن للخطاب الانتخابي أن يتحوّل إلى أداة ضغط للتحكم بالناس، بدل أن يكون مجرد وسيلة لممارسة الديمقراطية.
في النهاية، ما يلوح الآن في بعلبك الهرمل ليس استحقاقًا تقليديًا فحسب، بل اختبار قدرة الأحزاب الفاعلة بما فيها "حزب الله" على استيعاب تنوّعٍ تمثيلي من دون أن يتحول التنافس إلى عملية إقصاء اجتماعي. لذلك فإن نجاح أو فشل هذه التجربة سيحدد ليس فقط شكل التمثيل النيابي، بل أيضًا مستقبل العلاقة بين الناس و"الحزب"، ومدى قدرة البيئة الحاضنة على استعادة روح النقد الداخلي من دون خوف أو تخوين.
وعليه تقف بعلبك الهرمل اليوم أمام مفترقٍ دقيق: إمّا أن تكون الانتخابات مناسبةً لتقديم صورة واضحة عنها كما يريدها الناس، أو تتحول إلى معركة إقصاء من جهة، وطاعةٍ جماعية من جهة أخرى عنوانها: "صوّت ولا تخرج عن الصفّ".
عيسى يحيى -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|