الصحافة

الدولة الشيعية العميقة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتناوب "حزب الله" وشريكه الرئيس نبيه بري على تطويق الموقف اللبناني العام، حتى يوشك أن يعصف بكيانه. يعلمان ماهية المطلوب من لبنان، لكنهما يصرّان على تقويض الديمقراطية، وتكبيل مسار نهوض الدولة ودينامياتها، والدوران في حلقة موصلة إلى إعادة إنتاج نموذج هجين من الدولة الشيعية العميقة، ولو على الركام.

منذ توسّله إيقاف الآلة الإسرائيلية عبر اتفاق لوقف النار، يتعامل "الحزب" مع الدولة بمنطق استعلائي فج، ويتبنى خطابًا فوقيًا يرسم شروطًا أمام صناع قراره وسياساته وفق الدستور، ويحدد ماهية المسموح والممنوع فعله، بالاستناد إلى قاعدة "منحنا الدولة فرصة"، تختزن حمولة مكثفة من الهيمنة السياسية والفكرية.

في أدبياته كما في مواقف وتصريحات قادته ونوابه، يصعب على المرء أن يجد عبارة "نحن تحت كنف الدولة"، التي يمكنها أن تشكل جسرًا تعبره حاضنته الشعبية بأمان للاندماج مع المعادلات الجديدة. وفي ذلك استنساخ أمين لآليات عمل نظام الملالي الإيراني، المرتكزة على نوع من الديمقراطية المعقمة، حيث تهندس دائرة ضيقة "غير منتخبة" عبور اللاعبين نحو المسرح السياسي، والخطوط العريضة للسياسات والتوازنات، وحدود التنافس بين المحافظين والإصلاحيين، تحت عباءة المرشد القابض على ناصية القرار الاستراتيجي، فيتدخل لترجيح كفة هؤلاء أو أولئك، وفرض مسارات معينة.

هذا النموذج يتجسّد في لبنان عبر "الثنائي الشيعي"، إذ يلعب "الحزب" دور المعبّر عن توجّهات المرشد وفرض إملاءاته على الدولة بفظاظة، ليمسي رئيس كتلته النيابية محمد رعد أقرب إلى نموذج رئيس مجلس الشورى قاليباف، في حين يلعب الرئيس بري دور علي لاريجاني ومن يناظره من كوكتيل عريض يضم إصلاحيين و"نصف إصلاحيين"، فيما يؤدّي التكنوقراط الذين يُصدّرون إلى المسرح دور بزشكيان، الذي استدعاه المرشد من مقاعد الاحتياط.

فبعدما صدرت الإشارة من طهران بالموافقة "النصفية" على مبادرة الرئيس جوزاف عون بالتفاوض مع إسرائيل، سارع بري إلى تصدير كم هائل من التسريبات والمواقف للتعبير عما هو غير مخوّل دستوريًا التعبير عنه، أي موقف الدولة. فزار رئيس الجمهورية واستثمر حرصه على العلاقة معه لتطبيق خطاب قسمه، ولا سيما "حصرية السلاح"، من أجل إطلاق موقف يفقد المبادرة زخمها، ويعيد ترسيم خطوطها ضمن إطار تجاوزته الأحداث يقوّض دور بعبدا، ويحفظ استدامة دوره كحارس للدولة الشيعية العميقة. ويقصد بها "النسخة الملالية" للديمقراطية المعقمة، والتي تشمل الشيعة الولائية، وشيعة بري، رغم إتقانه المراوغة في تمرير الرسائل بأنهم "شيعة عرب وليسوا فرسًا"، بالتحالف مع طبقة من النخب المسيحية والسنية.

والحال أن بري يتعامل مع الدستور والقانون مثل خزانة الملابس التي ينتقي منها تفاسير تناسب أهدافه ومصالحه، حيث يوظف "فائض نفوذه" في بنية الدولة للحفاظ على هوية "العرّاب" الأثيرة لديه، إلى جوار هويات عديدة. فهو رئيس البرلمان، قائد "أمل"، "الأخ الأكبر"، زعيم الشيعة، المفاوض عن الدولة و"الحزب"، ظهير كبار الموظفين السنة وراعي خدمات نوابهم بعد انسحاب الحريري.

وفي موازاة احتفاظه بمفتاح مجلس النواب في جيبه، واستخدامه مثلما يفعل منذ عقدين كأداة لتطويع الأكثرية البرلمانية ولي عنق الديمقراطية، وفرض مشيئته انتخابيًا وسياسيًا وقانونيًا وإداريًا، تعمّد تهميش رئيس الحكومة بسبب موقفه الصلب الرافض لانبعاث "الترويكا"، وإصراره على أن القرار الاستراتيجي مكانه مجلس الوزراء، وابتدع رئيس حكومة موازيًا في تحايل فظ على الآليات الديمقراطية. غداة إقرار مجلس الوزراء "حصرية السلاح" في 5 آب، تقصّد ناظر البرلمان كيل الثناء للرئيس نجيب ميقاتي أمام عدسات الكاميرات على بيان أصدره يبث الروح في التوافق والاستراتيجية الدفاعية.

وعقب موقفه بحصر إطار المفاوضات عبر "لجنة الميكانيزم"، خرج ميقاتي في دردشة إعلامية تؤمّن إسنادًا سنيًا لهذا المسعى، تجاهل فيها الرئيس نواف سلام، حيث أجاب على سؤال عن أداء الحكومة بالثناء على الرئيس جوزاف عون، في موقف دافعه الخصومة الشخصية، يصوّر بأن السلطة الإجرائية في يد رئيس الجمهورية وحده. يضاف إلى ذلك حادثة تسريب بيانات الوفد الدبلوماسي السوري، والتي تكشف مدى تمكن الدولة الشيعية العميقة، وتعبّر عن انفصال بين عقل الدولة وبنيتها التنفيذية.

بالمحصلة، فإن خطاب "الحزب" الفوقي، واستلاب بري للموقف اللبناني لا يقودان سوى إلى تمييع الوقت وفقدان عنصر المبادرة، ليعودا بعد وقوع الواقعة إلى القبول بالجلوس إلى الطاولة وفق ما هو مطروح اليوم، لكن الشروط حينها ستكون أشد إيلامًا.

سامر زريق - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا