لماذا يطالب "حزب الله" الحكومة بالعودة عن قرارها؟
تركّز جهد "حزب اللّه" في المرحلة السابقة على منع صدور قرار حكومي بنزع سلاحه. وهو لم يتوقّع أن تُقدم الحكومة في الخامس من آب الماضي على خطوة بهذا الحجم، لاعتقاده أنّ تهديداته ستفعل فعلها وتمنعها من الإقدام على هذه الخطوة، وأنّ هيبته ما زالت موجودة.
ومن الواضح أنّ "حزب اللّه" لم يعد يحسن القراءة ولا التقدير منذ إعلانه "حرب الإسناد"، حيث افترض أنّ السلطة الجديدة ستقف عند حدود البيان الوزاري والاكتفاء بمواقف شكلية لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وغاب عنه أنّ هذه السلطة نشأت بفعل تبدُّل جذريّ في موازين القوى، ولولا ذلك لما كان الرئيسان في موقعيهما اليوم، وهذا الأمر يدركه "الحزب" جيّدًا وكلّ من الرئيسين.
ويفترض أنّ "الحزب" يدرك أيضًا أنّ خطاب القسم لرئيس الجمهورية يعبِّر عن عمق تفكيره بضرورة إخراج لبنان من الحرب وبناء الدولة الفعلية، ولم يترك هذا الخطاب أيّ التباس، وهو واضح وضوح الشمس بتعابيره وأفكاره وأهدافه، وهل هذا مجرّد صدفة؟ أم أنه يجسِّد رؤية رئيس الجمهورية الوطنية؟ وقد قرأ بشكل خاطئ أيضًا إصرار الرئيس على الحوار معه، والحوار الذي دعا إليه لا يعني التسويف والمماطلة والتأجيل والترحيل، بل محاولة لمنحه فرصة من أجل الانخراط في مشروع الدولة بعدما تبدّلت الظروف والأحوال.
ويفترض أنّ "الحزب"، الذي عارض بشدّة تكليف الرئيس نواف سلام، يدرك أيضًا أنّ رئيس الحكومة الذي يطالب منذ لحظة تكليفه بتطبيق اتفاق الطائف وبسط سلطة الدولة، لا يعبِّر عن مواقفه من أجل إرضاء أحد، إنما لتطبيق ما لم ينفّذ من هذا الاتفاق، انطلاقًا من مبدئيته وقناعاته ورؤيته الوطنية.
وأيّ قراءة واقعية للمشهد السياسي وموازين القوى ومواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كانت ستقود حتمًا إلى صدور القرار الحكومي بنزع السلاح، عاجلًا أم آجلًا. فالممانعة تراجعت محليًا وإقليميًا، والظروف الوطنية والدولية مؤاتية أكثر من أيّ وقت مضى، فيما الرئيسان معنيّان بتسجيل إنجاز تاريخي بأنّ أزمة لبنان انتهت في عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام.
وما تقدّم، يؤكّد أنّ "حزب اللّه" إمّا أنه غير مستعدّ لمراجعة تموضعه، ويسعى إلى تجميد الوضع السياسي بمعزل عن المتغيّرات الحاصلة، وإمّا أنّ أيديولوجيّته أعمت بصيرته ولا يرى التحوّلات التي طرأت على المشهد الإقليميّ والمحلّي بعد حرب الطوفان، وفي الحالتين وفي ظلّ غياب البدائل لديه وعدم تعامله بواقعية مع المتحوّلات، سيجد نفسه أكثر فأكثر في موقع عدّ الخسائر الواحدة تلو الأخرى، لأنّ هناك مسارًا قد انطلق، ومن الواضح أنّ "الحزب" عاجز عن إيقافه.
فـ "حزب اللّه" الذي منع انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من سنتين، عاد واضطرّ مرغمًا إلى انتخاب العماد جوزاف عون، و "الحزب" الذي وقف ضد تكليف الرئيس سلام وحاول تأخير موعد استشارات التكليف في سابقة أولى من نوعها، ولم يشارك في استشارات التأليف، عاد واضطرّ مرغمًا إلى القبول بسلام والدخول في حكومة للمرة الأولى منذ العام 2008 لا ثلث معطلًا له فيها، و "الحزب" الذي اضطرّ إلى التغاضي عن بيان وزاري لا التباس في نصوصه ومرجعية الدولة في السلاح والحرب حاسمة ولا شريك فيها، و "الحزب" الذي فشل في منع الحكومة من إصدار قرار نزع السلاح غير الشرعي ضمن مهلة زمنية، ولم يتمكّن من إسقاطه لا في الشارع ولا بواسطة السلاح، فإنه لا بدّ من أن يفشل في منع تنفيذ قرار الحكومة في 5 و 7 آب.
وانتقال "حزب اللّه" اليوم إلى التركيز على منع تنفيذ القرار الحكومي من خلال التهديد بالحرب وتدمير لبنان هو أمر طبيعي لسببين: الأوّل، أنه ليس في وارد التخلّي عن سلاحه، وهذا القرار هو إيراني بامتياز، وقد عبّرت طهران علنًا وصراحة عن رفضها القرار الحكومي. والثاني، أنه من خلال التهديد والتهويل يعتقد أنّ بإمكانه تجميد القرار الحكومي.
وعليه، يُطرح تساؤلان: هل سينفِّذ تهديده بالحرب؟ وهل الحكومة سترضخ لتهديده وتجمِّد ما صدر عنها، فيكون قرارًا مع وقف التنفيذ؟
وخلافًا لكلّ ما يقال عن تهديده الكربلائي والانتحار، فإنه لن يقدم على تنفيذ تهديده بالحرب، لأنه يدّعي الانتحار، وهو ليس كذلك، ويدرك أنه أصبح مكشوفًا من إسرائيل، ومحاصرًا من سوريا، وإيران عاجزة عن مساعدته، والسلطة لن تتهاون مع أي محاولة لهزّ الاستقرار. وأمّا حول رضوخ الحكومة، فإنها لن ترضخ بالتأكيد، ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يؤكّدان باستمرار أن لا تراجع عن القرارات الحكومية، وبالتالي ما كتب قد كتب، والقرارات التي صدرت لن تكون حبرًا على ورق، وقوّة موقف الدولة ليست متأتية من رئيسي الجمهورية والحكومة فحسب، إنما من الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي أنهت المشروع الممانع، وبالتالي الأمور ستأخذ مسارها نحو التطبيق بشكل هادئ وسلس، وعدم اقتناع "حزب الله" لن يبدِّل شيئًا لا في العمل الحكومي ولا في المسار العام للدولة، إنما يحافظ من خلاله على تعبير لفظي عن أدبيات لا يجد بعد أنّ باستطاعته الخروج منها، ولكنه لم يعد قادرًا على تغيير أي شيء على أرض الواقع.
شارل جبور-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|