لاوندس يُضحّي بـ 26 ضابطاً لحماية سمعة "أمن الدولة"
مع مرور الوقت واستمرار نظر مجلس شورى الدّولة في الطعن المقدّم في الدورة التي أدّت إلى ترقية عسكريين في المديرية العامّة لأمن الدّولة إلى رتبة ملازم أوّل، تتأزّم القضيّة أكثر فأكثر، مع شعورٍ يُلازم 26 ضابطاً نجحوا في هذه الدّورة بالظلم، وتخلّي المديريّة عنهم لـ«أسباب غير معلومة».
هذا الظلم، على حدّ تعبير بعض أهالي الضبّاط، رافق هذه الدّورة التي قرّروا إطلاق اسم «صبر وصمود» عليها لما عانوه من تأخير في فتحها، بعد قيام المدير العام السابق، اللواء طوني صليبا، بتعديل شروط التقديم أربع مرّات متتالية «حتّى باتت فرصة جميع العسكريين متساوية وصار في إمكان هؤلاء تقديم طلباتهم سنداً للمادة 17 من قانون الدّفاع الوطني»، وفق ما يقوله بعض المسؤولين في المديريّة.
هذه التعديلات مكّنت 135 عسكرياً من تقديم طلباتهم إلى الدّورة التي فُتحت صيف 2022، لينجح منهم 26 (مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين)، وينتقلوا بعدها إلى الكليّة الحربيّة، حيث واجهوا يوميات قاسية، لما شهدته تلك الفترة من عدوان إسرائيلي، عدا عن الظروف الاقتصادية الصعبة.
ووصل الأمر إلى حدّ تكبدهم شراء بدلاتهم وسيوفهم بأموالهم. ويقول أهالي هؤلاء إنّها كانت دورة مفتوحة لـ«المعَتّرين» من الطبقة الفقيرة، «بعد تفانيهم على مدى 15 عاماً في المديرية وتسلّمهم مراكز حسّاسة، بينما يُشهد لغالبيتهم أنّهم لم ينالوا طوال خدمتهم أي عقوبة مسلكيّة أو حتى تنبيهاً شفهياً».
ورغم ذلك، يأخذ الطعن مساراً جديّاً نحو تجريدهم من رتبهم ونجومهم، وإعادتهم مرؤوسين بعدما أصبحوا رؤساء، مع شطب حوافزهم المالية والخدماتيّة، في سابقة غير معهودة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية.
فقد أصدرت إحدى غرف «الشورى» برئاسة القاضية يارا عون، قبل أسابيع، قرارها البدائي بقبول الطعن المقدّم من العسكريين الراسبين في اختبارات الدورة شكلاً وأساساً، ووقف العمل بنتائجها، أي إبطال مراسيم ترقيتهم الصادرة في نهاية عام 2024 والموقّعة من قائد الجيش آنذاك العماد جوزيف عون.
لاوندس حازم في إلغاء الدورة
حتى اليوم، لم تنفّذ المديرية قرار «الشورى». لكن ما يُنقل عن مديرها العام، اللواء إدغار لاوندس، هو حسمه موقفه بضرورة تنفيذ جميع القرارات القضائية بما فيها تلك الآيلة إلى إبطال مراسيم الضبّاط الـ 26، على أن يفتح دورة ضبّاط صف جديدة بدلاً من تلك الملغاة. وذلك على عكس ما كان يردّده سلفه صليبا، الذي طمأن الضباط بأنّه سيعمد إلى «ضبّ» القرار في الأدراج، بغض النظر عن مضمونه.
مواقف لاوندس أثارت غضب العسكريين الذين يرى أهلهم أنّ المديريّة تتخلّى عنهم ولا تدافع عن حقوقهم، كما تدفعهم إلى الاستقالة في حال تنفيذ القرار النهائي إذا تضمّن إبطال الدورة، لأنّه أمر فيه «مس بكرامتنا، علماً أنّ استقالتهم تعني فعلياً رميهم في الشارع لأنّهم لم يستوفوا بعد سن التقاعد وهم في أعمار لا تسمح لهم بالبدء في أعمال جديدة، وسيُجرّدون من جميع الخدمات المقدمة لهم ولعائلاتهم».
ويعتقد هؤلاء بوجود «قطبة مخفيّة»، خصوصاً أنّ ما يُنقل عن رئيس الجمهورية جوزيف عون مختلف عن موقف لاوندس. إذ يقول عدد من النواب الذين التقوه لمتابعة الملف، وآخرهم النائب أديب عبد المسيح، إنّ الرئيس «يرفض أن يتم تجريد الضباط من رتبهم في عهده»، وهو الموقف نفسه المنقول عن رئيس الحكومة نواف سلام.
ورغم ذلك، فإن الأجواء تُؤشر إلى خلاف ذلك. وما يزيد من غضب الضباط تمنّع لاوندس عن تسليم ملفاتهم الإدارية إلى «الشورى»، بما يضمن لهم حق الدفاع عن أنفسهم، خصوصاً بعدما ارتأت القاضية عون ردّ طلب التدخّل في القضيّة المقامة على الدولة اللبنانية ممثلةً بالمديرية. ويرى بعض القانونيين المتابعين للملف في ذلك «خطأ جوهرياً ألحق ظلماً غير مبرّر بالضبّاط الـ 26، باعتبار أنّ طلب التدخل كان قانونياً استناداً إلى المادة 82 من قانون الشورى».
لا لتسليم الملفات
في الحالتين، فإنّ تمنّع المديرية عن تسليم الملفات الإدارية يعني حكماً خسارة القضيّة. وهو ما أشارت إليه عون في متن قرارها بأنّ «مجلس شورى الدّولة يعتبر أن تصرّف الإدارة السلبي على هذا النحو، وتجاهلها قرار التكليف الذي قضى بتكليفها إبراز كامل الملف الإداري العائد للمباراة وتمنّعها عن إنفاذه وفقاً لمندرجاته، يخرق في جوهره حقوق الدّفاع ويحمل في طيّاته قرينة جديّة على صحّة إدلاءات الجهة المستدعية».
أمّا أسباب رفض المديرية تسليم الملفات الإدارية، بعد سلسلة اجتماعات عقدها مجلس القيادة، فهي أنّ هذه الملفات يشوبها الكثير من المخالفات القانونية التي ارتكبتها القيادة القديمة برئاسة صليبا، «ما سيُعرِّض سمعة المديرية للتشويه»، بحسب المعنيين. ويشير هؤلاء إلى أنّ القيادة القديمة تلاعبت بالنتائج عبر إضافة علامة كفاءة لأربعة ضبّاط (لم تُعمَّم أسماؤهم) بطريقة مبالغ فيها، علماً أنّ هذه العلامة استنسابيّة، درج استخدامها بنسب منخفضة، وليس بالنسبة التي قلبت النتائج كما حصل في هذه الدورة.
فهي أفضت إلى ترسيب أربعة ونجاح أربعة بدلاً منهم. ويخلص مسؤولو المديريّة إلى أنّ قرار «الشورى» واضح لجهة إلغاء المباراة، وبالتالي، فإنّ عرض الملف من عدمه لن يُغيِّر في القرار، ولكن إرسال الملف سيُلحق بالمديريّة وإدارتها القديمة فضيحة مدوّية و«بهدلة» للمؤسسة برمّتها ويضرّ بصورة ضباطها وعسكرييها. وعليه، قرّرت المديريّة عدم الدفاع عن ضباطها وتركهم لمصيرهم المؤكّد: تجريدهم من رتبهم.
ظلمٌ للضباط المستحقين
لذلك، يعتبر أهالي الضبّاط أنّه في حال ثبت هذا التلاعب، فإنّهم لا يتحملون مسؤوليته، وبدلاً من رفع الظلم عن أربعة عسكريين تمّ ترسيبهم، سيُظلَم 22 آخرون.
ويتساءلون: «ما علاقة أبنائنا إذا مجلس القيادة أخطأ، ولا سيما أنّ معظمهم لم يرتكبوا أي مخالفة شائنة حتى يتم تجريدهم من رتبهم؟» مشيرين إلى أنّ «التداعيات المالية (بالنسبة إلى التقاعد والخدمات الصحية ووضع أهاليهم على خانتهم لتلقي الخدمات الطبية...) والتداعيات الهرمية والاجتماعية والتعامل معهم كما لو أنّهم قاموا بعمل شائن، ستكون قاسية ليظهر وكأنهم طردوا من عملهم».
ويلفتون إلى أنّ «هذا ما فعله لاوندس منذ أشهر حينما وضعهم بالتصرف قبل أن يسمح لهم بتأدية المهمات الأمنية فقط، من دون أن يكون في إمكانهم مثلاً فتح محاضر باسمهم، علماً أنه يأذن لهم بمخابرة القضاء!». وعليه، يطالب الأهالي رئيسي الجمهورية والحكومة بإنصاف أبنائهم من هذا الإجحاف، الذي لم يحصل في الجمهوريّة اللبنانيّة سابقاً.
وإضافة إلى علامة الكفاءة، يشير القانونيون المتابعون للقضية إلى أنّ المشكلة لم تكن أصلاً في علامة الكفاءة لغياب أي دليل لدى الطاعنين، وإنما في اعتبار «الشورى» أنّ التعديلات التي وضعها مجلس القيادة السابق حصلت بعد فتح الدورة، «وهو أمر غير صحيح، لأنّ الدورة لم تُفتح إلا بعد صدور التعديلات الأربعة على الشروط، ما يشي بأنّ الشورى أخذ إدلاءات الطاعنين من دون التدقيق فيها».
ويؤكد هؤلاء أنّ «استمرار المديرية في عدم تسليم الملف يعرّض الدورة كلها للإبطال، خصوصاً أن الجهة المدعية طالبت بالإلغاء الكلي لا الجزئي. والشورى لا يستطيع أن يجزّئ قراره لجهة ترسيب قسم من الضباط والإبقاء على آخرين لم يُضف إلى علاماتهم علامات كفاءة مبالغ فيها».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|