إيران تدفع الشّيعة نحو الانتحار
يستخدم الحزب المسلَّح وأنصاره بكثافة: اللغة الدينية، ولغة الإدانة والتخوين. وما يزال مصرّاً على الاحتفاظ بسلاحه بحجّة مواجهة إسرائيل، والحقيقة أنّ الصرخات الكربلائيّة والتخوين والحرب الأهليّة المقصود بها إرعاب الداخل اللبناني.
فهل يتّعظ “الحزب” من تردّدات الماضي ودروسه، أم يظلّ مصغياً للأوامر الآتية من إيران دون أن يأبه لما أصاب اللبنانيّين بل وما أصاب الإيرانيّين؟
منذ ارتفع صوته في أحداث بيروت عام 2008 ما تغيّرت دعوة العلّامة السيّد علي الأمين إلى ضرورة العودة إلى الدولة، والتحذير من استغلال الدين والمذهب في مواجهة اللبنانيين الآخرين الذين يختلفون مع “الحزب” في الرأي السياسي وليس في الدين. لقد كرّر العلّامة السيّد هذا المستوى الراقي من الخطاب في مقابلته على قناة العربية قبل ثلاثة أيّام. لقد أزعجته كما أزعجت سائر اللبنانيّين كثافة استخدام كربلاء والمهديّ والرموز المذهبية الأخرى، وفي الوقت نفسه يسارعون، وهم يعتصمون وراء الرموز والتاريخ، إلى إطلاق الشتم والتخوين، وبخاصّةٍ تجاه رئيس الحكومة والبطريرك الراعي. أمّا اللبنانيون فيهدّدونهم بالحرب الأهليّة.
في مواجهة البطريرك وبعد التخوين يطلبون منه عدم التدخّل في الشأن الوطني والسياسي، فإذا قيل لهم إنّكم رجال دين أيضاً فلماذا يكون مباحاً لكم الاستئثار بهذه الصرخات التخوينية، ولا تصبرون على خطابٍ شديد التهذيب في معالجة القضايا الوطنية وفي طليعتها الاعتصام بالدولة التي هي للّبنانيين جميعاً، والتي غادرتموها مختارين قبل ثلاثة عقودٍ وأكثر؟ أنتم تدينون الآخرين وتخوّنونهم، والطريف أنّكم تفعلون ذلك باسم الدين والمذهب من جهة، وباسم الميثاقية والدستور من جهةٍ أخرى! وبالطبع لا يمكنهم أن يطلبوا من رئيس الحكومة عدم التدخّل في الشأن السياسي فيسارعون إلى تخوينه واتهامه بأنّه صهيوني وتابع لإسرائيل وأميركا(!).
ظالم ومظلوم إلى الأبد
ما هي الميزات التي تحقّقها لكم تلك القدسيّة المسبغة على السلاح، الذي أضرّ بلبنان كلّه على طول أكثر من عقدين، وأضرّ بكم وبجمهوركم على وجه الخصوص في الحرب الأخيرة التي تتابعها إسرائيل بدون توقّفٍ ولو ليومٍ واحد.
إنّ ذكر كربلاء هو ذو وظيفتين: حثّ الجمهور على تذكُّر مأساة الإمام الحسين واعتبار الآخرين مسؤولين عنها وقد مضت عليها ألف وأربعمئة عام، وهذا فيه تحريضٌ ودعوةٌ إلى الانقسام إلى فريقين، واحد ظالم إلى الأبد، وواحد مظلوم إلى الأبد أيضاً. أمّا الوظيفة الثانية فتتضمّن استحثاثاً للجمهور على الائتمام بالحسين وهو لم يُقبل على الاستشهاد بل اضطُرّ إليه كما هو معروف بعدما صار محاصَراً. ثمّ إنّكم من جهةٍ ثانيةٍ تستحثّون جمهوركم على الاستشهاد ليس في مواجهة العدوّ، بل في مواجهة جيشكم وبني قومكم، وهم لا يهدّدونكم ولا يحملون السلاح ضدّكم، ويريدونكم أن لا تنشروا المزيد من التحفّز والعداء حيث لا يتطلّب الأمر ذلك.
تذكّروا أنّ الاغتيالات الكبرى واحتلال بيروت وعصابات القمصان السود ومواجهتكم للّبنانيين الذين لا يحملون السلاح عام 2019، وذهابكم جحافل إلى سورية لمقاتلة أعداء بشّار الأسد من الشعب السوري، كلُّ ذلك قمتم به لحوالى عقدين، دون أن يحاول أحدٌ من اللبنانيّين مواجهة سلاحكم المشهور الذي مارس القتل دائماً! وما نقصده أنّه ليست هناك سوابق لمهاجمتكم أو الاعتداء عليكم بل كنتم دائماً المهاجمين والقاتلين فلماذا تهدّدون بالقتال والاستشهاد؟ وَمَنْ تريدون أو تتقصّدون بالمقتلة المقبلة وبالحرب الأهليّة؟
ستقولون: نفعل ذلك من أجل الكرامة (تجاه اللبنانيّين)، والمقاومة (في مواجهة إسرائيل). الجيش الذي تريدون مواجهته والذي قتلتم العديد من أفراده ثلثه من أبنائكم وهو لا يريد ولا يقبل مواجهتكم بالقوّة. وكما قال لكم السيّد علي الأمين في مقابلته السالفة الذكر: ليست هناك دولةٌ في العالم فيها جيشان! وإذا قصدتم إسرائيل بالاحتفاظ بالسلاح فإنّ المذبحة التي حصلت في صفوفكم قد تتكرّر، ولدى دولتنا فرصة الوصول إلى سلامٍ مشرّف، يضمنه جيشكم، جيش لبنان القويّ.
ستقولون، كما قال الإيرانيون ويقولون: لكنّ الجيش ضعيف! بيد أنّ تنظيمكم القويّ انهزم هزيمةً منكرةً وأنتم أضعف الآن ممّا كنتم عليه قبل الهزيمة الأخيرة، فلماذا لا نستند جميعاً إلى مبادرة الدولة وأهمّ بنودها إزالة الاحتلال (الذي تسبّبتم به) وإعادة الإعمار؟ لا شكّ في عدوانيّة العدوّ، لكنّكم أنتم الذين بادروا لمهاجمة ذاك العدوّ في عام 2006 وعام 2023. لا أحد ممّن حول إسرائيل حصل على قرار دولي يشبه القرار 1701 منذ عام 2006. وما كانت لإسرائيل أطماع في الأرض والمياه لكنّ الـ 6 كيلومترات التي احتلّوها ما خرجوا منها بعد، والآن بدأوا يتحدّثون عن منطقة اقتصادية جنوب الليطاني ليس فيها سكّان، إن لم تسلّموا سلاحكم للدولة الضامنة التي تتحوّل إلى دولةٍ حامية. فأعطوا اللبنانيّين فرصة، وهي فرصة لكم بالدرجة الأولى لكي يستطيع آلاف البؤساء الذين عرضتموهم للعدوان والموت في الحرب العشوائية بل الحربين من أجل استراتيجيات دولة الوليّ الفقيه، وهي تريد دفعكم إلى الحرب من جديد، وهذه المرّة ليس ضدّ إسرائيل، بل ضدّ شعبكم وجيشكم.
يريدون حياة كريمة
قال ضابط كبير تقاعد الآن: لو كانت لدينا الجرأة والقوّة عام 2023 لمنعنا نصرالله من شنّ حرب الإسناد المزعومة. شأن “الحزب” مثل شأن “حماس”. هم يعرفون الصهاينة الجدد أكثر منّا، فكيف قاموا بهذه المغامرة التي تسبّبت بمقتلةٍ ما عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
لا عِلّة لإصرار “الحزب” على عدم التعاون في تسليم سلاحه، لا الكرامة ولا الروح الكربلائيّة، بل العِلّة في الاستراتيجيات الانتحاريّة لدولة الوليّ الفقيه. وقد عاد لاريجاني مسؤول الأمن القومي بإيران إلى اعتبار الحشد الشعبي بالعراق و”الحزب” بلبنان جزءاً من الأمن القومي الإيراني(!) وأضاف: نحن محتاجون إليهم وهم يحتاجون إلينا، لكنّنا لا نسيطر عليهم وهم يتّخذون قراراتهم باستقلاليّة! صدّقوا أو لا تصدّقوا، الإيرانيون يعتبرونهم جزءاً من أمنهم القومي وهم مستقلّون مع ذلك! لماذا يكون على شبّان “الحزب” المغامرة مرّة ثالثة ورابعة؟ ولماذا يكون على الخمسة ملايين لبناني القبول بتهديد الدولة اللبنانية لمصلحة ميليشيا تعتقد إيران أنّها ما تزال تحتاج إليها بينما لا يحتاج إليها لبنان بل هي شديدة الضرر باستقراره وأمنه وبقاء دولته.
ليس صحيحاً أن ليس من حقّ البطريرك الراعي والسيّد علي الأمين وكلّ ذوي الاعتبار من اللبنانيين الكلام عن سلامة لبنان ووحدة أرضه ودولته وجيشه. ومن هو الخائن أو المجازف والمغامر: آلذي يريد الأمن والاستقرار والسلامة للوطن والدولة، أم الذي يغامر بكلّ ذلك إصغاءً لأوامر دولة الوليّ الفقيه وحرسها الثوري، ولا يأبه لما حدث ويحدث وسيحدث للناس الغلبانين والمعذّبين الذين لا يريدون الاستشهاد بل الحياة الحرّة والكريمة؟
نداء البطريرك ونداء السيّد علي الأمين هو نداء ورجاء كلّ العقلاء والمسالمين والآملين في حاضر هذا البلد ومستقبله.
رضوان السيد - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|