السلاح من "زينة الرجال" إلى "زينة الدولة"
كان ذلك في تموز من العام 1975، من أحد مخيمات التدريب العسكري في البقاع لـ "أفواج المقاومة اللبنانية - أمل"، وكان مرَّ على بداية الحرب قرابة الثلاثة أشهر، وكانت تُسمَّى "جولات"، في ذلك المعسكر، وقع انفجار بسبب خطأ في عبوة ناسفة، في ذلك التاريخ أطلق الإمام موسى الصدر، مؤسّس حركة "أمل" شعاره الشهير "السلاح زينة الرجال".
كانت المكوِّنات اللبنانية، طوائف ومذاهب وأحزابًا، في مرحلة "سباق تسلح"، وكانت المنظمات الفلسطينية، وفي طليعتها حركة "فتح"، قد حوَّلت المخيمات إلى معسكرات، يومها بدأ الجيش اللبناني يتحوَّل إلى الحلقة الأضعف، وأسباب ذلك متعددة، ويجدر التوقف عند بعضها ومنها:
قرار "جزء من السلطة التنفيذية" عدم الاستعانة بالجيش اللبناني، بحجة واهية أنها إذا نزل الجيش فقد ينقسم، فيما الواقع لم يكن هكذا.
قرار بعض الدول العربية تسليح المنظمات الفلسطينية للإمعان في إغراقها في الرمال اللبنانية المتحركة ولإبعادها عن "ساحاتها"، وإبقائها في الساحة اللبنانية.
خلق موجة "التخويف المتبادَل" بين المذاهب والطوائف.
كل هذه العوامل جعلت الطوائف تذهب إلى "قدرها" في التخلي عن الجيش وتركه لقدرِه، فتحوَّل من الأقوى إلى الأضعف.
اليوم، وبعد نصف قرن على هذه "الخلاصات"، أين لبنان الدولة والطوائف والمذاهب؟
كان يُفترض بهذا السؤال أن يُطرَح في تشرين الأول من العام 1989، إثر توقيع اتفاق الطائف لإنهاء الحرب. لكن رفض رئيس الحكومة الانتقالية للاتفاق وإعلانه التمسك بالسلطة ثم إعلانه "حرب الإلغاء" على القوات اللبنانية، أرجأ الإجابة على السؤال خمسة عشر عامًا، إذ إن تعنت العماد عون دفع الحكومة إلى الاستعانة بسوريا لإنهاء تمرده، واستفادت سوريا من الجو الدولي، بسبب حرب الخليج، فأخذت الضوء الأخضر وأنهت التمرد.
على مدى خمسة عشر عامًا، بين إنهاء الحرب على يد سوريا، وانسحاب سوريا من لبنان، عززت سوريا أحد أبرز أذرعها في لبنان، "حزب الله"، فابتدعا "المقاومة" للتفلت من استحقاق "حل الميليشيات"، مستعينين بذلك بالراعي السوري الذي لم يكتفِ بدعم "الحزب" بل شكَّل العمق الجغرافي واللوجستي بالنسبة إليه.
سقط النظام السوري، فسقط العمق الاستراتيجي بالنسبة إلى "حزب الله" وانقطع الجسر مع الداعم الاستراتيجي، الجمهورية الإسلامية، هُزِمَت حماس، الحليف الطبيعي لـ "حزب الله" الذي بات في المربع القريب من الهزيمة، على رغم المكابرة. لم تعد هناك من وظيفة لسلاحه سوى محاولة "تسييله" في الداخل من خلال محاولة الحصول على المزيد من السلطة التنفيذية، وهذا ما لن يحصل.
لكل هذه الاعتبارات لم يعد السلاح " زينة الرجال" بل أصبح "زينة الشرعية" بعد أن أصبح عبئًا على حامله، والقتال التهويلي، السياسي والإعلامي، الذي يخوضه "حزب الله" لتأخير تجرع "كأس سم" تسليم السلاح، لن يفيده على الإطلاق، ولا ينفعه "التمترس" خلف الفصائل الفلسطينية الرافضة تسليم السلاح.
هناك رأي عام لبناني جارف لم يعد يتحمَّل السلاح في يد أي حزب أو طائفة، ولا يقبل إلا أن يكون السلاح بيد حزب واحد هو "حزب الدولة اللبنانية" التي هي فوق الأحزاب.
الجميع سلَّم بهذه الحقيقة وهذا الواقع، ولا يصح أن يخالف "حزب الله" الجميع، فسلاحه لم يعد "زينته" بل "زينة الشرعية".
نحن في 2025 ولسنا في 1975. خمسون عامًا كافية للاتعاظ وأخذ العبر.
جان الفغالي-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|