بري والرقص على حبل رفيع
أصدق تشبيه لوضع رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم، هو المعادلة التي وصف بها الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح نفسه: "الرقص على رؤوس الأفاعي". وإن كان يمكن تشبيهه أيضًا بلاعب السيرك الذي يسير على حبل رفيع فوق فراغ سحيق، فهذا التشبيه لا يقل دقة عن الأول.
بري، المتمرّس في فنون المناورة، اختار أن يغض النظر عمليًا عن قراري الحكومة الأخيرين، مهما تمّ تسريب أجواء استياء من الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، لأن هذا يدخل في لعبة سياسية هدفها التخفف من عبء هذه القرارات أمام بيئته. الإعلام يقول إن بري مستاء، لكن الواقع أن هذا الاستياء مضبوط الإيقاع ومدروس الوظيفة.
فالرجل الذي أدار على مدى عقود معارك التوازن بين السلطة والطائفة، لم يذهب إلى مواجهة مباشرة مع قرار الحكومة، بل أطلق بيانًا دعا فيه أنصاره إلى عدم المشاركة في جولات الدراجات النارية (الموتسيكلات) التي تثير الاحتقان، في إشارة واضحة إلى أنه لا يريد فتح جبهات إضافية. وفي الوقت نفسه، منع أي تفكير جدي لدى وزرائه أو حلفائه بالاستقالة من الحكومة، لأنه يعرف أن البقاء في قلب اللعبة أفضل من ترك الملعب للخصوم.
بري يهاجم إعلاميًا، لكنه يحافظ على التوازن سياسيًا. يعرف أن رفع السيف عن رقبة الطائفة هدف ثمين، وأن أي خطوة متسرعة قد تدفع نحو مواجهة مفتوحة. من هنا، جاء حرصه على إعطاء هزيمة "حزب الله" في ملف السلاح لباسًا جديدًا، عبر تصوير اتفاق وقف إطلاق النار كأنه إنجاز يحفظ ماء الوجه، ولهذا قال "حزب الله": "وقعنا، لكننا موجودون"، وكأن الوجود الرمزي يكفي لتعويض الخسارة العملية.
المشهد أشبه براقص بارع على رؤوس الأفاعي، أو بمغامر يمشي على حبل رفيع وسط العاصفة. الخطأ ممنوع، لأن السقوط هذه المرة لا يحتمل إعادة التجربة. بري أمام امتحان الفوز في الرقصة الأخيرة، حيث تحيط به الضغوط من كل جانب: الغضب الشعبي، تراجع نفوذ الحلفاء، وحسابات الإقليم التي لا ترحم.
فهل ينجح نبيه بري في إتمام الرقصة حتى نهايتها من دون أن تلدغه الأفاعي أو ينقطع الحبل تحته؟ الجواب يتوقف على قدرته على البقاء سيد اللعبة حتى اللحظة الأخيرة، وعلى مهارته في تحويل الهزيمة إلى مكسب، والخسارة إلى فرصة… وهي مهارة لم تفارقه يومًا.
أسعد بشارة -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|