القنبلة التوراتيّة بدل القنبلة النوويّة
أمّا وقد دخلنا نهائياً في الملكوت الأميركي، خصوصاً بعد استقالبنا السيادي الرائع لعلي لاريجاني. وكان هناك من يقول، بصدق، للمبعوث الايراني "لقد لعبتم، جيوسياسياً، على مدى أربعة عقود، في المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ، لظنكم أن باستطاعتكم فرض نفوذكم الأمبراطوري في المنطقة التي تم تطويبها، منذ عام 1957، واطلاق "مبدأ ايزنهاور"، مستوطنة أميركية، دون أن تكون هناك روسيا، المثقلة بمشكلاتها الاقليمية والدولية، والتي تعاملت مع قضايانا، بأطراف قدميها، كما راقصات البولشوي، ولا الصين، حيث ينتفي أي دور سياسي أو استراتيجي. تنين بجناحي الفراشة.
كل ما تريده الادارة الأميركية قمنا به على أفضل وجه، على أمل ألاّ يطلب منا القيام بما تريده الحكومة الاسرائيلية على أفضل وجه، وقد لاحظنا كيف انفضّ حلفاء "حزب الله" عنه، الواحد تلو الآخر، ليبدو جلياً مدى تجذر الزبائنية في أدائنا السياسي. ولكن ألا نلاحظ كيف أن التعليقات الأميركية، والاسرائيلية، التي رحبت بقرارات مجلس الوزراء ألمحت الى خطوات أخرى مرتقبة حول شق الطريق بين بيروت وأورشليم، كعامل أساسي، في قيام دولة لبنانية غير قابلة للكسر أمام أي هزة اقليمية أو دولية. بمعنى آخر... جمهورية البيفرلي هيلز!
لا شك في رغبة الرئيس جوزف عون في اعادة بناء الدولة تحت المظلة الأميركية، كي لا يعيد تجربة الرئيس ميشال عون الذي، اذ وصل الى القصر، بعد تلك السلسلة من التسويات (الصفقات)، جثة هامدة، ليبشر اللبنانيين في أواخر عهده، بالذهاب الى جهنم. ولكن هل يمكن التصور بوجود فارق بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في النظرة الى لبنان؟
وسط ذلك المشهد الضبابي الذي يحكم العلاقات بين الطوئف في لبنان، يظهر رئيس الحكومة الاسرائيلية ليلقي في وجهنا القنبلة التوراتية، الأشد هولاً، من القنبلة النووية، وهو الذي لم يتوقف، يوماً، وعلى امتداد العامين المنصرمين، عن الاعلان أنه يعمل تحت امرة "رب الجنود"، بتنفيذ كل ما ورد في النصوص المقدسة، وعلى غرار أي منظومة ايديولوجية أخرى لا تأخذ بالاعتبار جدلية الأجيال، ولا ديناميات التفاعل بين النصوص التي توصف بالالهية والأزمنة،
نتنياهو توّج كل تصريحاته السابقة بالقول "لقناة 24" انني في مهمة تاريخية، وروحانية، وترتبط عاطفياً برؤية ـ والحقيقة رؤيا ـ اسرائيل الكبرى. دولة فوق العالم، وفوق التاريخ، لتحكم بالدم، والنار، الأمم الأخرى. ولقد سبق وتساءلنا هل هو تغييرالشرق الأوسط أم تفجير الشرق الأوسط لكي يظهر الماشيح وهو يختال فوق الجماجم ليقود العالم...
لا مجال لأي حاكم عربي أن يقف وراء الجدران الزجاجية. نتنياهو يريد تعريتنا حتى من هياكلنا العظمية. وكنا قد ثابرنا على الكتابة، ومنذ اشهر، عن أن المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي الذي يتقاطع فيه الايديولوجي مع الاستراتيجي، يتعدى بكثير دومينو التطبيع. لن تكون هناك دولة فلسطينية (مهما علت النيران من قبور الفلسطينيين). ولن تكون هناك دولة لبنانية، ولا دولة سورية (التي لا يعرف الآن أي نوع من الأشباح يتولى ادارتها)، ولا دولة أردنية.
منذ زئيف جابوتنسكي وحتى حاييم وايزمان الذي لم ير في "دول الطوق" سوى قرى لقبائل بدائية أشبه ما تكون بقرى الهنود الحمر التي أزيلت، وأهلها، من الوجود، مروراً بمراسلات دافيد بن غوريون وموشي شاريت، وصولاً الى بنيامين نتنياهو (الملك بيبي)، الذي ترعرع على يدي أبيه المؤرخ بن صهيون نتنياهو، وحيث يفترض، قبل بلوغ الدولة العبرية الثمانين (وهو تاريخ ذا دلالة في الليتورجيا اليهودية)، اعلان قيام "امبراطورية يهوه"، أي من النيل الى الفرات، وخالية من الغوييم، أي من الأغيار.
زعيم الليكود أطلق مشروعه في حضرة الأمبراطور الأميركي الذي هاله ضيق مساحة اسرائيل (الصغرى)، وهي أقل من مساحة ولاية نيوجيرسي التي تحتل المرتبة الـ 47، من حيث المساحة، بين الولايات الخمسين، واعداً بتوسيع هذه المساحة، على اساس الحاق غزة والضفة اليها، قبل أن يتبين ما يجول في رؤوس ذئاب اليمين الذين يعتقدون أنه آن الأوان لا لتغيير الشرق الأوسط، وانما لتفجيره، أذ ماذا يعني تمدد اسرائيل في دول المحيط، سوى التمهيد لعملية جراحية كبرى تعيد ترتيب الخريطة التي صاغتها اتفاقية سايكس ـ بيكو. ترامب هو الذي قال ان هذه الاتفاقية قد شاخت، ولا بد من رسم خارطة جديدة تتلاءم ومقتضيات القرن (القرن الأميركي بطبيعة الحال).
عادة، لا نكترث بتفاهات كمال اللبواني، وبمغالطاته القذرة، في التعامل مع الوضع اللبناني، وكان حصان أورشليم في المعارضة السورية. ولكن ألا تشير معلومات الظل الى ذلك السيناريو الذي يعتبر أن لبنان لا يستطيع الاستمرار دون تواجد القوات السورية على أراضيه، اذا كان هناك من يصغي بين عشاق قبائل ياجوج وماجوج في لبنان الى ما يتردد الآن، وما وصلت أصداؤه الى حواضر أوروبية معنية ببقاء لبنان.
نزع سلاح "حزب الله" ذريعة تكتيكية تتعدى بكثير المفهوم الفولكلوري للسيادة، أو مصطلح "حصرية السلاح". لبنان مثلما هو داخل المشروع الاسرائيلي، هو داخل مشاريع أخرى تعني أن المنطقة مقبلة على تفجيرات تقلب الخارطة الشرق رأساً على عقب. حدقوا جيداً بالاصابع الأميركية الغليظة...
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|