تفاصيل لعبة واشنطن وإسرائيل مع حزب الله
يُعد الأول من آب الجاري، بداية مرحلة مهمة للبنان ولحزب الله، حيث طالب المبعوث الأميركي توماس باراك الدولة اللبنانية رسميا في زيارته الأولى لبيروت 19 من حزيران الماضي- أثناء الحرب الإسرائيلية على إيران- بوضعها خطة لنزع سلاح حزب الله خلال أربعة أشهر تبدأ مع الأول من آب الجاري، وتنتهي مع نهاية تشرين الثاني القادم.
في هذا السياق، من المرتقب أن تعقد الحكومة اللبنانية جلسة خاصة للنظر في هذا الموضوع، في ظل انقسام داخلي أو تباين في المواقف.
الرئيس عون يؤكد وحزب الله يحذر
الرئيس جوزيف عون، في كلمة له نهاية يوليو/ تموز الماضي، أكد على "حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية"، وأضاف: "على الأحزاب السياسية اللبنانية اغتنام الفرصة وتسليم أسلحتها عاجلا وليس آجلا"، وأن بلاده ستسعى "للحصول على مليار دولار سنويا لمدة 10 سنوات لدعم الجيش وقوات الأمن في لبنان".
كما أشار في كلمته إلى أن الجيش اللبناني "تمكن من بسط سلطته على جنوب الليطاني (ما عدا المناطق التي تحتلها إسرائيل) وجَمْع السلاح وتدمير ما لا يمكن استخدامه منه".
في هذا التصريح للرئيس عون عدة إشارات مهمة:
أن حزب الله نفذ التزاماته جنوب الليطاني، بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وفق القرار الأممي 1701، وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024، عقب حرب إسناد غزة.
الدولة اللبنانية تسعى لنزع سلاح حزب الله على كامل الأراضي اللبنانية، استجابة لطلب أميركي تقدم به المبعوث الأميركي توماس باراك في حزيران الماضي، وليس استحقاقا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع.
الطلب الأميركي مشفوع بالتهديد؛ بإعطاء إسرائيل حرية العمل العسكري ضد لبنان إن لم يلتزم بنزع سلاح حزب الله في المهلة المحددة زمنيا، ومشفوع بمحفزات اقتصادية إن التزم لبنان بنزع سلاح حزب الله، فالرئيس عون أشار في كلمته بأنه سيسعى للحصول على مليار دولار سنويا ولمدة 10 سنوات، هذا بالإضافة إلى وعد توماس باراك بإتاحة المجال للبنان لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.
في المقابل، حدد حزب الله موقفه، في 30 تموز، على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بقوله في كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال رئيس هيئة أركان الحزب فؤاد شُكُر بضربة إسرائيلية؛ إن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي".
كما اتهم الشيخ نعيم قاسم المبعوث الأميركي باراك بممارسة "التهديد لمساعدة إسرائيل"، وأن "الخطر الداهم هو العدوان الإسرائيلي"، مطالبا "بإيقاف العدوان، وليس تسليم السلاح لإسرائيل"، معتبرا بقاء إسرائيل في النقاط الخمس المحتلة جنوب لبنان "مقدمة للتوسع، وليست نقاطا من أجل المساومة ولا التفاوض عليها".
بهذا الإعلان، حسم حزب الله موقفه برفض تسليم سلاحه وفق الشروط الأميركية الإسرائيلية الجديدة، مع الإشارة إلى أن الحزب كان قد أجرى في جولات متعددة سابقة حوارات مع الرئاسة اللبنانية، وناقش فيها ما يُسمى "الإستراتيجية الدفاعية" للبنان، والتي تقتضي "ضم" قوات المقاومة مع الجيش اللبناني بصيغة توافقية بين الطرفين، شرط أن تفي إسرائيل بالتزاماتها؛ أي انسحابها من النقاط الخمس المحتلة، وبإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وبوقف عدوانها على الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل.
طريق مسدود
اتسمت الحوارات الثنائية بين الرئاسة اللبنانية والحزب بالإيجابية، استنادا إلى قناعة كل الأطراف، أن الحوار الداخلي بعيدا عن الضغوط الخارجية، هو الطريق الأوحد لتقريب وجهات النظر، بعيدا عن فكرة استخدام القوة التي تعني جر لبنان للاقتتال والحرب الأهلية التي لا يسعى إليها أي طرف في ظل التركيبة الطائفية، وموازين القوى الداخلية.
الضغط الأميركي الأخير والتهديد بلسانٍ إسرائيلي، عكرا عمليا أجواء الحوار بين الرئاسة والحزب، وانعكسا سلبا على آخر لقاء مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" البرلمانية، حيث وصل الحوار إلى طريق مسدود برفض رئيس الكتلة السيد محمد رعد مقترح الرئاسة بتسليم الحزب أسلحته الإستراتيجية أو الثقيلة بالتدريج أو على مراحل.
حزب الله يعتقد أن إسرائيل لن تتراجع عن سياساتها العدوانية، ولن تنسحب من جنوب لبنان في حال سلم سلاحه، لعدة أسباب أهمها:
إسرائيل لم تلتزم باستحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع لبنان، رغم التزام الحزب، من طرف واحد، وبإشراف اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، بتسليم سلاحه وإخلائه مواقعه جنوب الليطاني.
في المقابل، إسرائيل ترفض الانسحاب من النقاط الخمس المحتلة في الجنوب، وما زالت تقصف لبنان دون رادع، وتقوم بعمليات قتل واغتيال بشكل شبه يومي في كامل الأراضي اللبنانية، وليس فقط جنوب الليطاني.
إسرائيل ترفض الاستجابة لمطالب الدولة اللبنانية بالانسحاب من الجنوب، وبوقف عدوانها على الأراضي اللبنانية توطئة للحل.
الضغوط الأميركية تحول دون احتفاظ الجيش اللبناني بأسلحة حزب الله التي سلمها للدولة؛ كالمسيرات، وصواريخ "كورنيت" و"الماس" المضادة للدروع، رغم أهميتها الدفاعية للدولة اللبنانية، حيث يضطر الجيش لتدمير الأسلحة بدلا من الانتفاع بها.
الولايات المتحدة تعرض على لبنان الاستسلام للشروط الإسرائيلية مقابل إعمار ما دمره الاحتلال، ما يشير إلى النوايا السيئة ومستوى الغطرسة التي تجعل من إسرائيل تتحكم بحق لبنان الطبيعي في إعمار البلد، ما يثير الخوف من استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وتوسعه في ظل حكومة يمينية لاهوتية متطرفة.
يدرك حزب الله أن الطلب بنزع سلاحه له علاقة أيضا بإيران، وبسيناريو استهدافها مجددا في سياق إعادة رسم الشرق الأوسط الذي تتطلع له إسرائيل، وهذا أمر سيكون له تداعيات إستراتيجية على حزب الله وسرديته المبنية على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بدعم مباشر من إيران، ما يزيد المشهد تعقيدا.
السيناريو الأسوأ
الأنظار تتجه الآن نحو مخرجات اجتماع الحكومة اللبنانية المخصص للنظر في قضية نزع سلاح حزب الله استجابة للمطالب الأميركية الإسرائيلية.
الحكومة تواجه خيارات محدودة، في ظل استمرار الضغط الأميركي الذي يتسم بالعجلة، وفقا لطبيعة الرئيس ترامب ورغبته بحسم كل شيء خلال ساعات أو أيام، ما يزيد المشهد تعقيدا في بلد كلبنان، يتداخل فيه المحلي بالإقليمي بالدولي، وعلى تماس مع أعقد قضية في الشرق الأوسط، ألا وهي القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، يبدو أن الحكومة اللبنانية محكومة بخيارات محدودة، منها:
أولا: اتخاذ قرار بنزع سلاح حزب الله بالقوة، ما يُعد وصفة للاقتتال ولانهيار الوضع الأمني داخل لبنان، وتوطئة لانهيار المنظومة السياسية للدولة اللبنانية المبنية على التوافق والمحاصصة الطائفية.
ثانيا: لجوء الحكومة لسيناريو الحوار والتوافق الداخلي بشأن سلاح حزب الله، تجنبا لسيناريو الحرب الأهلية أو الاقتتال الداخلي، وهو على الأغلب لن يُرضي إسرائيل والإدارة الأميركية التي تطالب، على لسان مبعوثها توماس باراك، بنزع سلاح حزب الله خلال أربعة أشهر بدأت مع بداية هذا الشهر، وإلا فإن إسرائيل ستقوم بما تراه مناسبا لأمنها في لبنان.
هذا الواقع المعقد، يضع لبنان بين فرضيتَي الاقتتال الداخلي أو استئناف إسرائيل عدوانها المفتوح على لبنان وضد حزب الله، وفق تهديدات المبعوث الأميركي توماس باراك الذي يتابع الملف بشكل حثيث.
ملف نزع سلاح حزب الله هو أحد الملفات الساخنة التي تسعى إسرائيل لتسويتها في المنطقة، بالتوازي مع ملف حماس، والعلاقة مع سوريا الجديدة، وإيران التي لا يبدو أنها معنية حتى اللحظة بتغيير إستراتيجيتها الدفاعية وعلاقاتها الخارجية، التي تُشكل تحديا لنظرية إعادة رسم الشرق الأوسط وفقا للمعايير الأميركية الإسرائيلية.
الأيام والأسابيع القادمة ربما تحمل مفاجآت ذات بُعد أمني وعسكري، وقد تفتح الباب مجددا على مواجهة مباشرة مع حزب الله، في ظل تماهٍ كبير في الأهداف الإستراتيجية بين الإدارة الأميركية وإسرائيل.
واشنطن تسعى جاهدة لتحويل إسرائيل إلى عقد ناظم في الشرق الأوسط، لتتكئ عليها في قيادة المنطقة استنادا إلى "الاتفاقيات الأبراهامية" التطبيعية، لتتفرغ بدورها لمواجهة الصين وإصرار الرئيس بوتين على تحقيق أهدافه في أوكرانيا، ما قد يدفع بواشنطن للتعجيل بتسوية وحسم العديد من الملفات في الشرق الأوسط، ومنها سلاح حزب الله في لبنان.
أحمد الحيلة - الجزيرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|