هل تبعد السويداء السلام بين سوريا وإسرائيل؟
ماذا بعد أحداث السويداء؟ هل سقط الدروز السوريون ضحية الرهان على الحماية الإسرائيلية؟ هل ضحّت بهم إسرائيل على مذبح السلام الموعود مع النظام السوري الجديد برئاسة الرئيس أحمد الشرع؟ أم أن ما حصل في السويداء سيباعد بين تل أبيب ودمشق على خلفية أنه يبدل في قواعد اللعبة التي رسمت حدودها إسرائيل من خلال احتلال مناطق جديدة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟ هل كانت هناك خطوط حمر تجاوزها النظام الجديد؟ أم أن الأمور ستبقى تحت السيطرة وإن كان على حساب المكون الدرزي في المشهد السوري الكبير؟ وبالتالي تبقى الطريق سالكة أمام اللقاء الموعود بين الشرع ونتنياهو في البيت الأبيض؟
ماذا تفضّل إسرائيل؟ اتفاق سلام شامل مع رئيس الجمهورية في المرحلة الإنتقالية في سوريا أحمد الشرع في ظلّ دولة واحدة وحكم مركزي قوي؟ أم من الأفضل لها أن تكون سوريا مقسّمة لا سلطة قوية فيها، بل تناقضات متفجرة أمنيًا وسياسيا، وضياع للحدود بحيث تسقط تلقائيًا مسألة الحق السوري في المناطق التي كانت تحتلّها إسرائيل، في الجولان والقنيطرة وجبل الشيخ، منذ حربي 1967 و1973، والتي احتلّتها بعد سقوط نظام الأسد وفراره إلى روسيا؟
فاجأت الاشتباكات التي حصلت منذ أيام في محافظة السويداء السورية المتابعين للوضع السوري لأنّها أتت في ظلّ التوقّعات التي ملأت الأجواء تفاؤلًا بقرب توقيع اتفاق سلام، أو تطبيع، بين سوريا برئاسة الرئيس الشرع، وبين إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو.
المفاجأة نتجت عن عدة تطورات كانت تتراكم على أرض الواقع السوري منذ انهيار نظام الأسد وتولّي الشرع المسؤولية الرئاسية في 9 كانون الأول 2024:
• هل كانت هذه المدة، سبعة أشهر، كافية حتى يبدأ الحديث عن قدرة الرئيس الجديد في المرحلة الانتقالية على الذهاب نحو تأكيد التطبيع مع إسرائيل، أو عقد اتفاق سلام معها، من ضمن استراتجية واشنطن والرئيس دونالد ترامب توسيع دائرة اتفاقات أبراهام، التي بدأها في ولايته الأولى ويعمل على ضمّ دول جديدة إليها من بينها السعودية وسوريا ولبنان؟
• هل تمكن الحكم الجديد في دمشق من اكتساب الشرعية الواسعة التي تخوِّله الذهاب إلى النهاية في هذا الاتجاه؟ أم أنّه يحتاج إلى تأكيد السيطرة على كامل سوريا وإنهاء النزاعات الداخلية والنزعات الانفصالية التي برزت قبل سقوط النظام السابق وبعده، منذ بدأت الأحداث في سوريا عام 2011؟ وقد ترسخت هذه المظاهر في شكل خاص بعد انهيار النظام في مناطق العلويين في الساحل وفي مناطق الأكراد في الشمال وفي مناطق الدروز في الشرق والجنوب.
بين أذربيجان والسويداء
• اللافت في موضوع اشتباكات السويداء الأخيرة أنها أتت بعد أيام على الإعلان عن لقاءات حصلت في مدينة باكو عاصمة أذربيجان بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين خلال زيارة رسمية قام بها الشرع إلى هناك للقاء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لتوقيع اتفاقيات تتعلّق بالطاقة التي تحتاج إليها سوريا في مرحلة العودة إلى الحالة الطبيعية، وعلى ضوء الوعود الكثيرة بفرص الاستثمار الواعدة بمليارات الدولارات في دولة تحتاج إلى النهوض من تحت الأنقاض في كل القطاعات، وتحتاج إلى توظيفات في السياسة والأمن والاقتصاد والمال.
• على هامش زيارة الشرع تحدثت المعلومات عن لقاءات جانبية حصلت بين أعضاء في الوفد السوري ومسؤولين إسرائيليين توجّهوا إلى أذربيجان لهذه الغاية بحيث بدا أن اللقاء مع الإسرائيليين هو الهدف الرئيسي في هذه الزيارة. وقد تسرّبت معلومات أيضًا عن مشاركة الشرع في هذه اللقاءات التي شارك فيها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وقائد الأمن الداخلي في السويداء أحمد الدالاتي، الذي لعب دورًا رئيسيًا في الأحداث الأخيرة، والوفد الإسرائيلي الذي ضمّ مبعوثًا خاصًّا لنتنياهو، ومسؤولين أمنيين وعسكريين رفيعي المستوى.
• الحديث عن هذه اللقاءات يأتي ضمن أحاديث عن سلسلة لقاءات سابقة بين مسؤولين أمنيين من الجانبين، وبحسب التسريبات، من الممكن أن يحصل لقاء بين وزير خارجية سوريا الشيباني، ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، في مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل، ليكون أول لقاء مُعلن بين مسؤولين من ذلك المستوى.
الشرع ونتنياهو وترامب
• هذه اللقاءات تمهّد على ما يبدو للقاء منتظر في أيلول المقبل بين الشرع ونتنياهو وترامب في البيت الأبيض على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي مهّد ترامب طريق حضورها أمام الشرع بعد شطبه من قائمة الإرهاب واللقاء معه في المملكة العربية السعودية بعد وساطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارة ترامب للمملكة.
• اختيار أذربيجان مكانًا للمفاوضات كان موجّهًا ضد إيران التي اتهمت باكو بأنّها ساعدت إسرائيل في الهجوم عليها. ويعكس هذا الانقلاب في الوضع السوري التوتر الكبير بين طهران ودمشق حيث ذكرت المعلومات أن المفاوضات السورية الإسرائيلية تبحث في موضوع عقد اتفاقات تطبيع أمنية وسياسية تتناول تنسيق الموقف من إيران وسلاح «حزب الله». وضمن هذا الإطار يأتي الحديث عن كماشة إسرائيلية من الجنوب والبقاع، وسورية من الشرق الشمالي، تستهدف «الحزب» في حال لم يسلّم أسلحته.
• بعد سقوط نظام الأسد سارعت إسرائيل إلى تدمير معظم قواعد جيشه وأسلحته التي يمكن أن تشكّل خطرًا عليها. وتوغّل جيشها في مرتفعات جبل الشيخ والقنيطرة والجولان ليشرف منها على البقاع اللبناني وعلى دمشق. وقد حصل كل ذلك من دون أي صدام مع قوى الحكم الجديد في دمشق الذي بدا وكأنّه غير قادر على أي مواجهة من هذا النوع ومنصرف أكثر إلى تثبيت سيطرته على الداخل السوري، ومسلّم بالأمر الواقع.
ما بعد الأسد
• بعد سقوط نظام الأسد مباشرة سارعت إسرائيل إلى الإعلان عن أنها ستحمي الدروز في السويداء والجولان من أي اعتداءات قد يقوم بها الحكم الجديد. ووسّعت دائرة الرعاية إلى العلويين في الساحل السوري والأكراد في الشمال. ولكن هذا الأمر لم يمنع النظام الجديد، مع القوى التابعة له، من التوغّل في الساحل السوري وتصفية وجود ما سمّاه فلول النظام السابق، ومن محاولة توسيع هذه التجربة إلى السويداء التي تبقى التطورات فيها مرتبطة بالمواقف السورية والدرزية والإسرائيلية، بعد تدخل الطيران الإسرائيلي ضد قوات السلطة.
•يتكرر السيناريو نفسه مع الدروز في السويداء. كما حصل في نيسان الماضي في مدينتي جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق، يتم اجتراح حلّ أمني عسكري يقوم على الاعتراف بواقع الوجود الدرزي وحقوق الأقليات في هذه المناطق بانتظار الحل السياسي. خصوصًا بعد تأكيد واشنطن أنها ليست مع تقسيم سوريا وإلغاء حدود اتفاقية سايكس بيكو والعودة إلى بلاد الشام، وفق قول موفد الرئيس الأميركي توم براك «نريد سوريا موحدة ودستورًا يضمن تمثيل الجميع في البرلمان» علويين ودروزًا وأكرادًا.
تجارب الأسد ومياه طبريا
بطبيعة الحال، ليس الشرع هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق السلام مع إسرائيل. قبله كان اتفاق الهدنة عام 1949 بعد الحرب الأولى التي شارك فيها الجيش السوري في فلسطين وأدّت إلى انقلاب الزعيم حسني الزعيم على حكم الرئيس الأول شكري القوتلي. وقيل وقتها إن هذا الانقلاب كان بهدف توقيع هذا الاتفاق.
خطا رئيس النظام السوري حافظ الأسد الخطوة الثانية في اتفاق الهدنة الثاني في أيار 1974 بعد حربي 1967، التي خسرت فيها سوريا الجولان، وحرب 1973 التي توسّعت بعدها المنطقة التي تحتلّها إسرائيل.
بقي الأسد يرفض توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل على رغم جولات كثيرة من المفاوضات التي جرت على مراحل عام 1991 وعام 1994 وعام 2000 الذي شهد في 26 آذار اللقاء الأخير في جنيف بين الأسد الأب والرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي كان يريد أن يتوّج ولايته الرئاسية الثانية باتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا بعد اتفاقيات كامب دايفد مع مصر، ووادي عربا مع الأردن، وأوسلو مع منظمة التحرير.
الأسد الذي كان موافقًا على السلام اختلف مع كلينتون وإسرائيل على الثمن. طالب بالعودة إلى حدود 4 حزيران 1967 والوصول إلى مياه بحيرة طبريا. رفضت إسرائيل الطلب السوري. في 10 حزيران توفي الأسد ودخلت سوريا مرحلة جديدة مع تولي ابنه بشار الحكم.
سوريا واحدة أم أكثر؟
بعد خمسة أعوام أُجبِر الأسد على سحب جيشه من لبنان. في 15 آذار 2011 بدأ مواجهة الثورة الداخلية في سوريا التي استنزفت قواه على مدى 14 عامًا قبل أن يضطر إلى الفرار إلى موسكو.
اليوم يقف الرئيس الشرع في مواجهة استحقاقات كثيرة من بينها التطبيع أو السلام مع إسرائيل. هل يستطيع أن يتحمّل قرار التنازل عن الجولان أو تأجيره لإسرائيل؟ وهل تفضل إسرائيل الاتفاق معه على كل سوريا وتضحّي بالتالي بما عرضته على الدروز والعلويين والأكراد من حماية؟
لا شكّ في أن أي اتفاق تطبيع أو سلام بين الحكم الجديد في سوريا وبين إسرائيل ستكون له تداعيات على مستوى منطقة الشرق الأوسط بحيث يكون شاملا لمنطقة بلاد الشام التي عاد توم براك ليذكر بها كمنطقة جغرافية قبل قيام الدول المستقلة بعد العام 1920. وإذا وقعت سوريا هل يستطيع لبنان أن يبقى خارج هذا المسار؟
نجم الهاشم - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|