ماذا عنى برّاك في تحذيره إلى لبنان؟

حذّر المبعوث الأميركي الخاص، توم برّاك، في حديث إلى صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية، السبت 12 تموز الجاري، من ان لبنان يواجه خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية، ما لم تتحرك بيروت لحل مشكلة أسلحة «حزب الله».
وأشار إلى أن «لبنان بحاجة إلى حلّ هذه القضية وإلّا فقد يواجه تهديداً وجودياً»، مضيفاً «إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام» وأضاف «يقول السوريون أن لبنان منتجعنا الشاطئ، لذا علينا التحرك، أنا أعلم مدى إحباط الشعب اللبناني، هذا يحبطني».
أصاب برّاك في الكثير من ما قاله، لا سيما في موضوع الصراع الإيراني – الإسرائيلي الذي يجد لبنان فيه الرسمي والشعبي أزمة حقيقية، أدّت إلى إدخال لبنان في أتون الحرب التدميرية. أما بالنسبة إلى الشأن السوري، وعودة لبنان إلى الحضن الشامي، أي ما عُرف سابقاً ببلاد الشام، حيث كان لبنان جزءاً لا يتجزأ منها. فعلى ما يبدو يدخل من ضمن التهويل الدبلوماسي لحثّ الإدارة السياسية في لبنان لتسريع الخطوات لبتّ موضوع سلاح حزب الله.
في زيارته الأخيرة التي قام بها برّاك إلى لبنان ولقائه الكثير من القادة السياسيين والمسؤولين في الدولة اللبنانية، لم يأخذ الرجل ما كان ينتظره من إجابة صريحة حول المدّة المطلوبة رسمياً لسحب السلاح من حزب الله. بل تلقّى أكثر من ورقة تفاوضية، أي بصريح العبارة أكثر من إجابة بالوقت الذي كان الهدف من هذه الزيارة أن يتسلم ورقة تتضمن جدولة التسليم. لكنّ هذا لم يحصل، وإذ خرج على اللبنانيين أكثر من مسؤول في حزب الله في مقدمتهم الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، يؤكد على تمسّك الحزب بالسلاح، وإن الموضوع مرتبط بالوجود وليس بالحدود، أي حتى لو انسحبت إسرائيل من التلال الخمسة وكامل الأراضي فلن يتمّ تسليم هذه السلاح.
لا شكّ إن السلاح خلق أزمة حقيقية في الداخل اللبناني، حيث ارتفعت الأصوات التي تطالب بضرورة شرعنة هذا السلاح، وهناك أصوات ذهبت بعيداً متمثلة بموقف القوات اللبنانية برئاسة قائدها سمير جعجع الذي ردّ مباشرة على قاسم واضعاً قرار الحرب والسلم في عهدة الحكومة اللبنانية وليس أي فريق لبنان آخر.
معقّدة ومتوترة هي أجواء الداخل التي من الطبيعي أن لا تخرج بنص موحّد للسيد برّاك يحاكي تساؤلاته. فاللبناني منقسم على أكثر من جبهة، وسط أجواء سوريا غير مطمئنة كالحديث عن «التحشيد» العسكري السوري الضخم على جانب الحدود بين البلدين. والموضوع المستجد والمرتبط بشأن الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية، لا سيما السورية منها.
عاد ملف السجناء السوريين في لبنان إلى الواجهة مجدّداً، إثر تسريب معلومات تتحدث عن «إستياء الإدارة السورية حيال مماطلة لبنان في تسليمهم إلى بلادهم، والتلويح بإجراءات سياسية واقتصادية». هذه الاجراءات لا تتعلق بما قاله برّاك، بل في جزء منها ترتبط بإقفال الحدود بين البلدين الأمر الذي يسبب أزمة حقيقية للبنان التجاري ذات الوجهة العربية والمشرقية، حيث النقل البري. إضافة إلى إشكاليات كثيرة قد تسببها تلك القطيعة بين البلدين على رأسها موضوع النزوح السوري في لبنان والذي يقدّر عدده بالملايين.
رغم الانتكاسة الدبلوماسية بين البلدين، إلّا أنّ الوضع لن يصل إلى مستوى الضم، ورغم التهديد بفتح إسرائيل حرباً رابعة على لبنان فالأمر سيبقى تحت خانة تدمير قدرات الحزب وليس اجتياح بري واسع للبنان. إذ إن كافة الظروف لا تساعد ما طرحه الموفد الأميركية الممتعض من الردّ اللبناني، والذي أوضح أن صبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ ينفذ.
فالصراع في المنطقة لا يتعلق فقط بالمشروع الأميركي ولا بما يريده المجنون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ إن المقاومة الفلسطينية في القطاع والتي بدأت فعلاً تستنزف جيش العدو في العديد والعتاد، في صمودها سيكون لها دور إفشال مخطط الترحيل القسري لسكان غزة بحسب ما برز في المقترح الإسرائيلي الذي أصرّ فيه على بقاء رفح ضمن دائرة نفوذه في استعداد للدفع نحو التهجير إلى سيناء في مصر.
كذلك الأمر كان لافتاً الموقف الفرنسي الذي أكد على ضرورة استمرار عملية التنقيب في لبنان، وإفساح في المجال أمام شركاته العاملة للاستثمار في استخراج الطاقة في آبار لبنان. هذا الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد على أن باريس التي تطالب بالإبقاء على مهام قوات اليونيفيل في لبنان، يعمل على تأمين الاستقرار في البلد في غاية تؤكد على منافسة واضحة للمشروع الأميركي في المنقطة، حيث الطلاق بين الدولتين برز على أكثر من صعيد وفي أكثر من قضية دولية على رأسها السعي الفرنسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية مع دول الخليج العربي.
يقول ما يشاء برّاك، طبعاً ضمن ما يتناسب مع سياسات بلاده للمنطقة منها إلحاق لبنان في «قطار» التطبيع أسوة بسوريا. إذ لطالما ردّد المسؤول في لبنان سابقاً إن التطبيع مع الإسرائيلي لن يتمّ إلّا بعد أن تقوم سوريا بذلك. اليوم، سوريا تتأهّب إلى هذا المشروع، خصوصاً بعدما بدأت ترتب أوراقها الداخلية، على رأسها حلّ أزمات المليشيات على اراضيها تحديداً قسد «قوات سوريا الديمقراطية»، حيث الحلحلة بدات مع تسليم مجموعات كردية سلاحها، فهل سيترتب لبنان أوراقه في هذا الشأن بدءا من تسليم الحزب سلاحه؟
تتسارع التطورات في المنطقة، لتؤكد أنها لن تترك إلى الأميركي يعبث بها، فما نقله موقع «أكسيوس» عن مصادر مطّلعة، السبت 12 تموز، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبلاغه المسؤولين الإيرانيين بشأن ضرورة قبول اتفاق نووي بدون تخصيب يصبّ في صالح قطع الطريق على الإسرائيلي لكي لا ينفذ تهديده في معاودة الحرب على طهران، لأنّ هذا لا يخدم مصالح روسيا التي تجد في إيران بلد التحايل على العقوبات الغربية وورقة مهمة في الصراع مع الغرب.
خريطة «اتفاقية سايكس بيكو» عبر مشروع ضمّ لبنان إلى سوريا لا يمكن وضعه إلّا في خانة التهويل الدبلوماسي التي يترافق مع الحديث عن عودة «داعش» من ما حصل في تفجير كنيسة مار إلياس في سوريا في حزيران الماضي، جميعها أهداف تصب في خانة ممارسة المزيد من الضغط على الحزب بهدف تسليم سلاحه كي يتمّ ترتيب المنطقة في مشروع أميركا الجديد.
جيرار ديب
اللواء
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|