مصادر أمريكية : ترامب منزعج من بوتين وصبره ينفد
قالت مصادر مقربة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الأخير منزعج من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وصبره بدأ ينفد، إثر شعوره بأن الأخير لا يملك نية حقيقية لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ولم يمر الاجتماع الذي عقده ترامب مع فريقه الحكومي، مطلع الأسبوع، في المكتب البيضاوي دون أن يثير موجة من التوقعات حول تغير في نبرة وخطاب الرئيس تجاه نظيره الروسي خلال الفترة الأخيرة.
فقد تلاشت نبرة التفاؤل التي ميّزت تصريحات ترامب في الأشهر الماضية، والتي كان يظهر خلالها كأحد أكثر المتحمسين لإمكانية التوصل إلى اتفاق سريع مع موسكو بخصوص الحرب في أوكرانيا.
وبدلاً من ذلك، برزت مؤشرات على تصاعد الشكوك داخل فريق ترامب بشأن الأهداف الحقيقية لبوتين، وسط تقديرات جديدة ترى أن موسكو تسعى لكسب المزيد من الوقت لتعزيز سيطرتها على الأراضي الأوكرانية، ما من شأنه أن يجعل أي مفاوضات لاحقة أكثر تعقيداً من الناحية العملية.
كما اختفت التعابير الإيجابية التي اعتاد ترامب استخدامها عند الحديث عن بوتين، لتحل محلها لهجة تتسم بالتحفظ والقلق، بل وأحياناً الامتعاض، خاصة عندما يتعلق الأمر بنتائج اتصالاته الهاتفية مع الرئيس الروسي، أو بالنقاشات الجارية بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وكذلك الاتصالات المتكررة التي يجريها المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف مع المفاوضين الروس، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى لقاءات مباشرة مع بوتين داخل الكرملين.
هناك شعور متزايد بالإحباط داخل الفريق المعاون للرئيس دونالد ترامب، نتيجة سلوك القادة والمفاوضين الروس، بعد شهور من الجهود المتواصلة، بحسب ما أفاد به المصادر المقربة من الإدارة لـ"إرم نيوز".
وتشير المصادر إلى أن هذا الإحباط يعود إلى رهان كبير أطلقته الإدارة الأمريكية بناءً على الثقة الشخصية التي كان الرئيس ترامب يوليها للعلاقة التي تجمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان يعتقد أن هذه العلاقة يمكن أن تسهم في تسريع الوصول إلى أهداف مشتركة، وتحقيق اختراق حقيقي في مسار الأزمة الأوكرانية.
وبحسب المصادر، فقد أبدى ترامب مرونة كبيرة منذ بداية ولايته لتسهيل المفاوضات مع موسكو، بهدف دفعها نحو تسوية سريعة تنهي الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
وتقول المصادر إن ترامب أبلغ بوتين في وقت مبكر من وجوده في البيت الأبيض برغبته في إنهاء هذه الحرب وعدم السماح باستمرارها، مؤكداً التزامه بخفض التوتر مع دول أوروبا، من خلال إطلاق حوار واضح وصريح مع الشركاء التاريخيين للولايات المتحدة عبر الأطلسي.
كما تعهد ترامب، وفق ما نقله المقربون، بالعمل على وقف أشكال الدعم الأمريكي المختلفة لأوكرانيا، سواء المساعدات المالية أو العسكرية، في محاولة لإظهار جدية واشنطن في السعي نحو تهدئة شاملة وإنهاء الحرب المستمرة.
في المقابل، يقول المطلعون على مجريات التفاوض إن الرئيس دونالد ترامب كان يتوقع من الجانب الروسي قدراً كبيراً من المرونة، خاصة فيما يتعلق بالتوصل إلى خطوات أولية محسوبة بدقة، على رأسها هدنة مؤقتة تُفسح المجال أمام الوسيط الأمريكي لتهيئة الظروف المناسبة للعمل على تسوية طويلة الأمد مع الجانب الأوكراني، وبالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين.
وتوضح المصادر المقربة من الإدارة الأمريكية أن هناك فجوة واسعة بين ما يُقال في الجلسات التفاوضية من قِبل الرئيس فلاديمير بوتين ومساعديه، وبين ما يجري فعلياً على الأرض. فقد لاحظ أعضاء الفريق الأمريكي أن العمليات العسكرية الروسية لم تتراجع، بل كانت وتيرتها تتصاعد، مع اتساع نطاق الاستهداف الجغرافي، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين في أوكرانيا بفعل الهجمات الروسية المتكررة.
هذا التناقض بين الخطاب الروسي في المحادثات والتحركات الفعلية على الأرض أثار قلقاً بالغاً في أوساط الفريقين الأمني والدبلوماسي للإدارة الأمريكية، ودفع إلى طرح تساؤلات وتحفظات بشأن مدى جدية موسكو في السعي نحو تسوية حقيقية، والأهداف الفعلية الكامنة خلف سلوكها الميداني.
إعادة التقييم
في لحظة حرجة، قرر فريق الرئيس دونالد ترامب، بحسب ما أفاد به مقربون لـ "إرم نيوز"، إعادة النظر في مجمل الخطوات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية، في ظل شعور متزايد بالخذلان داخل أوساط المفاوضين الأمريكيين.
هذا الشعور نابع من حقيقة أن الرئيس ترامب تحمّل ضغوطاً داخلية هائلة من خصومه الديمقراطيين، إضافة إلى ضغوط من داخل الحزب الجمهوري ذاته، فضلاً عن توتر علاقاته مع عدد من الحلفاء الأوروبيين، بعدما فضّل نهج التفاوض المباشر مع موسكو وسعى إلى تمهيد الطريق لعودة تدريجية لروسيا إلى المشهد الدولي عبر خطوات مدروسة.
ورغم تلك المبادرات الأمريكية، لم يُقابلها جهد مماثل من الجانب الروسي، سواء من حيث النوايا أو الأفعال، ما عزز القناعة داخل إدارة ترامب بأن الإستراتيجية الحالية بحاجة إلى مراجعة شاملة. في ضوء ذلك، بدأت الإدارة بإعادة تقييم كاملة لمسارها في الملف الروسي، بما يشمل العلاقة مع موسكو وكييف، والمسار التفاوضي المباشر مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وفي هذه المرحلة من المراجعات، كان وزير الخارجية ماركو روبيو أول من أطلق إشارات علنية للتغيير، حين أعلن أن البيت الأبيض يدرس جدياً خيار الانسحاب الكامل من المفاوضات، إذا لم يظهر الجانب الروسي استعداداً حقيقياً لتحقيق نتائج ملموسة.
الفريق الأمني في البيت الأبيض عبّر بدوره عن قلقه من حجم الوقت والطاقة التي استثمرها الرئيس ترامب في هذا الملف، على حساب أولويات أخرى داخلية وخارجية، دون أن يحقق إلا الحد الأدنى من المكاسب الدبلوماسية المتوقعة. ويرى مسؤولو هذا الفريق أن جوهر الإخفاق يعود إلى غياب النوايا الصادقة من قبل المسؤولين الروس تجاه الجهود الأمريكية.
وفي واشنطن، لا يزال الديمقراطيون ينظرون إلى جهود ترامب التفاوضية مع بوتين باعتبارها مساراً عديم الجدوى، ويشيرون إلى أن جميع المحاولات السابقة للتقارب مع الرئيس الروسي لم تُفضِ إلى نتائج سياسية حقيقية، وأن الوقائع الميدانية ظلت على حالها دون تغيير.
عودة إلى المربع الأول
تؤكد المصادر ذاتها أن رؤية ترامب تجاه الحرب في أوكرانيا لم تتغير، ولا تزال قائمة على رغبته في إنهاء سريع للنزاع، كما وعد مراراً. لكن ما طرأ من تغيّر، بحسب المصادر، هو في تقييم الإدارة الأمريكية لإمكانية تحقيق هذا الهدف من الناحية الزمنية والعملية.
ففي وقت سابق من عمر هذه الإدارة، سعت إلى تجميد المساعدات المالية لكييف، ووقف تزويدها بالمعدات العسكرية، إيماناً منها بأن دعم المسار الدبلوماسي وتهيئة الظروف المناسبة له على الأرض هو السبيل الأمثل لإنهاء الحرب.
غير أن الأسبوع الجاري شهد تحولاً لافتاً، حين تدخل الرئيس ترامب شخصياً لإصدار قرار يقضي باستئناف إرسال المعدات العسكرية المتطورة إلى أوكرانيا، في خطوة مثّلت تراجعاً عن مواقف سابقة اعتبر فيها أن الدعم المالي والعسكري المتواصل لكييف يُرهق الخزينة الأمريكية ويفاقم نزاعاً لا طائل منه.
ولم يتأخر موظفو البنتاغون في تنفيذ أوامر الرئيس، حيث بدأوا سريعاً في تحريك شحنات الأسلحة، مؤكدين أنها تقتصر على الطابع الدفاعي. لكن هذا القرار فجّر موجة انتقادات في أوساط الديمقراطيين، الذين رأوا فيه إجراءً متأخراً جاء بعد فوات الأوان، وساهم في تغيير معادلات ميدانية لصالح روسيا، ما أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين الأوكرانيين، وفق تعبيرهم.
خطوة إلى الأمام
علّق وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على جلسة المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، قائلاً إنه استمع إلى "مقاربة جديدة وأفكار مختلفة" طُرحت من الجانب الروسي، لكنه أعرب عن عدم يقينه بشأن ما إذا كانت هذه الأفكار كافية لإحلال السلام في أوكرانيا وإنهاء سنوات الحرب المستمرة.
ورغم أن روبيو ترك الباب مفتوحاً لمزيد من النقاش، ريثما يطلع الرئيس دونالد ترامب على تفاصيل ما دار بينه وبين كبير الدبلوماسيين الروس، فإن نبرة حديثه عكست حالة الشك التي ما تزال تخيّم على الموقف الأمريكي، مدفوعة بسلسلة التجارب السابقة وجولات المفاوضات التي قادها شخصياً مع نظرائه الروس خلال الأشهر الستة الأولى من عمر إدارة ترامب.
وتقول المصادر المقربة من الإدارة الأمريكية، إن فريق ترامب يعمل، حالياً، وفق إستراتيجية ثلاثية المسارات. في المقام الأول، يُبقي الفريق على المسار الدبلوماسي مفتوحاً باعتباره الخيار المفضل، عبر المحافظة على الأجندة المحددة سلفاً، والتي تشمل لقاءات واتصالات هاتفية وأحاديث جانبية مع المسؤولين الروس، دون تعديل جوهري على هذا الإطار.
أما في المقام الثاني، فتنفذ وزارة الدفاع (البنتاغون) أوامر الرئيس باستئناف إرسال المساعدات العسكرية المباشرة إلى أوكرانيا، بهدف تمكين القوات الأوكرانية من التصدي للتقدم الروسي، ومنع سقوط المزيد من المناطق والضحايا المدنيين.
وفي المقام الثالث، تعمل الإدارة على تنسيق الجهود مع المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، من أجل تمرير مشروع قانون جديد يفرض عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا، وهي خطوة بات البيت الأبيض يدعمها علناً، كما ظهر جلياً في المواقف التي صدرت خلال الأيام الماضية.
هذا التوجه يمثل تحولاً واضحاً عن نهج المرحلة السابقة، التي شهدت تجميد المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا، وتعليق خطة العقوبات والعزلة المفروضة على روسيا. لكن بعد سلسلة من التقييمات الداخلية، بات واضحاً لدى الإدارة أن الخيار الدبلوماسي وحده لا يكفي، ولا يمكن أن يفضي إلى نتائج ملموسة على الأرض دون مساندة من الضغط العسكري والاقتصادي المتوازي.
ترامب وموعد الاثنين المقبل
بينما كان وزير الخارجية ماركو روبيو في طريق عودته من قمة "آسيان" إلى العاصمة واشنطن لإطلاع الرئيس دونالد ترامب على فحوى محادثاته مع نظيره الروسي، أعلن ترامب من واشنطن أنه سيصدر قراراً مهماً بشأن روسيا يوم الإثنين المقبل.
إعلان ترامب المنتظر جاء بمثابة تأكيد لما تردّد داخل أروقة واشنطن طوال الأسبوع الماضي، حول شعور متنام باليأس داخل البيت الأبيض من إمكانية التوصل إلى تسوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتشير الأجواء السائدة إلى أن الإدارة الأمريكية باتت ترى أن الوقت قد حان للعودة إلى المربع الأول في العلاقة مع موسكو.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|