حرب الـ12 يومًا: الفائزون كثر والخاسر واحد
لن يكون من الغريب أن يدخل مصطلح "حرب الـ12 يوماً" (الاسم الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب)، التاريخ للتعريف عن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة والتي فاقت التوقعات وهددت في وقت من الأوقات بتغيير وجه الشرق الأوسط برمّته ودخول حقبة جديدة، حتى إنها كادت أن تصل إلى حدود الحرب العالمية الثالثة كما روّج البعض من الشرق والغرب على حد سواء.
ومع انتهاء الحرب، يتردد السؤال البديهي: من فاز ومن خسر؟ أليس من المفترض أن تسفر أي حرب عن منتصر ومهزوم؟ في الواقع، كسرت حرب الـ12 يوماً التوقعات ولم تسفر عن منتصر، فإسرائيل أعلنت أنها انتصرت وحققت أهدافها بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني، فيما أثبتت إيران أنها قادرة على أن توجه ضربات مؤلمة لإسرائيل معتبرة أنها هي التي انتصرت وأن الرسالة التي أرادتها وصلت. ولكن الحقيقة، عبّر عنها ترامب نفسه حين شكر الطرفين معاً، معترفاً بذلك أن أياً منهما لم ينتصر، فالشكر لا يكون للطرف الخاسر، وكان واضحاً الرئيس الأميركي نفسه حين قال في وقت سابق إنه لن يضغط على إسرائيل كي توقف ضرباتها على إيران، وأن على طهران أن تدرك أنها تخسر الحرب، ولكنه سرعان ما بدّل موقفه وأجرى اتصالات سرّية مع النظام الإيراني، وكشف المستور في منشوره الذي شكر فيه إيران على إبلاغ أميركا مسبقاً عن نية قصف قاعدة العديد في قطر!.
وفيما بدا أن كل الأطراف قد انتصرت، خصوصاً وأن أميركا قصفت إيران ولم يُصب جندي أميركي واحد، وهو انتصار بحد ذاته للإدارة الأميركية الحالية، لا يلوح في الأفق إلا خاسر وحيد: القضية الفلسطينية. وللتذكير فقط، فإن كل أحداث الشرق الأوسط الأخيرة بدأت مع عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها، وأن الجبهات التي تم فتحها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، كانت لإسناد القضية الفلسطينية، ليتبيّن بعد نحو سنتين، أن هذه القضية باتت "مدفونة" في مكان يهدد بقطع الأوكسجين عنها بشكل تام، ما يمهّد لإعلان وفاتها بشكل رسمي. لا أحد يتحدث عن غزّة وعن الفلسطينيين وحقوقهم واستعادة أراضيهم، وكأن المسألة باتت محصورة في رسم حدود جغرافية جديدة وبالغة الصغر لحشد عدد من الفلسطينيين فيها، فيما لا بد من "توزيع" العدد الآخر على أماكن متفرقة.
من الواضح أن حدود إسرائيل الجغرافية ستكبر بفضل هذا الإجراء، وحدود الدولة الفلسطينية الموعودة ستصغر أكثر فأكثر، والأخطر أن كل ذلك سيتم باعتراف دولي ومن دون أي قدرة على مواجهة "المتنمر الإسرائيلي" المدعوم من الجميع، بمن فيهم دول عربية.
شكّلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية متنفساً للفلسطينيين، اعتقدوا فيه أنها ستكون مقدّمة لإعادة إحياء قضيتهم وفق أسس أكثر واقعية ومنطقية، وعدم التسليم برغبة إسرائيل وحدها، بل الأخذ في الاعتبار أيضاً الرغبة الفلسطينية، ولكن كل هذه الأحلام انكسرت فجأة، وها هم الفلسطينيون يسيرون على درب التسليم لعقود طويلة من الزمن، بالأمر الواقع الذي سيتم فرضه، والقاضي بقبول دولة "اسمية" يعتبرونها موطنهم، مجرّدة من كل مقومات الاستمرارية لدولة سيدة وحرة ومستقلة.
انتصر الكثيرون من حرب الـ12 يوماً، إلا أنّ الخاسر واحد، ويبدو أن الوقت سيمرّ ثقيلاً على الفلسطينيين وقضيتهم، على أمل ألا تدفع بعض الدول التي لا حول لها ولا قوة، على غرار لبنان، ثمن إنهاء هذه القضية عبر اعتماد التوطين أو غيره، فيما يبقى الأمل في رؤية شرق أوسط جديد أكثر استقراراً، علماً أن السلام الدائم والشامل ليس مضموناً طالما أن إسرائيل تستمر في "تنمّرها" على الجميع، لأن هذه الممارسات تغذّي رغبة المقموعين في الانتقام، وهم يتحينون الفرصة لذلك أكانت قريبة أم بعيدة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|