الرئيس عون استقبل مستشار وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط
الحرب انتهت… لكن الصراع لم يُحسم
بعد 12 يومًا من الحرب العنيفة بين إيران وإسرائيل، انقشع غبار المعركة عن هدنةٍ وُصفت بالهشّة، وسط تساؤلاتٍ لا تقلّ أهمية عن دوي الصواريخ: من انتصر؟ وهل فعلاً وضعت الحرب أوزارها؟
الطرفان وافقا على وقف إطلاق النار، لكنّ القراءة المتأنّية للمشهد تشير إلى أنّ ما توقّف هو الجانب العسكري المفتوح، بينما لا تزال النيران مشتعلةً تحت الرماد على جبهات أخرى، أخطرها الجبهة الأمنية والاستخباراتية.
في الشّكل، كلّ طرف يقدّم نفسه كمنتصر. في المضمون، يرى خبراء أنّ الحرب لم تحسُم الصراع، بل أعادت تشكيل موازين القوى بطريقةٍ معقّدةٍ.
فما الذي تغيّر؟ ومن الرابح الحقيقي؟ وما مصير الملفات العالقة، من النووي إلى النفوذ الإقليمي؟
هذه الأسئلة يجيب عليها كلّ من المحلّلَيْن السياسيَيْن أكرم السريوي ويوسف دياب، كلّ من زاويته، في تحليلٍ متكاملٍ لتداعيات ما بعد وقف إطلاق النار.
ويقول المحلّل السياسي والخبير العسكري أكرم سريوي، في حديث لـ “هنا لبنان”، إن الحرب قد انتهت ووقف إطلاق النار أصبح أمرًا واقعًا، “بصرف النظر عن هوية الطرف الذي أطلق الرصاصة الأخيرة أو مَن خرَق الاتفاق”. ويؤكّد أنّ “القرار بوقف القتال جاء نتيجة رغبةٍ جماعيةٍ من جميع الأطراف المتحاربة”.
ويضيف سريوي: “أي طرف لم ينجح في حسم المعركة لصالحه، واستمرارها كان سيصبح ضربًا من العبثية، يُحمّل الضرر للجميع من دون تحقيق مكاسب حقيقية”.
ويشير إلى أنّ “جميع الأطراف الآن تدّعي النصر، لكنّه يرى أن الحقيقة تكمن في وجود بعض الإيجابيات لكلّ طرف، يقابلها نقاط ضعف تكشّفت خلال المواجهات”.
ويتحدث سريوي عن الموقف الإسرائيلي قائلًا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتبر نفسه “بطل إسرائيل”، وقد نجح في تعزيز شعبيّته بشكل كبير، خاصةً بعد الضربات التي وجهها لإيران وبرنامجها النووي. ويضيف أن “الحرب أعادت له جزءًا من “الوهج السياسي” الذي كان يحتاج إليه لتعزيز موقعه والاستمرار في الحكم لفترة مقبلة”.
أمّا على الجانب الإيراني، فيقول سريوي إنّ “طهران ترى أنّها حقّقت إنجازًا استراتيجيًّا، على الرَّغم من الخسائر الجسيمة”.
ويضيف أن “الهدف الأميركي والإسرائيلي لم يتحقّق، مشيرًا إلى أنّ البرنامج النووي لم يُدمّر، وأنّ إيران لا تزال تملك القدرات على مواصلة التخصيب وبناء أجهزة الطرد المركزي”.
ويؤكّد أن “العماد الحقيقي للبرنامج النووي الإيراني يتمثّل في العقول البشرية والبنية التقنية الذاتية، لافتًا إلى أنّ بعض المنشآت قد تكون تضرّرت، لكنّها قابلة للإعادة أو التوسعة مجدّدًا”.
ترامب الآمر الناهي
ويرى سريوي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ظهر بصورة “الآمر الناهي”، غذ صوّر نفسه على أنّه مَن بدأ الحرب ومن أوقفها.
كما يقول إنّ ترامب “يريد أن يقطف ثمرة هذا النزاع باعتباره انتصارًا سياسيًا وشخصيًا، على الرَّغم من أن الكثير من مزاعمه، بحسب السريوي، “غير دقيقةٍ”، خاصةً ما يتعلّق بتدمير البرنامج النووي الإيراني.
المعركة الميدانية: لا أحد خرج منتصرًا
وبحسب سريوي، فإنّ إيران تكبّدت خسائر كبيرة بشريًا وماديًا، خصوصًا في منشآتها النووية والعسكرية، لكنّه يلفت إلى أنّ الدفاعات الإسرائيلية فشلت في صدّ الصواريخ الإيرانية، على الرَّغم من التطوّر التكنولوجي ووجود منظومات “باتريوت”.
ويُضيف أنّ “نجاح الصواريخ الإيرانية في الوصول إلى أهدافٍ استراتيجيةٍ داخل إسرائيل شكّل صدمةً داخليةً، لافتًا إلى أنّ استمرار الحرب لفترةٍ أطول كان ليؤثّر سلبًا على مكانة نتنياهو، خصوصًا في ظلّ عجز المنظومة الدفاعية عن التصدّي للهجمات”.
ويؤكّد أنّ “المسألة لم تكن في حجم الخسائر، بل في الرسائل المتبادلة التي كشفت عن استعداد إيران لخوض مواجهة أوسع إنْ لزم الأمر”.
ويختم سريوي: “الحرب لا تُقاس فقط بعدد الضحايا أو بقيمة الأضرار، بل بتأثيرها في الدول”، مشيرًا إلى أنّ “إيران على الرَّغم من خسائرها تحتمل ذلك بحكم حجمها الجغرافي والبشري، لكنّ إسرائيل بحكم صغرها تتأثّر نفسيًا وسياسيًا وعسكريًا بخسائر أقل”.
وقف إطلاق النار هشّ… والمواجهة تتحوّل إلى استخباراتية
من جهته، يرى المحلّل السياسي يوسف دياب أنّ “الهدنة المُعلنة بين إسرائيل وإيران ستبقى صامدةً في وجه العودة إلى المواجهة التدميرية المفتوحة، التي استمرت 12 يومًا، لكنّه يؤكّد أن وتيرة هذه الحرب لن تعود إلى ما كانت عليه، فيما يشدّد على أن العمل الاستخباراتي والأمني الإسرائيلي لن يتوقّف”.
ويضيف دياب أنّ “إيران بعد 13 حزيران لن تعود إلى الوضع الذي كانت عليه قبله، كما أنّ إسرائيل لن تقبل بإعادة الأمور إلى ما قبل تلك الحرب”.
ويشير إلى أنّ وقف إطلاق النار الحالي يشبه إلى حدٍّ بعيدٍ وقف إطلاق النار غير المُعلن بين إسرائيل وحزب الله، إذ إن الاتفاق الشفهي الذي أُعلن مؤخرًا قد يتضمّن بندًا أميركيًا غير معلن، يمنح إسرائيل تفويضًا بالتحرّك إذا شعرت بوجود تهديد إيراني جدّي لأمنها”.
توقف الحرب العسكرية لا يُلغي “الأمنية”
ويُشير دياب إلى أنّ وقف استخدام سلاح الجو وصواريخ التوماهوك، مقابل توقّف إيران عن إطلاق الصواريخ، “لا يعني بالضرورة نهاية المواجهة، بل نحن أمام مرحلةٍ جديدةٍ سيكون عنوانها العمليات الأمنية والاستخباراتية، مثل الاغتيالات، وتفجير مواقع محددة، وتنفيذ عمليات نوعية داخل إيران أو عبر أطراف ثالثة، ولكن بوتيرةٍ أسرع ممّا كانت عليه قبل الحرب”.
ويضيف: “المعركة لم تنتهِ بالمعنى الكامل، بل انتقلت من المواجهة العسكرية المفتوحة إلى المواجهة الاستخباراتية المحدودة. إسرائيل ستبقى حاضرة أمنيًا في الإقليم، وإيران لن تملك القدرة الكافية للردّ، لأن أي ردّ واسع قد يُعيد إشعال الحرب التي حاولت طهران وقفها بأي ثمن”.
إيران إلى طاولة المفاوضات… ولكن من موقع ضعيف
ويرى دياب أنّ التطورات الأخيرة تدفع باتجاه العودة إلى طاولة الحوار بشأن الملف النووي الإيراني، لكنّ هذه العودة ستكون بشروطٍ أميركية – إسرائيلية.
ويقول دياب إنّ “إيران قد تجد نفسها مضطرّةً للتفاوض وهي في موقع ضعفٍ، بعدما فقدت ورقتها النووية القوية، وأصبحت تحت ضغط التخلّي عن قوتها الصاروخية وأذرعها الإقليمية”.
ويضيف: “صحيح أنّ وقف إطلاق النار يحفظ ماء وجه طهران ظاهريًا، لكنّه في المضمون يعكس ميزان قوى مائل لمصلحة إسرائيل، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل ستجني المكاسب السياسية والعسكرية من نتائج ما بعد الحرب، بدعمٍ أميركيّ واضحٍ، في حين ستجد إيران نفسها مجرّدةً من أوراق القوّة التي مكّنتها سابقًا من فرض شروطها في الإقليم”.
ويشير دياب إلى أن “إسرائيل اليوم هي الرابحة الفعلية في هذه المواجهة، على الرَّغم من أن الشكل الخارجي لوقف إطلاق النار يبدو متكافئًا”.
ويتابع: “إذا ما تمّ رفع العقوبات عن إيران أو أُعيد دمجها في المنظومة الدولية، فسيكون ذلك على حساب كل عناصر قوتها، ما يعني أنّها ستدخل هذا المسار وهي مجرّدة من كل النفوذ”.
ويحذّر دياب من أن “النظام الإيراني سيكون مهددًا في حال فقد أدوات القوّة التي تحصّنه داخليًا وخارجيًا”.
ويقول: “إذا لم يسقط هذا النظام بفعل الحرب، فإنّ الضغوط الداخلية قد تطرح بقوة مسألة بقائه خصوصًا في ظلّ فقدان القدرة على المناورة السياسية والعسكرية”.
ويختم دياب: “علينا أن ننظر إلى ما بعد الاتفاق، لا إلى ظاهره وشكله، إيران لم تعدْ تلك الدولة التي تهدّد وتتوعّد وتفرض شروطها، اليوم هي أمام خيار تقديم تنازلات كبيرة ومؤلمة، وتحديدًا في ملفات تعتبرها جوهرية كالصواريخ والنفوذ الإقليمي، وهذا ما يجعلها في وضعٍ صعبٍ لا تُحسد عليه”.
ناديا الحلاق ـ”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|