الصحافة

بلاد البترون تحتضن محمد عمران قبل أن "تصطاده" مخابرات الأسد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تأكّد اللواء محمد عمران (وزير الدفاع السوري في عهد أمين الحافظ) من صدق كلام الملازم السوري العلوي يوسف الخطيب وربطه بمعلومات الأمن العام اللبناني، فغادر طرابلس على الفور وعاد إلى مقرّ إقامته وجمع أغراضه ورحل برفقة صديقه العلوي السوري وأحد مرافقيه ووجهتهم بلدة دوما في جرد البترون.

لماذا إلى دوما؟

كانت دوما البترونية ومنذ مطلع القرن العشرين مصيفًا مهمًّا لعائلات ميسورة من الساحل السوري، ومن بينها عائلة رفيق اللواء عمران، التي ارتبطت بصداقات مع عائلات من دوما، فصعد مع اللواء عمران إلى منزل يملكه سليم مسلّم المعروف بسليم الصايغ كانت تستأجره عائلة الشاب العلوي سنويًّا والبعض يقول إنها كانت تتملّكه.

مطلع ثلاثينات القرن العشرين ومن خلال عائلة الشابّ العلوي، توجّه سليم مسلّم إلى دمشق وعمل في مهنة صياغة الذهب فحمل اسم الصايغ، وراح يتردّد إلى الساحل السوري حيث فتح محلًّا في طرطوس لبيع وصياغة الذهب حمل أيضًا الهوية السورية.

في دوما، استقبل راجي ابن سليم الصايغ اللواء عمران ورفيقه ومرافق اللواء عمران واهتمّ بهم، لكن رفيق اللواء عمران غادر إلى بيروت وبقي عمران ومرافقه في دوما.

وصل عمران إلى جرد بلاد البترون ما بين النصف الثاني من شهر آب وبداية شهر أيلول، فشعر بارتياح بعد ضغط أيام السجن وطرابلس.

نسج عمران في دوما صداقات مهمّة مع العديد من وجهائها وجوارها وكان يتردّد على منازل عدّة ويستقبل الزوّار.
من أبرز الأماكن التي كان يقصدها، دار عائلة الدكتور وائل خير التي شهدت حلقات نقاش سياسي حول العروبة والشيوعية والاشتراكية والرأسمالية وضمّت مفكّرين يمينيين ويساريين وعروبيين من أبناء المنطقة وزوّار اللواء عمران.

كما تردّد اللواء عمران إلى فندق يوسف رزق من بشعله، وكان فندقًا صغيرًا يضمّ أقلّ من 10 غرف، كان قائمًا بين دوما وبشعله في محلّة صليب بشعله، حيث كان يختلي للكتابة ولقاء بعض أنصاره وضيوفه، الذين كانوا يقيمون فيه عند زيارتهم اللواء عمران. مكث اللواء عمران في دوما حتى مطلع شهر كانون الأول وغادر إلى بيت مري.

لهذا السبب غادر دوما

بحسب ما أخبر لاحقًا أن الشتاء هبط تلك السنة باكرًا ووصل الثلج وما كان معتادًا على طقس كهذا، كما أنّ دوما بعيدة من طرابلس وبيروت والمواصلات إليها صعبة خاصة في الشتاء، فوجد صعوبة في التواصل مع رفاقه وأنصاره واشتكى له زوّاره من مشقّة الطريق فقرّر المغادرة.

ترك اللواء عمران دوما إلى بيت مري وأقام في منزل يملكه رفيقه العلوي السوري. وبقي فيها إلى أواخر شهر آذار من العام 1968، حيث عاد إلى طرابلس وسكن في محلة القبة – ساحة الأميركان بين أفراد عشيرته العلوية، عشيرة الخياطين.

لماذا عاد إلى طرابلس؟

أراد أن يكون إلى جانب الدكتور عبد المجيد الرافعي في معركته الانتخابية النيابية. أيضًا، يبدو أن المخابرات السورية اكتشفت محل إقامته الجديد، وهناك رواية يتذكّرها البعض أنه وصل إلى منزل اللواء عمران في بيت مري ضابط سوري علوي قد يكون الملازم يوسف الخطيب أو ضابط من قبله وأبلغ اللواء عمران أنّ مكانه كُشفَ وعليه السفر أو الاختباء والابتعاد عن الأضواء، فقرّر العودة والإقامة بين عشيرته.

تجدر الإشارة، إلى أنه نهار الجمعة 24 تموز 1981 وفي طريقه من بيروت إلى دمشق، اختفى سليم ابن راجي سليم الصايغ الذي استقبل اللواء عمران في دوما، ولم يعثر على أثر له، وكان يقود سيارة مرسيدس 220 موديل 1980 حمراء اللون، وشوهد آخر مرة في برج حمود قبل دقائق من انطلاقه، ولم يثبت دخوله الأراضي السورية عبر معبر المصنع – جديدة يابوس.

اللواء عمران في البترون

على أثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السوري أمين الحافظ ووزير دفاعه اللواء محمد عمران سنة 1966 غادر سوريا الكاتب المعروف مطاع صفدي، وطلب اللجوء السياسي إلى لبنان وسكن في طرابلس، وانتقل أواخر العام 1968 إلى البترون وسكن في حي مراح الشيخ في المنزل الذي كان يقيم فيه خليل بك عقل والد النائب سايد عقل.

بعد وصوله إلى البترون، نسج علاقات اجتماعية مع أبناء المدينة، وسجّل أولاده في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين وثانوية البترون، وربطته صداقات مع العديد من رجالات البترون من أبرزهم جاره الأقرب اسطفان الشدياق ويوسف مارون مختار البترون في ما بعد.

شكّل منزل مطاع صفدي ملتقى سياسيًا ثقافيًا عروبيًا وزاره العديد من الكتّاب والأدباء والقيادات العروبية، أبرزهم ميشال عفلق مؤسس حزب "البعث" والقيادي البعثي أكرم الحوراني والشاعر نزار قباني: لم يكن مطاع صفدي بعثي الانتماء إنّما كان عروبيًّا. كما كان دائم التردّد مع ضيوفه إلى منزل الخوري طانيوس منعم، الذي شهد وقتها حلقات نقاش سياسي وثقافي.

بعد سكنه في طرابلس، تردّد اللواء عمران إلى منزل مطاع صفدي في البترون، وكان يزوره أكثر من مرة أسبوعيًّا وأحيانًا ينام عنده، وغالبًا ما كان يُشاهد مع قيادات حزبية عروبية ومفكرين في مقهى "شه حلمي". والتقى سفراء بينهم السفير العراقي.

ومن خلال مطاع صفدي تعرّف اللواء عمران إلى العديد من رجالات البترون، الذين زار بعضهم في منازلهم وتناول الطعام عندهم، وكان يوسف مارون أبرز الذين تواصلوا معه ودعاه أكثر من مرة لتناول الطعام، وغالبًا ما جلس اللواء عمران في محل يوسف مارون لبيع الأدوات المنزلية في سوق البترون القديمة.

هناك رواية يتذكّرها البعض في البترون تقول إنه في أحد الأيام كان اللواء عمران جالسًا في محل يوسف مارون قرب الباب، وصودف مرور عامل سوري فعرفه وتفاجأ بوجوده وغادر مسرعًا ليخبر رفاقه، وخلال دقائق تجمهر في الشارع قبالة المحل ما لا يقلّ عن 20 عاملًا سوريًّا معظمهم من الطائفة العلوية. لم يتذكر أحد أنه تكلّم معهم، لكن عند خروجه من المحل وقف العمّال باحترام شديد "تأهّب" وهو يمرّ أمامهم متوجّهًا إلى سيارته، كانت لديه سمات الوقار والهيبة.

هل خطّط لاستلام الحكم مجدّدًا في سوريا؟

في البترون رواية أخرى تقول إنه في إحدى الأمسيات، مازح اللواء عمران المختار يوسف مارون قائلًا: "يا أبو غابي بس إستلم الحكم بسوريا رح عيّنك مدير ناحية".

شهدت بلاد البترون اعتبارًا من النصف الثاني من ستينات القرن المنصرم وبداية الحرب سنة 1975 نشاطًا حزبيًّا يمينيًّا ويساريًّا مهمًا جداً، وكانت الحركة الطالبية في أوج ازدهارها وشكّلت ثانويّتا البترون وتنورين الرسميّتان أهمّ ساحات النضال الحزبي والسياسي.

شارك اللواء عمران في عدة نشاطات فكرية حزبية في البترون، وأكثر من مرة كان يأتي برفقته عدد من المفكرين البعثيين وتناقشوا مع مفكرين يمينيين، وفُتحت حلقات البحث الفكري بين القومية العربية والسورية واللبنانية والفينيقية وبين الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية.

من أهم اللقاءات كانت تلك التي عقدها اللواء عمران ومن كان يرافقه مع نائب البترون الدكتور جورج سعاده وعدد من المفكرين الكتائبيين واستضاف بيت "الكتائب" في البترون عمران أكثر من مرة.

هل كان يخاف من الاغتيال؟

كان يقود سيارته إلى البترون ومعه مرافق أو اثنان لا أكثر، ولكن قبل اغتياله بشهر أو اثنين، يبدو أنه أصبح مطمئنًّا أكثر، فبات يأتي إلى البترون معظم الأحيان بمفرده أو مع مرافق واحد في بعض الأوقات، ويعود إلى طرابلس في ساعة متأخرة.

في إحدى المرات قبل اغتياله بأسابيع قال له مطاع صفدي: "يا أبو ناجح صرت عم تتجول بمفردك من دون مرافقين أو معك مرافق واحد وهيدا ما بجوز: ركبت ناضور لباب الشقة عندك؟".

- رد عمران: "لا يا أبو أيمن ما في لزوم".

- "عم تغلط يا أبو ناجح عم تتنقل بمفردك وما ركبت ناضور ما بيجوز: أنا ركبت وما بفتح الباب إلا ما إتأكد من الطارق؟".

لماذا اطمأن اللواء عمران وأصبح يخرج بمفرده؟

هناك رواية غير معروفة كثيرًا، ولم يكتب عنها أحد بعد، يردّدها بعض البعثيين الطرابلسيين القدامى ولا أدّعي أنّني استطعت جمع كل تفاصيلها، ممّن رواها لي وأبرزهم الأستاذ هشام أزمرلي مدير مكتب مؤسس "البعث" ميشال عفلق والأستاذ عاصم شلق المفكر البعثي وهو من راس نحاش البترونية.

تقول الرواية: قبل اغتياله بأشهر قليلة والبعض يقول قبل شهر من الاغتيال زار رفعت الأسد اللواء عمران في طرابلس والتقاه لساعات.

هدف اللقاء:

غير واضح إن كان طلب من عمران العودة إلى سوريا، ولكن المؤكّد أنه طلب منه تهدئة الوضع خصوصًا أن نظام الأسد لم يثبت وضعه بعد.

أما اللواء عمران فطلب من رفعت الأسد، إطلاق سراح القياديين البعثيين الذين انقلب عليهم حافظ الأسد، وهم: صلاح جديد ونور الدين الأتاسي ورفاقهما وكانوا حوالى 24 قياديًّا والسماح لهم بمغادرة سوريا. وإطلاق سراح القيادي البعثي اللبناني محمود بيضون الذي خطفته المخابرات السورية من طرابلس في شباط 1971.

كان رأي اللواء عمران أنه لا يجب أن يتسلّم رئاسة الجمهورية السورية علوي "فنحن أقلية ولن يستتب الحكم وسيبقى القمع وسيسقط الحكم العلوي بالدم ولو بعد سنوات وسنوات".

رفعت الأسد: "لا تهتم لقد حكمنا البلد".

عمران: "أي بلد رح تقدروا تحكموه بمصطفى طلاس وعلي دوبا وشفيق حيدر وشفيق فياض وحكمت الشهابي؟ بعرفهم منيح وبعرف تاريخهم وقدراتهم".

يقول بعض البعثيين إنّ "عمران كان يحتقرهم ويشكك في كفاءتهم".

أيضًا، يروي بعض البعثيين في ما خص العودة إلى سوريا، قال اللواء عمران لرفعت الأسد: "ما بدي كون سليم حاطوم آخر". حاطوم كان ضابطًا سوريًّا، وبعد انقلاب صلاح جديد هرب إلى الأردن، لكنه عاد إلى سوريا خلال حرب حزيران 1967 للمشاركة في قتال إسرائيل فاعتقل على الفور وعُذّب وأُعدم.

ردّ رفعت الأسد: "صلاح جديد من قتل سليم حاطوم والرئيس حافظ الأسد أعاد صرف معاشه التقاعدي لأرملته كما أعاد صرف معاشك التقاعدي الذي تقبضه زوجتك أوّل كلّ شهر".

أيضًا يُروى أن رفعت الأسد طلب من اللواء عمران عدم دعم حملة الدكتور عبد المجيد الرافعي النيابية.

يقول بعض البعثيين الطرابلسيين إن سنوات المنفى، غيّرت اللواء عمران وما عاد مؤمنًا بالحكم العسكري وأصبح مقتنعًا بتسلّم مدنيين الحكم في سوريا بعد إجراء انتخابات حرّة.

هل اطمأنّ اللواء عمران بعد لقاء رفعت الأسد؟

يبدو كذلك، بحيث أصبح يصل إلى البترون بمفرده في غالب الأوقات، ولكن لم يمض وقت حتى اغتيل في 5 آذار 1972 عندما قرعت إحدى السيّدات باب منزله في محلّة القبة، وفتح لها ليعالجه فريق الاغتيال بطلقات عدّة من مسدس كاتم للصوت، أردته على الفور.

أحدث اغتيال اللواء عمران صدمة في البترون وحزن الجميع لمقتله حتى الذين كانوا يخالفونه رأيه السياسي.

أما مطاع صفدي فبقي في البترون حتى مطلع صيف 1975، وعقب اندلاع الحرب غادر إلى بيروت ومنها إلى باريس حيث توفي سنة 2016.

نبيل يوسف - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا