هل يسقط النظام الإيراني؟
تسقط الأنظمة الأوتوقراطيّة بواحدة من هذه الطرق: 1) اجتياح خارجي بعد خسارة حرب (على سبيل المثال، سقوط نظامي هتلر وموسيليني بالحرب العالميّة الثانية؛ ونظام صدّام حسين بعد الغزو الأميركي للعراق، عام 2003). 2) تخلّي النخب الحاكمة طواعية عن الحكم (فكّر مثلًا بالتحوّل الديمقراطي في إسبانيا بعد تخلّي ورثة فرانكو عن مقاليد السلطة عام 1982؛ أو بانتقال الأرجنتين من الحكم العسكري إلى الحكم المدني عام 1983 بعد خسارة حرب الفوكلاند). 3) انقلاب عسكري أو من داخل أروقة السلطة (فكّر بسقوط نظام الملك فاروق بمصر بعد انقلاب الضبّاط الأحرار عام 1952، وبعشرات الأمثلة المشابهة بالعالم العربي، وعموم دول العالم النامي). 4) ثورة شعبيّة سلميّة (فكّر بسقوط نظام الشاه بإيران عام 1982؛ أو نظام زين العابدين بن علي بتونس عام 2011).
قبل التفكير بوضع إيران حاليًّا، أضيف ملاحظتين إلى ما سبق: 1) العلاقة بين الطرق الأربع ليست علاقة نفي مزدوج بمعنى أنّ واحدة لا تنفي بالضرورة الأخرى. سقوط النظام المصري عام 2011 كان بنهاية المطاف نتيجة تلاقي ثورة شعبيّة سلميّة، مع تحرّك قادة الجيش ضدّ نظام مبارك. بمعنى آخر، يمكن لعاملين، أو أكثر، أن يجتمعا للإطاحة بحاكم أوتوقراطي. 2) سقوط نظام أوتوقراطي لا يعني بالضرورة التحوّل إلى الديمقراطيّة، إذ يمكن أن يحلّ طاغية مكان آخر. مثلًا، عام 1979، انتقلت إيران من نظام الشاه الدكتاتوري السيّئ إلى النظام الإسلامي الشمولي الأسوأ (والفارق بين الاثنين واضح: النظام الدكتاتوري يكتفي بالقبض على السلطة، دون أن يأبه كيف يعيش الناس بالمجتمع، أي مثلًا، ما إذا كانت النساء يرتدين الحجاب أم لا. النظام الشمولي، بالمقابل، يبغي التحكّم بالفضاءين السياسي والمجتمعي بآن، ولا يستطيع أن يتخيّل إمكانيّة الفصل بينهما). استطرادًا، عام 1952، انتقلت مصر من نظام ملكي فيه عناصر ليبراليّة واضحة (تعدديّة حزبيّة؛ انتخابات نيابيّة تنافسيّة؛ برلمان؛ حريّات صحافيّة مقبولة؛ ساحة ثقافيّة صاخبة مفتوحة على مختلف التوجّهات)، إلى نظام عسكري ألغى كلّ ما سبق، وسلّم مصر لحكم العسكر والمخابرات. باختصار: التغيير يمكن أن يفتح الباب للديمقراطيّة، ولكنّه لا يضمنها بالضرورة.
نصل إلى إيران اليوم. أن يفقد الملالي سلطتهم كما فقدها صدّام حسين، أي عبر اجتياح عسكري أجنبي، غير مطروح. حتّى عتاة المتحمّسين لإسقاط النظام بإيران بالولايات المتّحدة لا يفكّرون على هذا الأساس. ومن غير الواقعي أيضًا تخيّل تسليم الخامنئي طوعًا للسلطة. لو فعل، إلى أين سيذهب بنهاية عمره؟ لو افترضنا أنّ تسليمًا طوعيًّا ما سيحصل، فغالب الظنّ أن يكون ذلك كما بإسبانيا بعد رحيل فرانكو، وسيعني هذا بالحالة الإيرانيّة أنّ النظام مستمرّ أقلّه ما بقي الخامنئي.
يمكن أيضًا تخيّل ثورة شعبيّة كبرى بإيران تنجح حيث فشلت الثورة الخضراء عام 2009، والتحرّكات التي تلت قتل مهسا أميني عام 2022. الحرس الثوري سيتحرّك لحماية النظام، ولكنّ السؤال الحقيقي هنا هو سؤال الجيش الإيراني. الخميني لم يكن يثق به، وأعدم حفنة من قادته بعد استلام السلطة. ومذّاك، بقيت الريبة من الجيش تظلّل العلاقات المدنيّة – العسكريّة بإيران. وأساسًا، لو كان النظام الإيراني يثق بالجيش، لما حوّل الحرس الثوري إلى قاعدة حكمه. للحرس، تاليًا، مصلحة أكيدة باستمرار النظام، وهو ما ليس صحيحًا بالضرورة بالنسبة لكلّ قطاعات الجيش. تاليًا، لو يتحرّك الشعب مجدّدًا ضدّ النظام، ثمّ يتحرّك الجيش لحماية المتظاهرين من الحرس الثوري، يمكن عندها أن يلاقي الخامنئي مصيرًا مشابهًا لمصير تشاوشيسكو برومانيا عام 1989، أو نوري السعيد بالعراق عام 1958.
كلّ ما سبق سيناريوات افتراضيّة بطبيعة الحال. لا أحد يعلم بدقّة مآلات إيران، علمًا أنّ استمرار القصف الأميركي – الإسرائيلي ليس بالضرورة لمصلحة معارضي النظام على المدى القصير لأنّ التحرّك الداخلي ضدّ الملالي صعب بينما البلاد تحت القنابل. يبقى أنّ الإيرانيّين يعلمون أنّ الملالي أنفقوا المليارات على مشروع نووي دمّر، ونظام سوري انهار، وميليشيات رديفة بدون فائدة – هذا فضلًا عن معدّلات فساد خرافيّة بأي مقياس. صحيح تاليًا أنّنا لا نستطيع أن نتنبّأ متى سيسقط الملالي. ولكنّنا نعلم أنّ الأيديولوجيا الخاصّة بهم أفلست، وأنّ اقتصادهم ضعيف، وعملتهم منهارة، ودولتهم بدون أصدقاء في العالم. نعلم أيضًا أنّ العصر الذهبي لملالي إيران صار وراءهم. كما نعلم أخيرًا أنّ الإسلام السياسي لم يجلب غير الخراب للمجتمعات المبتلاة به. وكلّ ما سبق لا يوحي بحياة مديدة بعد لنظام آيات اللّه.
هشام بو ناصيف -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|