المسافة الفاصلة بين سامي الجميل وقصر بعبدا... تتقلص!
لم تكن الطريق بين رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل وقصر بعبدا سالكة يومًا. المسافة السياسية التي فصلته عن الرئاسة لطالما بدت شاسعة. غير أن أبرز ما يمكن تسجيله في رصيده اليوم، أنّه نجح في تقليص تلك الهوة إلى حدّ كبير، بحيث لم يعد ترشيحه فكرة مُستغرَبة، فقد يكون احتمالًا مطروحًا بجدية. تحوّل الجميّل إلى مشروع رئيس، بصرف النظر عن فرص الفوز، وصار اسمه مدرجًا في نادي المرشحين الجديين إلى الرئاسة.
اللافت في أداء الجميّل خلال السنوات الأخيرة، هو إدارته المتأنية للعبة السياسية، إذ عرف كيف يوازن بين التعاطي مع الخصوم والتحالف مع الأصدقاء، من دون أن يتنازل عن ثوابته أو يختبئ خلف شعارات فضفاضة. وحتى اللحظة لم يُبدِ رغبة مباشرة في خوض السباق الرئاسي، لكنه اكتفى بالانسجام مع قناعاته، وبالقول بشفافية أمام مناصريه: "بعد بكير للرئاسة". لكنه، في المقابل، فتح صفحة جديدة على المستوى المسيحي، فنجح في كسر الجليد المتراكم بين الكتائب وكلّ من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، ما جعله أكثر قبولًا لدى شريحة مسيحية كانت تعتبره في موقع الخصومة.
أما المفاجأة الثانية التي حملها الجميل فكانت في المساحة التي راح يبنيها بهدوء في الوسط السنّي. علاقته المتينة مع تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري شكّلت جسرًا مهمًّا، إلا أن حضوره في البيئة العربية الأوسع أعطى له بعدًا إضافيًّا. فالاعتراف العربي بدوره، كما انفتاحه السياسي الناضج، منحه مشهدية عربية متقدّمة لم تَأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة مواقف واضحة، وجهد مثابر، وخطاب لا يتبدّل مع تبدّل الرياح.
ويُحسب للجميّل أيضًا أنه لم يشارك في أيٍّ من الحكومات التي كان لحزب الله دورٌ مركزي فيها، وهذا الابتعاد الاستراتيجي جنّبه ارتدادات الحملات التي استهدفت أطراف السلطة، وساعده في ترسيخ صورته كمعارض نزيه وغير متورط في طبقة حاكمة مُتهمة بالفساد والتبعية. كما أن موقف الكتائب الرافض للانخراط في حكومات خاضعة لمحور طهران كان بمثابة "ضربة معلم"، أسهمت في تحييد الحزب عن موجة الغضب الشعبي. ومع ذلك، لم يتنصّل الجميّل من واجب الحوار، بل دعا إليه بصراحة، مؤكدًا أنه ضرورة داخلية، رغم إدراكه أن ما يجري في المنطقة يتخطى قدرة اللبنانيين على التأثير فيه.
ورغم المكاسب السياسية والمعنوية التي راكمها منذ تسلّمه رئاسة الكتائب، تبقى معركة الرئاسة محكومة بمعادلات أكبر من الإنجازات الفردية. فالجميّل، وإن كسب ثقة غالبية الطيف السنّي، لا يزال بعيدًا عن استقطاب تأييد البيئة الشيعية الواسعة، رغم العلاقة المتينة التي تربطه بالرئيس نبيه بري، والتي تشكّل استثناءً في مشهد مُقفل إلى حدّ بعيد.
لكن سامي الجميّل، كما يعرف كيف يربّي مشروعه السياسي بحذر، يعرف تمامًا متى وأين وكيف يخوض معركته. يدرك توقيت الدخول إلى حلبة السباق، كما يعرف اللحظة المناسبة للخروج منها. يبقى جاهزًا لكل الاحتمالات، في بلدٍ لا يعلَن فيه الرؤساء... بل يُصنعون في الظلال، ثم يظهرون إلى الضوء حين يأت الوقت.
شادي هيلانة – "اخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|