الصحافة

الشيطان الذي بين لبنان وسورية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مثلما تحدث الفلاسفة عن سلطة التاريخ، تحدثوا عن سلطة الجغرافيا. ماذا حين تتداخل سلطة التاريخ مع سلطة الجغرافيا؟ هذه حالنا كلبنانيين مع سورية، أن تكون العلاقات بين البلدين علاقات عاشقين، وليس فقط علاقات شقيقين. ولكن، لطالما لاحظنا دخول ـ أو ادخال ـ الشيطان الى هذه العلاقات، والى حد التساؤل... أي شيطان بين لبنان وسورية؟

لا تتصوروا مدى روعة الفوضى بين الحدود، وفوضى التمازج البشري. كان القطار البخاري ينطلق من رياق الى دمشق عبر وادي بردى الذي يبدأ من القرى اللبنانية، ليبدو الطريق وكأنه الطريق الى الجنة، وحين كنا نصل الى محطة الحجاز، بتشكيلها العمراني الساحر، كان يتناهى الينا صوت الآذان. شخصيا، وفي عمر الطفولة، كنت أظن أن الله هو الذي يرفع الآذان. لعلنا ندرك لماذا لم يعد الله يرفع الأذان.

ذاك الاسلام الذي انتهى بين أشداق الذئاب. أقصد أولئك الفقهاء (خدم السلاطين)، الذين احترفوا تقطيع أوصال الله. من زمان كتبت عن أن الله الذي زج بكل أنبيائه، وهكذا يقول الفقهاء، في هذه المنطقة، حمل عصاه ورحل عنها. ثمة من اتصل بنا وقال "حتى قبل ولادة "اسرائيل" بقرون، لم نعد نعثر على الله في الشرق الأوسط ". هذا ما يجعلنا نعود الى هنري كيسنجر، الذي رأى أن الصراع في المنطقة هو بين نصف الله والنصف الآخر، لينتهي الى القول "لقد بذلت الكثير من أجل عقد صفقة بين هذا النصف والنصف الآخر. كانت مهمة عبثية، ليتبين لي أنه لا بد من التدخل المباشر من الله، ولكن في عالم غير هذا العالم"!...

لم يعد، ولم يكن ذلك بين المسلمين و "اليهود" فقط، بل بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين والمسلمين، ليبدو أن قضيتنا هي الله لا الانسان، في أغرب تأويل للنصوص المقدسة بالأدمغة العرجاء وبالرؤى العرجاء. وكان رجاؤنا أن يأخذوا بالاعتبار، من يحسبون في أنفسهم ظل الله على الأرض، قول الفيلسوف الألماني فريديريك هيغل "كيف للنهائي أن يدرك اللانهائي"؟  اذا كيف للكائن البشري أن يستوعب خالق كل هذه الأكوان، وما وراء ما وراء هذه الأكوان؟

 دومًا نعود الى الفيلسوف "اليهودي" الهولندي باروخ سبينوزا (القرن السابع عشر)، الذي طارده "الحاخامات" بالخناجر. قال انه لم يعثر على الله في الكتب المقدسة، تاركًا لألبرت اينشتاين أن يذهب بعيدًا في التأمل في التكوين الفيزيولوجي والفكري للكائن البشري، ليخلص الى هذا الاستنتاج "أنا هو النص الالهي".

أمام هذا الطوفان الطوائفي، وأمام لوثة الدم التي تسكن تلك الرؤوس المجنونة، هل يفترض بنا،  لـ "تطبيع" العلاقات بين لبنان وسورية، وكلانا مرغم على التطبيع مع "اسرائيل"، أن نضع الله جانبًا، أم نضع الشيطان جانبًا؟ نتجرأ ونقول الاثنين معًا...

هنا وهناك ظواهر تكفيرية. الاسلام لم يوجد لكي يقيم بين القبور، وانما للاقامة في الرؤوس وفي القلوب التي تتفاعل ديناميكيا مع جدلية الأزمنة. ما يحدث الآن (اصغوا الى لغة المنابر) اختزال الحياة بين الكهوف والقبور.

لا عاشقان ولا شقيقان حين تستشري ثقافة المصالح، ان باللوثة القبلية أو باللوثة الأمبراطورية. ذات لقاء مع الباحث المصري الفذ جمال حمدان تساءل ولم يستغرب، كيف يفترض بالحاكم العربي الذي يعد بجمهورية أفلاطون، أن يكون على شاكلة الحجاج بن يوسف الثقفي، أو على شاكلة تأبط شرًا، لا على شاكلة أبي ذر الغفاري أو محيي الدين بن عربي؟

دعونا نحصر المشكلة في صراع المصالح، وحيث التشابك الاستراتيجي بين السوق اللبنانية والسوق السورية، ولكن كيف للبناني ألا يشعر أن دمشق هي بيت العائلة (وهذا ما قاله لنا الرئيس رفيق الحريري والرئيس نجيب ميقاتي)، وألا يشعر السوري أن بيروت هي طريقه الى ايف سان لوران أو الى أندريه مالرو. لاحظوا أن مقهى "الهورس شو" في شارع الحمراء كان مقصد أكرم الحوراني، وصلاح البيطار، وجمال الأتاسي، مثلما كان ملاذ أدونيس ونزار قباني وغادة السمان.

نتوقف عند سؤال مرجع كبير، وقريب الى ما كان يدعى "محور الممانعة" ، الذي ويا للغرابة، استقر بين النيران على رجل واحد وعلى حزب واحد، بلغ به الالتزام الأخلاقي حد الاعتقاد أن القضية الفلسطينية لا تزال على قيد الحياة، وقد دفنها ياسر عرفات في الدهاليز الديبلوماسية، قبل أن يدفنها آرييل شارون وبنيامين نتنياهو، وقبلهما الكثيرون في الخنادق العسكرية. الأكثر غرابة ما لاحظه الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي من أن الوجود "الاسرائيلي" بايديولوجيا القتل والاقتلاع، لم يجعل من العرب حزمة واحدة، بل فرقهم أيدي سبأ.

المرجع اياه سأل من سأل "هل من مصلحة لبنان معاداة سورية"؟ سورية التي صحيح أنها لم تعد الطريق اليها الطريق الى الجنة (التي بحسب معلوماتنا أقفلت أبوابها، اذ لم تعد هناك من ضرورة للملائكة)، ولا الطريق الى قلوب العرب (وقد أقفلت أيضا)، لكنها طريقنا الوحيدة، وبوابتنا الوحيدة الى اسواق العرب.

لا شك أن سورية تستطيع البقاء من دون لبنان، ولكن ألا يختنق لبنان سياسيا واقتصاديا من دون سورية التي نأمل، والنظام الجديد يتشكل، أن تتجاوز ترسبات ومرارات السنوات السابقة ليكون السوري هو السوري، أكان مسلما أم مسيحيا، سنيا أم علويا أم درزيا ، أكان عربيا أم كرديا أم أرمنيا.

لنقول لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الآتي الينا، لنعد الى فوضى الحدود حين كنا نتبادل أزهار اللؤلؤ وسلال التفاح، لا القنابل التي ينبغي أن تكون في اتجاه آخر...

نبيه البرجي -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا