مفوضية اللاجئين تقارب النزوح بـ"جدّية".. وتيرة العودة بدأت تتسارع
سوريا تنتفض لأجل أبنائها في السجون اللبنانية
في مشهد غير مسبوق منذ سنوات، خرج آلاف السوريين أمس في وقفات احتجاجية متزامنة امتدت إلى أكثر من 20 مدينة داخل ثماني محافظات سورية، مطالبين بالإفراج الفوري عن أبنائهم المعتقلين في السجون اللبنانية، والذين تقول عائلاتهم إنهم محتجزون منذ سنوات من دون محاكمة، وغالباً في ظروف غامضة وخارج أطر القانون.
التحركات التي قادتها منظمات مدنية وأحزاب سياسية سورية جاءت كصرخة جماعية عبّرت عن حجم الألم والغضب الشعبي، وسط تزايد الضغوط على الحكومة السورية كي تتحرك بفعالية لحل هذا الملف المزمن. الساحات امتلأت بالشعارات، ووجوه ذوي المعتقلين كانت تحمل خليطاً من الرجاء والمرارة، بينما علت أصوات تطالب بـ”الكرامة والحرية” لأولئك الذين غُيّبوا خلف جدران لا يعرف أحد ما يدور فيها.
دعوات حقوقية تصاعدية: “لن نصمت ولن ننسى”
من بين الأصوات التي دوّت بقوة في هذه الاحتجاجات، كان صوت الدكتور المحامي ماهر التمران، الناشط الحقوقي المعروف، الذي اعتبر أن ما يجري هو جريمة مستمرة بحق أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم وقفوا في لحظة ما في وجه الاستبداد.
“في زمنٍ صارت فيه الحرية تهمة، يستمر حزب الله في اعتقال المئات من السوريين واللبنانيين، لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لأنهم ناصروا الثورة السورية ووقفوا إلى جانب الحق في وجه القمع”، يقول التمران، الذي أكد أنه دافع شخصياً عن عدد من هؤلاء المعتقلين أمام المحاكم اللبنانية، وأنه لمس بنفسه عمق الظلم الواقع عليهم، حيث البعض مات بالفعل تحت وطأة الإهمال، والآخرون يصارعون المرض خلف القضبان، محرومين من أبسط الحقوق.
وأضاف التمران في تصريحه الصريح: “لقد كتبت مرافعاتهم ودفوعهم القانونية، لا لشيء إلا لأجل كرامتهم وحقهم المشروع في التعبير والحرية. وما زلت أؤمن بأن العدالة لا تُكتم، وإن تأخرت”. ثم أنهى حديثه برسالة مباشرة الى الحكومة السورية والمنظمات الدولية: “لن نصمت، لن ننسى، ولن نتركهم وحدهم. نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين في سجون حزب الله، ونناشد الدولة السورية وكل الجهات المعنية بحقوق الإنسان تحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والعمل على إطلاق سراحهم من دون أي تأخير، لأن الوقوف مع الثورة ليس جريمة، ولأن الصمت خيانة.”
وعلى الخط نفسه، عبّر الأستاذ آرام الدوماني، أمين سر التحالف السوري الوطني، عن موقف حزبه تجاه القضية، وقال لموقع “لبنان الكبير”: “نقف اليوم كحزب سياسي إلى جانب أبنائنا السوريين المحتجزين وذويهم في وقفة تضامن أخوية وإنسانية. هؤلاء لم يُحتجزوا بسبب مخالفات قانونية، بل بسبب دوافع غير إنسانية مرتبطة بالهويات والانتماءات، وكأنهم عالقون بين بلدين لا يعترفان بمأساتهم”.
وتابع الدوماني: “نحن اليوم نعتز بالدولة السورية الجديدة، ونعلم أنها في مرحلة انتقالية مع تراكم الملفات، لكن هذا الملف تحديداً لا يحتمل التأجيل. نعلم أن هناك قناة تنسيق فُتحت مؤخراً مع دولة الرئيس نواف سلام في بيروت، ونأمل أن تُفضي إلى نتائج ملموسة في القريب العاجل.”
شهادات من الميدان.. ورد حكومي: “نحرز تقدماً”
في الميدان، كان المشهد أكثر تعبيراً من أي تصريح. المحتجون رفعوا صور المعتقلين، كتبوا أسماءهم بخط اليد على لافتات، بعضهم حمل قوارير أدوية رمزية تشير إلى ما يعانيه المحتجزون من حرمان صحي، وبعضهم ببساطة وقف صامتاً.
وفي مدينة حمص، تحدث أبو محمد، والد أحد المعتقلين، بصوت اختلط فيه القهر بالغضب: “ولدي محتجز منذ أكثر من 10 سنوات من دون محاكمة ولا مدة حكم. احتُجز بلا ذنب، فقط لأنه لا يحمل أوراقاً رسمية، وكان قد دخل إلى لبنان تهريباً أثناء التوترات على الحدود السورية-اللبنانية. ليس له أي علاقة بأي جهة أو نشاط، كان فقط هارباً من الموت والاعتقال في سوريا، فوجد مصيره في لبنان. عشر سنوات من عمره ذهبت ظلماً… لا نعرف أين هو بالضبط، ولا من يحاسبه، ولا متى سيعود.”
وعلّق مصدر حكومي سوري على هذه المستجدات، قائلاً: “الحكومة تعمل على معالجة قضية المحتجزين السوريين في لبنان عبر القنوات الرسمية مع الحكومة اللبنانية. نُحرز تقدماً ملموساً، ولكن المسألة تتطلب مزيداً من الوقت. نحن لا نهمل هذا الملف، ونعمل بجدية لضمان عودة أبنائنا المحتجزين في أسرع وقت ممكن.”
على الرغم من هذا التعهد الرسمي، يشعر الشارع السوري بأن الوقت لم يعد يحتمل الانتظار، وأن التقدّم البطيء في ملف يمسّ أرواح البشر لم يعد مقبولاً. تتحدث منظمات حقوقية مستقلة عن أكثر من 450 معتقلاً سورياً محتجزين في لبنان، بعضهم منذ أكثر من عقد، معظمهم من دون توجيه تهم رسمية، وسط تقارير متكررة عن سوء معاملة وحرمان من الحقوق الأساسية.
الوقفة التي شهدتها أمس مدن سوريا لم تكن لأجل أبناء غُيّبوا وحسب، بل كانت أيضاً لأجل سؤال كبير بدأ يتردد بقوة: هل ستصبح الدولة السورية قادرة على حماية مواطنيها، لا داخل حدودها فحسب، بل أينما كانوا؟ وهل ما جرى أمس هو بداية تحول فعلي في علاقة السلطة بالمجتمع، أم مجرد لحظة عاطفية أخرى في سجل طويل من الوعود؟
الأكيد أن العيون الآن تتجه نحو دمشق وبيروت، حيث ينتظر الناس خبراً يُعيد إليهم أبناءهم، أو على الأقل… الأمل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|