الصحافة

فليقرأ "العهد" هذه الرسالة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لبنان ليس على ما يُرام.
غالبُ الظنون أنّه، أي لبنان، لن يخرج من عنق الزجاجة، في ضوء المعطيات المهينة الماثلة براهينُها أمام الداخل والخارج.
هذا في الأقلّ ما يظهره التوحّش الإسرائيليّ الذي بلغ ذروته عشيّة عيد الأضحى. وليس ما يفيد بأنّه سيرعوي، أو بأن أحدًا، أو شيئا ما، يمكنهما (ويريدان) أنْ يضعا حدًّا لهمجيته.
هذا أيضًا ما توحي به سلسلةٌ متماديةٌ من الممارسات الإداريّة "الرسميّة"، التي إنْ دلّتْ على شيءٍ فعلى مزيجٍ من ميوعةٍ وتراخٍ وتباطؤٍ حيال الاستحقاق المزدوج الأشدّ جسامة والمتمثّل من جهة، في عدم إصلاح مؤسسات الدولة، وتطهيرها من شبكات الفساد وعصابات السرّاق ومافيات التسيّب والمحسوبيّة والمحاصصة، والمتمثّل من جهة ثانية في عدم إنجاز حصر السلاح (الفلسطينيّ والإيرانيّ وسواهما) في يد الدولة وقواها المسلّحة دون غيرها.
كلّ ما عدا ذلك، خطواتٌ رمزيّةٌ (إيجابيّة) شحيحةٌ للغاية، في خضمٍ هَوَسيٍّ من خطاباتٍ وشعاراتٍ ومواقفَ واحتفالاتٍ وحفلاتٍ وأوسمةٍ وزياراتٍ، ليس ثمّة فيها ما يوحي بأكثر مما هي عليه من تبسيطٍ وتسطيحٍ وتجويف، أو ما يُغني عن جوعٍ متعاظمٍ إلى قيامة الدولة.
فالقرارات التنفيذيّة لا يصبّ أكثرها في الاتّجاه الذي يتساوق مع مطالبات لبنان الدولة، ولا مع مطالبات المراجع الأمميّة والإقليميّة في هذين الشأنَين الآنفَين.
لا يخفى على أيّ مراقبٍ نزيه، أنّ الجهات المانحة لم تُقدِم حتّى اللحظة، ولن، على أيّ خطوةٍ تنبئ بأنّ لبنان سيحظى بما وُعِد به من مساعداتٍ في حال عدم تلبيته المعايير الإصلاحيّة المُنادى بها لإعادة إعمار المؤسّسات والمناطق التي تعرّضت للدمار والموت العميمَين.
مضت أشهرٌ عدّة متطاولة دون أنْ يتمكّن العهد من القيام بموجباته.
سيّان أكان هذا النكوص (أو النكث بالوعود والعهود) عجزًا أم مراوحةً أم تريّثًا وتردّدًا وارتباكًا، أم لأسبابٍ يجهلها حسنو النيّة والخائفون على لبنان ومصيره.
فها هي "الدولة العميقة"، الفاسدة والفاشلة، تبدو أنّها لا ترعوي، بل متمكّنةٌ من رسوخها وثباتها وديمومتها، وتتباهى بأنّها أقوى من أيّ يمينٍ مغلظة أقسمت على العمل على استئصال الفساد وتحقيق الإصلاح وحصر السلاح (أكرّر: الفلسطينيّ والإيرانيّ وسواهما) في يدها.
فهل نحن أمام طريقٍ مسدودٍ، يوهِم المسؤولون أنفسهم، ويوهموننا، بأنّنا بعيدون عن الارتطام بجداره المأسويّ؟!
الإنكار لا ينطلي، ولا يقنع ملدوغًا من جحرٍ مرّتين ومرارًا وتكرارًا.
وها هو النظام السوريّ الجديد، يتلقّى الإشارات الحارّة - بل العملانيّة - من قريبٍ ومن بعيدٍ بأنّ سوريا لن تُترَك للخراب. وها هي الوفود الخليجيّة والإقليميّة والدوليّة تؤمّ دمشق، وفي معيّتها خبراء واختصاصيّون في المجالات كافّة، لدراسة السبل الآيلة إلى النهوض بشقيقتنا الأقرب.
فما الذي يمنع لبنان من أنْ يحظى بالمعاملة نفسها؟
ما الذي يمنع القائمين بأمورنا من أنْ يتلقّفوا الفرصة الموضوعيّة ويسدّدوا موجباتهم وينفّذوا عهودهم قبل فوات الأوان؟!
فلو عاد أحدنا إلى خطاب القسم، والبيان الوزاريّ، ليرى ماذا طُبِّق منهما، وماذا لم يُطبَّق، لاستَهوَلَ التموضعَ الرسميّ الذي يراوح مكانه، بل الذي يتّخذ خطواتٍ تُشَمّ منها روائحُ و"عطورٌ" غير محمودة.
لم يعد أمامنا سوى أشهرٍ قليلةٍ وبخسة، قبل أنْ تيأس الدول الصديقة والشقيقة من حالتنا.
لا يمرّ يومٌ من دون أنْ تقرع في عقولنا أجراس الإنذار، "مبشِّرةً" بأنّ لبنان على شفا أنْ يُترَك إلى مصيره الجهنّميّ، بما ينطوي عليه ذلك من أخطارٍ وتهديداتٍ تُطاول كيانه ووجوده كدولةٍ مستقلّةٍ ذات سيادة.
وإذا كنّا لا نعرف سوى الدولة ملجأ، فهذا يجب ألّا يعفينا من الارتياب، بل من توجيه أصابع الاتّهام إلى البنى والمكوّنات والجهات والأطراف والأحزاب التي تقوم عليها الطبقة السياسيّة الرهيبة.
وهذا يجب ألّا يعفي الدولة، عهدًا وحكومةً، من مصارحة "حزب الله" وفريقه وحلفه وحليفه الرسميّ الأبديّ في "الدولة العميقة"، الفاسدة والفاشلة، وفي مؤسّساتها وهيئاتها ومكوّناتها الظاهرة والباطنة، بما يجب - وفورًا - أنْ يقوم به، تنفيذًا للقرارات الدوليّة، ولا سيّما القرار 1701.
ولا بدّ من مصارحة دولة ولاية الفقيه، من الندّ إلى الندّ، وبالنزاهة والإقدام والتصميم والعزم والشفافيّة وإرادة التنفيذ نفسها، ووضع الأمور في نصابها، وعند حدّها المسنون.
لقد وصلت الأمور ببعض منتقدي العهد في الوسط السياسيّ والاعتراضي وعبر وسائل التواصل إلى إطلاق اتّهاماتٍ (جائرة؟!) تُطاوله، وتنعته بالتكاذب والخيانة.
التعقّل والحصافة يجب أنْ يحولا دون الانجراف وراء مثل هذه الانفعالات.
العاقل يعرف أنّ مَن يده في النار (من مثل القبض على سارقي الأموال العامّة والخاصّة، ومن مثل جمع السلاح بالقوّة العارية، بما ينطوي عليه ذلك من تهديداتٍ بانقساماتٍ وحربٍ وحروبٍ داخليّة) ليس كمثل مَن يده في الماء.
ومن شيم الموضوعيّة التحسّب أنّ "الحرب بالنضّارات" سهلةٌ للغاية، وكذا التجريحات المغالية والمتخطّية خطوطها، حيث لا تصحّ مقارنة هذه الحكومة بأيِّ حكومةٍ سابقةٍ ورئيسها.
نقول رويدًا ومهلًا. ذلك أنّ الرعونة ممنوعة. ولكنْ، ممنوعٌ، بالقدر نفسه، وبالحزم نفسه، التراخي والميوعة وذرّ الرماد في الأعين واللوذ بفاسدين و"استشارتهم" والإنصات إلى آرائهم وتفنيداتهم و"إملاءاتهم"، بما يذكّر بعهود الشؤم والرذيلة الوطنيّة.
لقد محضنا "الهواء الجديد" الكثير من ثقتنا واحتضاننا، بناء على خطابه وقسمه (أنظر مقالنا في "النهار"، "رسالة عاجلة جدًّا إلى رئيس الجمهوريّة"، 12 كانون الثاني، 2025). فلا سبب البتّة ومطلقًا يعفي العهد والدولة والحكومة من مصارحة اللبنانيّين بالحقائق والمعطيات والمعوقات والتحدّيات كاملةً التي تمنع الإصلاح وجمع السلاح - كلّه وجميعه - وبلا أيّ استثناء. والآن.
من حقّنا أنْ نعرف لماذا تتصرّف الدولة بما يخالف عهودها ومواثيقها. 
نريد جوابًا جامعًا مانعًا لا لبس فيه، ولا رياء، ولا "خيخنة".
وها هنا لا ينطبق على حالتنا قول الإنجيل "طوبى للذين لم يروني وآمنوا".
بل كلّنا توما الذي لن يؤمن إلّا حين يضع يده بأصابعها جميعها في مواضع الطعنات والجروح.
لن ينتظرنا طويلًا المجتمع الدوليّ، ولن يصبر علينا. ولا الدول العربيّة التي اعتادت نجدتنا في الملمّات والويلات.
لبنان ليس على ما يُرام. ولا الإصلاح. ولا القسم. ولا العهد، ولا الحكم، ولا الحكومة.
وحدهم على ما يرام، شياطين الفساد والسلاح، برؤوسهم وأذنابهم وأذيالهم كافّةً!
إفهموا ذلك جيّدًا. هذه رسالة يجب أنْ تصل. فليقرأها هذا "العهد". وبقوة.

عقل العويط -"النهار"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا