الصحافة

ماذا ينتظر العهد على ضفة الليطاني؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أطلق وليد جنبلاط عبارة عام 2005 عندما أعلن بدء معارضته للنظام السوري إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، هي: "سأجلس على ضفة النهر أترقب جثث أعدائي وهي تمر". اشتهرت العبارة منذ ذلك التاريخ الى ان سقط نظام دمشق في كانون الأول الماضي وفر رئيسه بشار الأسد الى موسكو. وكان على جنبلاط أن يمكث عشرين عاماً على ضفة نهر الأحداث كي يشهد نبوءته تتحقق في سوريا.

كان لبنان بدوره على موعد مع نهر الأحداث في وقت واحد تقريباً مع النهر السوري. وما إن انهار نظام الأسد حتى انفتحت آفاق كانت مسدودة لعقود في لبنان. فوصل، وللمرة الأولى منذ نصف قرن، رئيس للجمهورية الى قصر بعبدا خارج النفوذ السوري وتالياً نفوذ ايران عبر وكيله "حزب الله". وسرعان ما كرّت مسبحة الأحداث فأتت حكومة رئيساً وأعضاء على شاكلة الزمن الجديد.

وفجأة، ظهرت عوائق في النهر اللبناني ما راح يعرقل تدفق مياهه. ولاح مع هذه العوائق ان نظرية جنبلاط حول "انتظار جثث أعدائي وهي تمر" قد عادت الى الحياة. فمن يا ترى يتبنى هذه النظرية اليوم في لبنان؟

إنه "حزب الله" ومن ورائه ايران. وأتت التطورات المتلاحقة لتؤكد أن "الحزب" انتقل الى الموقع الذي اتخذه جنبلاط عام 2005 إثر اغتيال امينه العام حسن نصرالله في أيلول الماضي. وها هو يتمترس على الضفة الشمالية لنهر الليطاني كي يقول إن اتفاق وقف اطلاق النار يشمل فقط جنوب النهر. ويبرر من خلال ذلك استمراره تنظيماً مسلحاً الى ما شاء أولياء "حزب الله".

اعتقد عهد الرئيس جوزاف عون ان مواجهة معضلة سلاح "الحزب" هي الحلّ الوسط بين واقع كان سائداً قبل الحرب الأخيرة وكان نموذجه الريادي عهد الرئيس السابق ميشال عون الذي باع "حزب الله" قرار السلم والحرب الذي تعود ملكيته الى الدولة مقابل مبايعة "حزب الله" له في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وبين واقع ما بعد الحرب الذي يدعو الى الذهاب فوراً الى تفكيك البنية العسكرية لـ"الحزب" في كل لبنان. فهل أدى هذا الحل الوسط الى اية نتيجة عشية ذكرى مرور خمسة أشهر على وصوله الى قصر بعبدا في 9 كانون الثاني الماضي؟

أتى الجواب المرّوع في الساعات الماضية، على لسان متحدث باسم الخارجية الأميركية تعليقاً على الغارات التي قامت بها إسرائيل ليل الخميس على مواقع لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت، وجاء فيه: "أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية مجتمعاتها في الشمال من "حزب الله" والمنظمات الإرهابية الأخرى التي تروج للعنف وتعارض السلام".

وقال المتحدث "تُشكل البنية التحتية والأنشطة الإرهابية لـ "حزب الله" تهديداً خطيراً لسيادة لبنان وأمنه".

أتى الموقف الأميركي نقيضاً بالكامل لموقف رئيس الجمهورية مساء الخميس الماضي، حيث أعرب عن "إدانته الشديدة للعدوان الإسرائيلي على محيط العاصمة اللبنانية بيروت، مؤكداً "ان هذه الاستباحة السافرة لاتفاقٍ دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية، عشية مناسبة دينية مقدسة، إنما هي الدليل الدامغ على رفض المرتكب لمقتضيات الاستقرار والتسوية والسلام العادل في منطقتنا، وهي رسالة يوجّهها مرتكب هذه الفظاعات، الى الولايات المتحدة الاميركية وسياساتها ومبادراتها أولاً، عبر صندوق بريد بيروت ودماء أبريائها ومدنييها. وهو ما لن يرضخ له لبنان أبداً".

كان ضرورياً على الرغم من الإطالة إيراد هذين النصّين المرجعيين لما حدث هذا الأسبوع والذي كان الأوّل من نوعه منذ سريان اتفاق وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي.

قال الرئيس عون إن غارات إسرائيل الأعنف على ضاحية بيروت الجنوبية هي "رسالة" إسرائيلية الى الولايات المتحدة. لكن الأخيرة سارعت الى نفي وجود مثل هذه الرسالة ونفي وجهتها. يستطيع المرء أن يدرك الآن أن الإدارة الأميركية قد أعلنت وللمرة الأولى انها على طرف نقيض مع العهد الحالي في مقاربته للصراع الدائر حول ملف سلاح "حزب الله".

يتطلّب هذا التطوّر غير المسبوق بين قصر بعبدا والإدارة الأميركية، توضيحاً رسمياً كي يستعاد الودّ في العلاقات الثنائية التي لا غنى للبنان عنها في هذا المحيط الهائج الذي حوّل لبنان الى شبيه لقطاع غزة من حيث السماح لإسرائيل كي تمارس عنفها المسلّح لاعتبارات تتصل بـ"الحزب" في لبنان و"حماس" في القطاع.

يستعيد المراقبون اليوم ما حدث قبل أشهر عندما بادر وزراء "القوات اللبنانية" الى طرح اقتراح في جلسة للحكومة يدعو الى تبنّي الحكومة برنامجاً زمنياً لتسليم "حزب الله" سلاحه في كل لبنان. أقام "الحزب" وأبواقه الدنيا ولم يقعدوها إلا عندما آنسوا أن رئيس الجمهورية أخذ بصدره الموضوع ورحّله الى الحوار بينه وبين "الحزب". لكن، ونحن في مستهل الشهر السادس من عهد الرئيس جوزاف عون، لم يظهر أثر للحوار وبات انتظاره على شاكلة "في انتظار غودو". ونتحدث هنا عن مسرحية صامويل بيكيت التي نال مؤلفها جائزة نوبل عام 1969. وشكلت المسرحية علامة فارقة في المسرح العالمي في القرن العشرين. فهي رؤية للوجود الإنساني الراهن، الملتبس والمشوَّش، البائس والأعمَى، الذي لا يملك -في بؤسه وعماه - سوى الإصرار على انتظار ما لا يدري، انتظار المجهول، باعتباره الخلاص الكُلي، النهائي.

نعود الى نظرية النهر ، الذي هو اليوم يتعلّق تحديداً بالليطاني وليس سواه من الأنهر. انتظر جنبلاط 20 عاماً كي يرى جثة نظام الأسد طافية أمامه وهو جالس على ضفة النهر السوري. وحالياً، يقلّد "حزب الله" جنبلاط وهو قابع على الضفة الشمالية لليطاني في انتظار مرور جثة "المؤامرة الأميركية - الإسرائيلية".

بدوره ، يجلس العهد الحالي بحكم مسؤوليته على ضفتي الليطاني كي يساهم في تطبيق القرار 1701 حرفياً بما يعني إزالة كل سلاح خارج الدولة بما في ذلك سلاح "حزب الله" من كل لبنان. لكن هناك خشية من ان يكون مقعد "الحوار" الذي يجلس عليه العهد على النهر، يحيله الى وضع مشابه لجنبلاط سابقاً و"الحزب" حالياً، أي انتظار مرور جثة ما. ما يعني أن الخوف كل الخوف أن هذه الجثة المنتظر مرورها ستكون جثة لبنان.

أحمد عياش -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا