كييف وموسكو.. بين لغة الصواريخ ونغمة التفاوض
بين طاولة الحوار ووقع القذائف، تتحرك الأزمة الأوكرانية الروسية على حبل مشدود، لا يسمح بكثير من المناورة. في إسطنبول، اجتمع وفدا كييف وموسكو تحت عنوان "استكشاف سبل التهدئة"، لكن ما دار خلف الأبواب المغلقة حمل مؤشرات متضاربة بين نوايا الحوار ومخالب التصعيد.
فبينما تتحدث موسكو بلغة الشروط المسبقة، ترد كييف بلغة الضربات الجوية التي طالت عمق الأراضي الروسية، في مشهد يعكس اختلالًا ميدانيًا لا يزال يُترجم على طاولة التفاوض.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدولة الأوكرانية، خلال حديثه الى "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية مكسيم يالي، لتكشف النقاب عن حقائق ما يجري في الكواليس، محذّرا من أن الكرملين "لا يسعى إلى تسوية بقدر ما يناور لكسب الوقت"، ومؤكدًا أن أوكرانيا "تعتمد على لغة الردع لتثبيت موقعها على خارطة التفاوض".
تحليل يالي يقدّم قراءة دقيقة لواقع تتقاطع فيه الحسابات العسكرية مع الرسائل السياسية، في صراع لا يبدو أن لحظة الحسم فيه باتت قريبة.
0 seconds of 8 minutes, 31 secondsVolume 20%
روسيا وأوكرانيا.. مفاوضات في إسطنبول على وقع التصعيد
تسوية تحت النيران... ماذا جرى في إسطنبول؟
في الجولة الثانية من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، ورغم أجواء الشك المتبادل، توصل الطرفان إلى اتفاقين محدودين لكنهّما رمزيان: تبادل جثث 6000 جندي من كلا الجانبين، وتبادل شامل للأسرى من فئات محددة الجرحى ومن هم دون سن الخامسة والعشرين.
لكن هذه المؤشرات الإيجابية لم تُخفِ حقيقة المشهد الأكبر، كما يوضح يالي الذي يرى أن ما يجري لا يتعدى "خطوات رمزية في ظل انسداد أفق التسوية السياسية".
ويضيف: "الشروط التي طرحتها موسكو في إسطنبول هي نفسها التي أعلن عنها الرئيس بوتين في قمة جنيف 2024، ولم تكن مقبولة في حينها، ولا تزال مرفوضة الآن، خصوصاً ما يتعلق بانسحاب القوات الأوكرانية من مناطق لم تنجح روسيا حتى في السيطرة عليها ميدانيًا".
مكسيم يالي: روسيا لا تفهم إلا لغة القوة
أبرز ما جاء في تحليل يالي خلال حديثه الى غرفة الأخبار، كان تأكيده على أن موسكو لا تستجيب إلا للردع العسكري. وبلهجة لا تخلو من التحدي، أشار إلى أن الضربات التي استهدفت المطارات الروسية، خصوصاً في سيبيريا، "كانت رسائل استراتيجية تهدف إلى ردع موسكو وإثبات قدرة كييف على تهديد العمق العسكري الروسي، بما في ذلك المنصات المرتبطة بالردع النووي مثل القاذفات والصواريخ الباليستية".
وقال يالي بصراحة لافتة: "ما حدث يُظهر أن لدينا القدرة على ضرب منشآت تُعد من مكونات الردع النووي الروسي، وهذا يبعث برسالة واضحة: إذا استمرت روسيا في هذه الحرب، فستواجه تكاليف باهظة".
وفيما يتعلق بالمواقف الروسية، بدا يالي متشائمًا بشأن استعداد الكرملين لأي تنازلات حقيقية، قائلاً: "بوتين لا يريد وقف الحرب، بل يستغل فترات وقف إطلاق النار المؤقتة لحشد قواته والتحضير لهجمات جديدة كما رأينا مؤخرًا في زابوريجيا وخاركيف".
من الحرب إلى الطاولة... مناورة أم نوايا؟
رغم التحركات الدبلوماسية، يرى يالي أن موسكو تسعى لإظهار مظهر المتجاوب مع جهود التسوية أمام الولايات المتحدة، وتحديدًا إدارة ترامب، "لكن دون أن تقدم أي مضمون فعلي"، على حد وصفه.
ويضيف: "الكرملين يحاول الترويج لصورته كطرف منفتح على الحوار، لا سيما أمام واشنطن، بينما يواصل عملياته العسكرية بلا هوادة".
وفي تحليله لأبعاد تبادل الجثث والأسرى، أشار يالي إلى أن هذه الخطوات "جزء من استراتيجية علاقات عامة روسية أكثر من كونها تعبيرا عن تحوّل فعلي في الموقف السياسي"، مشيرًا إلى أن روسيا تحتجز آلاف المدنيين الأوكرانيين في سياق لعبة تبادل تستخدمها لأغراض تفاوضية.
سلام مؤجل... وميدان مشتعل
على الأرض، لا تزال كييف تتحرك وفق منطق "الضغط العسكري لفرض شروط سياسية"، وهو ما يراه يالي "اللغة الوحيدة التي يمكن أن تفهمها موسكو".
ويدلل على ذلك بالتكثيف الأخير في الضربات الجوية الأوكرانية، والتي وصفها بأنها "رسائل مدروسة بدقة لتعديل ميزان الردع، لا سيما في ظل فشل موسكو في تحقيق أهدافها الميدانية".
ويضيف: "كييف تدرك أن التفاوض في ظل الضعف يعني فرض شروط المنتصر، ولذلك لجأت إلى استعراض القوة قبل الجولة الثانية من المحادثات، لتأكيد حضورها كطرف قادر على الإيلام لا فقط المقاومة".
لا تسوية من دون معادلة ردع جديدة
في قراءة مكسيم يالي، السلام لا يأتي بالنيات الطيبة بل بتغيير موازين القوى. وبينما تبدي أوكرانيا انفتاحًا تكتيكيًا على الحوار، فإنها تتحرك بصلابة ميدانية لفرض حضورها في أي صيغة تفاوضية قادمة. أما موسكو، فهي لا تزال تلوّح بورقة التصعيد وتراهن على الزمن والتعب الغربي، دون أن تُظهر إرادة حقيقية في تغيير قواعد الاشتباك.
وهكذا، تبقى التسوية رهينة معادلة ثلاثية الأضلاع: ردع عسكري، ضغوط غربية، وإرادة سياسية غائبة حتى الآن. وبين جولة إسطنبول القادمة وهجمات خاركيف وزاباروجيا، تتقدم الحرب بخطى أبطأ نحو طاولة مفاوضات لم تُفرش بعد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|