الصحافة

بين فاروق الشرع وأحمد الشرع

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يوجد حتى اللحظة من هو قادر على «الإمساك» بالرئيس السوري المُعيّن أحمد الشرع، بمعنى أنّ أحداً لا يمكنه التحدّث عنه بيقين، أو التنبؤ بما سيقدم عليه.

وبمراجعة لباحثين من المعارضين للنظام السابق، تخصّص بعضهم في متابعة قصة الرجل ولا سيما بعد تمكّنه من السيطرة على إدلب ومحيطها، يمكن القول إن المشترك بين هؤلاء، أن الشرع قادر على الدوام على مفاجأة المحيطين به قبل الآخرين. أما سؤال المليون فهو عن زمن بداية تحوّله؟

بين الباحثين، معارض سوري اسمه حسام الجزماتي، كتب مقالات كثيرة في مواقع سوريّة معارضة للنظام السابق، وقدّم مطالعة في مقابلة مع جاد غصن على قناة «العربي»، كان البارز فيها اعتقاده بأن الشرع تخلّى عن الجهادية العالمية منذ اعتقاله في العراق عام 2005.

ويقول الباحث - الذي لا يبدو مسروراً بالتغيير الحاصل ولم يعد إلى سوريا - إن الشرع يجيد بيع الآخرين من «أكياسهم»، وهو قادر على التحايل على الوقائع، بما يجعله موجوداً طوال الوقت، وإنه في مرات كثيرة يبدو كمن يقدّم تنازلات، فيما هو بالفعل يتخلّص من أعباء صارت ثقيلة في محيطه وبين أركانه.

وهناك أيضاً باحث غربي اسمه باتريك هيني، من فريق «منظمة الحوار الإنساني» المتخصّصة في أعمال الوساطة، وقد ارتبط بعلاقة صداقة شخصية مع الشرع منذ كان في إدلب، وحافظ على علاقته به بعدما سكن في قصر الشعب في دمشق. يعتقد هيني بأن الشاب حمل كل أفكار تنظيم «القاعدة» منذ انخراطه السياسي، لكنه ممن يسعون دوماً إلى تقديم نموذج جديد من الإسلام الحركي. ويصف هيني الشرع بأنه «شخصية تمتلك رؤية واضحة لما تريده. يُحسب له أنه نجح في قيادة حركته عبر تحوّلات أيديولوجية عميقة، وتمكّن من الحفاظ على وجوده واستمراريته في كل الصراع»، واصفاً إياه بأنه «شخص استراتيجي وبراغماتي في آن، يمتلك القدرة على التكيّف واتخاذ قرارات مفصلية ضمن تعقيدات المشهد السوري».

الفارق بين جزماتي وهيني لا يتعلق فقط بكون أحدهما ابن البيئة السورية، بل في كون الباحث الغربي يرى الشرع من زاوية تخصّ الخارج، وهي نقطة مهمة جداً في حسابات قائد تنظيم يشبه في تحوّلاته متحوّرات «كورونا». وبالتالي، فإن من يعتقد في هذه اللحظة بأن الشرع يملك رؤية متكاملة ستقوده إلى نتيجة مقرّرة من قبله، لا يبدو أنه يعرف طبيعة سوريا.

صحيح أن الشرع، نجح في التكيّف مع الوقائع، وأدخل تعديلات غير بسيطة على تنظيمه فكرياً وسياسياً وهيكلياً، لكنه كان، في كل مرة، يدفع ثمناً باهظاً بسبب القسوة التي يلجأ إليها عند كل تحوّل، حيث يختفي قادة وكوادر وحتى مجموعات، مع نتيجة أكيدة تنتهي بتمركز الأمور بيده أكثر من السابق.

وهو يحافظ، حتى اللحظة، على آلية عمل تتيح له الفصل بين رجالات الحكم ورجالات القرار. وبمعنى أدقّ، توجد حوله مجموعة من القيادات الأساسية التي تتشكّل بمعظمها من جهاديين غير سوريين، وهؤلاء، لهم دور كبير في إدارة السلطات التي تتشكّل من قيادات وكوادر بات الجمهور يعرفها، لكنها لا تشكّل عائقاً أمام أي تحوّل يريده الشرع.

وإذا كان أحمد الشرع هو، في واقع الحال، الشخصية الأكثر فعّالية في المشهد السوري، إلا أن فكرة عدم توفر مزايا أو أفكار لدى غيره تصبح أمراً تعجيزياً في بلد يستفيق من سبات الحرب.

ففي سوريا نفسها، رجل آخر من آل الشرع، هو نائب الرئيس السابق ووزير الخارجية الأسبق والقيادي البعثي فاروق الشرع، الدبلوماسي والسياسي الذي أمكنه العمل في أصعب مراحل سوريا السياسية والأمنية والاقتصادية، وكان من أبرز من عارضوا المسار الذي قرّره النظام السابق في تعامله مع خصومه الداخليين، إثر اندلاع الأزمة عام 2011.

ومن دون الدخول - على الطريقة السورية واللبنانية - في بحث حول الصلة التي يمكن أن تربط الشرعيْن أحدهما بالآخر، فإن الحديث لا يتعلق بترشيح أحدهما للعب دور الآخر، لكنها مقارنة ضرورية في هذه اللحظة، بسبب الفوارق الكبيرة جداً بينهما، والتي تعكس الفالق السوري الكبير، كون فاروق الشرع، الذي يملك تجربة أكبر، ويمثّل عراقة سياسية، وسبق أن تحمّل المسؤولية في مسألة الخيارات الأفضل لمستقبل سوريا، من دون التورّط في الحروب التي أدّت إلى ما باتت عليه اليوم.

وقد كان جزءاً من النظام السابق، لكنه لم يكن ذلك الموظف المستعدّ للموافقة على كل ما يأتي من فوق من دون نقاش. وهذا ما ميّزه لفترة طويلة عن غيره ممن تعاقبوا على المواقع الرئيسية في البلاد.

نشر فاروق الشرع الجزء الثاني من مذكّراته الشخصية، في كتاب صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعدما كان نُشر جزء أول يتعلق بالمرحلة السابقة، خصوصاً ملف المفاوضات السورية – الإسرائيلية.

في الجزء الثاني، كمية كبيرة من الأمور التي تخصّ مرحلة ما قبل الانفجار عامَ 2011 وبعده. والمجريات، لا يمكن وضعها في مصاف السرد العام، بل فيها ما يكشف خلفية أمور كثيرة قد تكون سبباً في الأزمة الكبيرة.

فلا هو أهمل العناصر الداخلية المتصلة بفشل مشروع الإصلاح الذي كان يتوقّعه مع الرئيس بشار الأسد، ولا هو غائب عن التدخل الخارجي الساعي إلى تدمير سوريا وتطويعها.

لكن «أبو مضر» لم يكن ينظر إلى سوريا بوصفها مكاناً جغرافياً منغلقاً على نفسه، بل كان يعرف حجم الدور الذي تلعبه تاريخياً وحاضراً في كل المنطقة. والأهم في كل ما سبق، إدراكه العميق، الفعلي لا النظري، لطبيعة العداء الذي تقوده الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة والعالم) ضد سوريا كدولة، كما ضد الحكم الموجود.

من المفيد أكيداً لكل من يريد مراجعة ما حصل في سوريا خلال 13 عاماً أن يراجع مذكّرات الشرع. وهي مراجعة مفيدة الآن لتقدير المسار الذي يتجه إليه الشرع الحاكم في قصر الشعب اليوم، خصوصاً أن أبرز الأسئلة التي تخصّ سوريا، لا تنبع حكماً وحصراً من تعب السوريين، بل من الحاجات الفعلية لمجتمع لا يمكن تحويله إلى مختبر تجارب، خصوصاً من قبل شخصيات كأحمد الشرع. والمسألة هنا، لا علاقة بإسلامية أحمد الشرع أو سلفيته أو جهاديته، بل بفكرة «الخلاص» التي يتبناها وتكاد تكون شخصية.

وإذا كانت الخلافات بين السوريين كبيرة بفعل كل ما حصل خلال ستة عقود من حكم البعث، أو خلال 13 سنة من الحرب الأهلية، فإن ذلك، لا يعني أن السوريين قرّروا جميعاً، أو بأغلبية واضحة، أن طريق الخلاص يكون عبر الاستسلام للمشروع الغربي في منطقتنا.

عندما يشرح فاروق الشرع تفاصيل الإدارة الدقيقة لمواجهة المشاريع الغربية لضرب العراق ولبنان وسوريا، أو ما فعله الجميع بفلسطين، يمكن فهم مصدر المشكلة.

والأمر في هذه الحالة ليس هدفه «فعل النكاية» كما يرغب التُّفَّهُ الذين تعجّ بهم دمشق هذه الأيام، بل لأن فكرة التسليم بالمشروع الأميركي، الذي يعني تأبيد المشروع الصهيوني في منطقتنا، ويفرض علينا تقاليد حكم وفق ما هو موجود في إِمارات وممالك الجزيرة العربية، هي فكرة انسحاق، وسيكتشف السوريون، ليس بعد وقت طويل، أنهم سيتحولون من هاربين ونازحين داخل بلادهم وخارجها، إلى جيوش من المقهورين الذين لا تغطيهم الأحلام الافتراضية، ولا تقيهم المكرُمات شرّ الجوع والعطش، ولا تساعدهم سياسات الخصخصة على توفير مساكنهم ومدارسهم ومشافيهم!

من يريد النظر إلى سوريا اليوم، فقد تكون مفيدةً له المقارنة بين الشرعيْن، واحد يمثّل تاريخ فيه الكثير من عناصر القوة، كما يوجد فيه الكثير من القهر والظلم، وآخر، يمثّل المراهقة التي تهدّد ما بقي من هذه البلاد وجوارها!

ابراهيم الامين -الاخبار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا