بين رمزيّة العيد وثقل الأزمة... عيد الأضحى بلا أضاحي
بينما يستعد المسلمون في مختلف أنحاء العالم لاستقبال عيد الأضحى المبارك، يعيش اللبنانيون العيد بطعم مختلف هذا العام، وسط ازمات متعددة ألقت بظلالها الثقيلة على مختلف جوانب الحياة، فمع انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار وارتفاع الأسعار بشكل كبير، بات الاحتفال بالعيد لمن يستطيع له سبيلًا، فالأزمة الاقتصادية التي بدأت من عام 2019 غيبت كل أشكال التحضيرات عن اللبنانيين، فباتت الأسواق شبه خالية من الناس بعد أن كانت ان تعج بروادها قبل أسبوع من العيد.
يشار إلى أن عيد الأضحى أو ما يسمى بالعيد الكبير هو العيد الذي يحتفل به جميع المسلمين في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة.
ما يميز عيد الأضحى هو ذبح الأضاحي اقتداء بالنبي إبراهيم، حيث توزع لحومها على الفقراء والأقارب، وفي لبنان، لطالما كانت مشاهد الأضاحي تملأ الساحات، وتقام الولائم وتوزع اللحوم على الجيران والمحتاجين إلا أن هذه التقاليد بدأت تشهد تحولا كبيرا، فمنذ بداية الأزمة الاقتصادية بدأت أسعار اللحوم بالارتفاع بشكل جنوني، مما جعل كلفة الأضحية تفوق قدرة الكثير من العائلات اللبنانية حيث أصبحت كلفة الخروف الواحد تصل في بعض الأحيان ما يعادل راتب شهرين أو أكثر لبعض العاملين.
كانت الأضحية من أبرز مظاهر العيد الدينية والاجتماعية، اما اليوم فباتت رفاهية لا يملكها إلا القادرون، فمع اقتراب موعد عيد الأضحى، ترتفع أسعار الأضاحي بشكل يضعها خارج نطاق القدرة الشرائية لكثير من المواطنين، « العيد بات بكل تفاصيله يشكل عبئا ماليا ثقيلا يصعب تحمله في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار» تقول أم محمد وهي أم لـ3 أطفال مضيفة بحرقة « العين بصيرة واليد قصيرة جعلونا أناسًا بلا حياة «عم نتنفس بس»، وسرقوا منا كل شيء حتى العيد وفرحته، لقد ذبحونا مثل الخراف، نعيش مأساة لم نعشها حتى في مراحل الحرب.
أما علي وهو رب أسرة صغيرة يعمل في القطاع العام فأشار إلى انه قبل الازمة الاقتصادية اعتاد تقديم الأضاحي كل عام، فالكثير من العائلات ونحن واحد منها كانت تحتفظ بجزء من دخلها السنوي «للأضحية»، مضيفا «أم اليوم بتنا عاجزين تماما عن توفيرها فالمعاش لا يكفي حاجاتنا اليومية فمن أين لنا ان نقدم الاضاحي التي باتت للاغنياء فقط، فنحن اليوم بالكاد نشتري اللحم مرة في الشهر».
غيبت الأزمة الاقتصادية الأضاحي كعادة من عادات اللبنانيين في عيد الأضحى، وخصوصاً أن الأسعار لا تتناسب مع مدخول الأغلبية العظمى من المواطنين، أو حتى مع اولئك الذين كانوا ينتمون سابقا إلى الطبقة المتوسطة، ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي في ايار العام الماضي ارتفعت معدلات الفقر في لبنان بشكل كبير، حيث أصبح 44% من السكان يعيشون تحت خط الفقر في عام 2022، مقارنة بـ12% فقط في عام 2012، هذا التدهور في الوضع الاقتصادي انعكس بشكل واضح على قدرة المواطنين على تأدية شعائر العيد، مثل شراء الأضاحي والملابس الجديدة.
يذكر أن الأُضحية في اللغة هي ما ينحر في عيد الأضحى، أما تعريفها في الاصطلاح الشرعي فهو لا يخرج عن التعريف اللغوي؛ إذ إنها تعني ما يذبَح تقربًا لله في أيام الأضحى.
باتت طقوس عيد الأضحى بالنسبة لكثير من الأسر حلما مؤجلا فغياب السيولة في يد المواطن، وتردي الوضع المعيشي، أديا إلى تراجع كبير في عمليات البيع والشراء، «كنّا نبيع في كل عيد أكثر من مئة رأس غنم، والعام الماضي بفعل الأزمة الاقتصادية والضائقة المالية لم نبع سوى ثلاثين رأس غنم ومعظمهم اشترتهم جمعيات خيرية» يقول أبوفادي أحد تجار المواشي، مضيفاً «لا أظن أن هذا العام سيكون أفضل من سابقه، فالعيد بات يمر مرور الكرام، بلا بهجة ولا مردود اقتصادي».
«في السابق، كانت الأضحية جزءا لا يتجزأ من طقوس العيد في معظم البيوت اللبنانية، إلا أن انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار وارتفاع أسعار اللحوم بشكل خيالي، جعلا الأضاحي «شبه منسية» يقول عاطف وهو صاحب ملحمة في بيروت مضيفاً « قبل الأزمة كان الناس يشترون الأضحية بثقة، أما اليوم فحتى السؤال عن السعر أصبح نادرا، والبعض يحاول المشاركة في أضحية جماعية، لكن حتى هذا لم يعد سهلا، فالناس مشغولة بلقمة عيشها اليومية».
ويتابع «شراء الأضاحي وإطعامها لمدة أسبوع على الأقل وتجهيزها للذبح يوم العيد اصبح مكلفاً مع ارتفاع ثمن العلف والبنزين لنقلها، وهذا ما دفعني لعدم شراء الأضاحي هذا العام، وبرأيي أن الفئة الميسورة فقط من الزبائن هي فقط من ستضحي هذا العام فقط إضافة إلى بعض الجمعيات الخيرية».
يشار إلى أن لبنان يتقدم بأسعار الأضاحي على كافة الدول العربية باستثناء فلسطين المحتلة، و بحسب تقارير إعلامية بلغ العام الماضي الحد الأدنى لسعر الأضحية 350 دولاراً والحد الأعلى 560 دولاراً، أما باقي الدول العربية فتقل أسعار الأضاحي عنها ما يدفع الى استبعاد عامل التضخم العالمي من أسباب تحليق الأسعار محليا، فغياب الدولة الحامية للمستهلك والفوضى والفساد هي من الاسباب الداخلية لتحليق أسعار الأضاحي وتفاوتها عموماً وأسعار اللحوم بكل أنواعها أيضا.
تكشف الاعياد في لبنان حجم المعاناة التي يمر بها اللبنانيون، فبعيدا عن الأضحية، تراجعت أيضا عادة «الجمعة» العائلية، التي كانت من أهم مظاهر الفرح، حيث يشعر البعض بالخجل من استقبال الضيوف دون ضيافة تليق بالمناسبة، بينما يعجز آخرون عن تكاليف التنقل لزيارة أقاربهم، فأم علاء أم لـ 4 أطفال تقول «كنا نتحضر للعيد قبل أسبوع بفرح أما اليوم مع هذه الضائقة المالية التي طالت معظم الشعب اللبناني فلا حلويات ولا ملابس حديدة ولا لحم» مضيفة «حتى زيارة الأهل ألغيناها، لأننا لا نملك أجرة الطريق فنحن معيدين ومش معيدين» وحال أم علاء يشبه حال الكثيرين من أبناء هذا البلد المنهوب.
يشار إلى أن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أكد خلال استقباله وفد الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، برئاسة القاضي كلود كرم، يوم الخميس الماضي، أكد إلى أن «لبنان ليس مفلسا، بل دولة منهوبة».
في ظل هذا الواقع القاتم، لم تغب روح التضامن الشعبي، فقد نشطت جمعيات خيرية ومبادرات أهلية، بدعم من بعض المغتربين، في توزيع الأضاحي خلال عيد الأضحى من بين هذه الجمعيات، تبرز جمعية «أهلنا»، التي أطلقت مشروع أضاحي العيد للعام 2024 تحت شعار «أُضحيتك بتفرّحهم»، إضافة إلى جمعية «جامع البحر الخيرية» في صيدا وجمعية الهلال الأحمر الكويتي إضافة إلى اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان «URDA»، الذي اختتم حملة الأضحى لعام 2024 تحت عنوان «لنعطِ أكتر».
بات العيد مرآة تعكس عمق الأزمة اللبنانية، حيث تحولت الأعياد من مناسبات للفرح والتلاقي، إلى محطات تذكر الناس بصعوبة واقعهم وغياب الدولة عن واجباتها الأساسية ومع ذلك، يبقى اللبناني متمسكا بالأمل، وبقدرة هذا البلد على النهوض مجددا، ولو بعد حين.
ربى أبو فاضل - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|