الصحافة

فوز "التيار" في جزين: حقيقة أم انطباع؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما يعيشه "التيار الوطني الحرّ" في جزين ليس مجرّد أزمة سياسيّة سببها سوء الأداء، بل مرحلة متقدّمة من الانفصام. ففي انتخابات جزين ـ عين مجدلين البلدية، توهّم "التيار" انتصاراً في المدينة، ثمّ أقام له مهرجاناً. استقدم مناصرين غير جزينيين، في تعبئة مصطنعة ومكرّرة. ومن أمام بلدية جزين، نظر رئيسه جبران باسيل في الحاضرين كأنّه يقيّم من حوله. نسي أنّ بعضهم أتى معه. رفع شارة النصر. ومن ثمّ نظّم تبريكات أمام عدسات الكاميرات.

فهل صنع باسيل انتصاراً في جزين، أم أنّ التوافق أعاد صناعة باسيل في جزين؟

الوقائع تقول، إنّ باسيل عاد إلى جزين على ظهر ثلاث خصومات:

ـ دافيد الحلو، بعد خصومة مع شقيقيه غازي ووليد الحلو، انتهت باقتلاع الأخير من بلدية جزين التي كان رئيسها.

ـ إبراهيم عازار، الذي لطالما رفع باسيل راية "تحرير جزين" منه، بوصفه امتداداً لنفوذ نبيه بري في القضاء المسيحي.

ـ زياد أسود، الرفيق الذي أزعجه في ملفات جزينية وحزبية بالغة الحساسية. حليف الأمس وخصم اليوم.

انطلاقاً من أثقال هذه التنازلات، ينتفي الحديث عن نصر جزيني بطعم حزبي، كما وأنّ تشريح بُنية اللائحة والفائزين، وتفكيك أرقام المقترعين، يكشف أنّ "التيار" لم يكن حتّى عرّاب اللائحة، بل أحد "المزروكين" فيها بـ 5 أعضاء من أصل 18، حلّوا في أسفل اللائحة من حيث نسبة الأصوات. وأنّه نجح بعضلات اللائحة، ولم يكن هو سبباً في إنجاحها، بل كانت هي سبباً في إنجاحه. ولو كانت "القوات اللبنانية" في موقع "التيار" على اللائحة نفسها، لما اضطر باسيل إلى عبور 124 كيلومتراً من البترون إلى جزين، للاحتفال بـ "نصر مبين"، بل كان مكث ضمن جدران أربعة في البترون، يحاول أن ينسى أنّ الصناديق قالت كلمتها: صفر.

الأرقام تعيد القراءة خارج فوقية المشهد

عندما قرّر باسيل "شكّ العلم" في جزين، غفل أنّه لم يكن اللاعب بل الراكب، وأنّ النصر يُحسب لأصحاب الأقدام التي مشت على الأرض، لا لمن رافقها من فوق، محمولاً على أكتاف الحلو وعازار وأسود، وقد حمله الثلاثة معاً إلى مشهد بدا فيه متقدّماً، ولكن الأرقام قاسية لا تجيد المجاملة، وتعيد القراءة خارج وهج الصورة وفوقية المشهد.

فقد صنع دافيد الحلو الفرق الأول في عين مجدلين منذ حلّ ضيفاً توافقياً على اللائحة، وقد أهدته تلك البلدة التي لشقيقه غازي صولات فيها وجولات من العطاء، خميرة تعدادها 300 صوت، صنعت كلّ الفرق. فيما رصيده الصافي في جزين يوازي رصيده في عين مجدلين، أمّا إبراهيم عازار فرصيده 850 صوتاً، وزياد أسود وزّع أصواته على محاور عدّة في تكتيك انتخابي، أحدها للمختار المنفرد جوزيف الحلو، وقد بلغت 250 صوتاً.

في الحسابات، تظهر الأرقام أبلغ من الشعارات. فثنائي التوافق الحلو وعازار، حصد وحده نحو 1450 صوتاً من أصل 2558، دون احتساب أصوات أسود، ودون احتساب أصوات العائلات. ثقل أصوات رباعي أسود وعازار والحلو والعائلات، كان كفيلاً بإنجاح أيّ رابع يُزجّ باسمه على اللائحة، حتّى ولو كان مجرّد "إجر كرسي"، لا يتحرّك، لا يتكلّم، يكتفي بالجلوس حيث توافقوا.

أمّا قراءة الوقائع الانتخابية فتفضح واقعاً أبعد: صفّرت اللائحة التي انتسب إليها "التيار" الأخطاء، فيما راكمت لائحة "القوات" والعائلات هفوات عدّة:

1ـ أوّل هفوة ارتكبتها "القوات"، كانت الخروج من التوافق، الذي سببه المبالغة في تقدير حجمها. ذهبت إلى لائحة قوامها 4 حزبيين فقط، وتتكئ إلى رافعة العائلات، في حين أنّ اللائحة المنافسة تستند بشكل أساسي على 4 رافعات. رافعة رئيسها دافيد الحلو، ورافعة النائب السابق إبراهيم عازار، أضف إلى رافعتي العائلات والنائب السابق زياد أسود الذي بقي في لائحة التوافق، احتراماً لوعد قطعه للحلو قبل خروج "القوات" منها، ودخول "التيار" إليها، مع ممارسته التشطيب لـ 3 أسماء باسيلية في رسالة "رقمية" من جزين إلى البترون حول الأوزان والأحجام.

2ـ أغفلت "القوات" الاستثمار في الأداء الفاشل لـ "التيار" في بلدية جزين والقضاء، فيما لم تتأثّر اللائحة الثانية بأداء "التيار" المتعثّر، لأنّه كان ملحقاً بها لا أساسياً فيها.

3ـ اعتمدت "القوات" خطاباً خارجاً عن المألوف، فيما اعتمدت اللائحة الثانية خطاباً متّزناً احتكره رئيسها المحنّك.

4ـ لم تشغّل "القوات" محرّكات ماكينتها الانتخابيّة، وتركت مرشّحها لرئاسة البلدية غير القواتي بشارة عون يدير معركته بنفسه.

وبشارة الطارئ على الشأن العام، تصدّى لمنافسٍ مخضرم، يملك ثلاثة محرّكات انتخابيّة: ماكينة عازار، وماكينة "التيار"، وماكينته هو. وقد برزت ملاءته الماليّة، كخيط سرّي يحرّك اللعبة، ملاءة وظّفتها عائلته منذ سنوات، في خدمة جزين ـ عين مجدلين، لا طمعاً بمنصب، بل رغبة بالمساعدة.

5ـ لم تشغّل "القوات" باصات على خطّ بيروت ـ جزين، فيما اللائحة الأخرى عملت على خطّ الشام ـ جزين، واستقدمت 170 صوتاً من دمشق.

بهذا المعنى، يصبح فوز "التيار" في جزين انطباعاً لا حقيقة، واستناداً إلى ما سبق، في الأفق سؤال معلّق، كالغبار بعد العاصفة: هل تلعثمات "القوات" في جزين، كانت ثمناً مدفوعاً في بازارٍ أوسع؟ وهل هي مقايضة صامتة بين زحلة وجزين؟

نورما أبو زيد-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا