إشكال مسلّح قرب حاجز الجيش في الضاحية الجنوبية... وإصابة خطيرة! (فيديو)
الجنوب بين التهديد الاسرائيلي والإهمال الرسمي.. سياحة مع وقف التنفيذ!
في خضمّ الأزمات المتلاحقة التي ترخي بظلالها على لبنان، تبرز السياحة كأحد القطاعات القليلة التي ما زالت تملك قدرة فعلية على تحريك عجلة الاقتصاد. ومع أنّ هذا القطاع يتمتع بإمكانات طبيعية وثقافية استثنائية، إلا أنه ما زال مكبّلاً بجملة من التحديات التي تعيق تطوره وتمنعه من أداء دوره الحيوي كما ينبغي.
على مدى السنوات الماضية، شهدت البلاد تراجعاً حاداً في عدد السيّاح، خصوصاً من دول الخليج العربي، الذين لطالما شكّلوا أحد أعمدة الموسم السياحي اللبناني. إلا أن الآونة الأخيرة شهدت بوادر عودة خجولة للسيّاح العرب، بالتزامن مع ظهور مؤشرات على رغبة رسمية في إعادة تنشيط هذا القطاع، برزت في تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام، الذي قدّم سلسلة تطمينات علنية تتعلق بتعزيز الأمن وتوفير بيئة مستقرة للسياح في المناطق اللبنانية كافة، ولا سيّما العاصمة والمناطق الساحلية.
غير أنّ هذه العودة لا يمكن فصلها عن الواقع الميداني المعقّد، حيث لا تزال الاعتداءات الإسرائيلية، خصوصاً في الجنوب، تمثّل تهديداً مباشراً يحول دون استفادة هذه المناطق من إرثها الأثري والسياحي الغني. وفي مواجهة هذا التهديد تحديداً، كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، خلال فترة العدوان، قد بادرت إلى التحرّك لتأمين حماية دولية للمعالم الأثرية المعرضة للخطر، ما أثمر إدراج 34 موقعاً لبنانياً على لائحة الحماية المعزّزة لدى منظمة اليونيسكو، في خطوة اعتُبرت إنجازاً نوعياً يعكس حسّاً وطنياً وحرصاً على الهوية التاريخية في ظلّ ظروف استثنائية.
لكن، وعلى الرغم من هذا الإرث، لا تزال الدولة تتعامل مع المناطق الجنوبية، كما الشمالية والداخلية، وكأنها خارج الخارطة السياحية الرسمية. فالمعالم الأثرية المنتشرة في الجنوب، والتي يعود بعضها إلى حقبات فينيقية ورومانية وإسلامية، لا تحظى بأي حملة ترويجية أو لفتة إعلامية جدّية، مقارنة بما يُسلّط من أضواء على وسط العاصمة وبعض المناطق الساحلية. هذا التجاهل يثير تساؤلات مشروعة عمّا إذا كان ناتجاً عن تقصير إداري معتاد، أم أنّه يعكس انحيازاً مقصوداً ذا أبعاد سياسية، يرتبط بطبيعة هذه المناطق وخياراتها الوطنية.
الإعلام، بدوره، لا ينأى بنفسه عن هذا التهميش. إذ نادراً ما تُسلّط الأضواء على المواقع الأثرية في الجنوب أو في القرى الحدودية، بينما يُعاد إنتاج الصورة النمطية للسياحة في لبنان على أنها محصورة بشوارع العاصمة ومقاهيها. هذا التحيّز في التغطية لا يبدو بريئاً تماماً، بل يوحي أحياناً بوجود توجّه ضمني لحصر الجاذبية السياحية في مناطق دون غيرها، وهو ما يُضعف فرص الاستثمار في المناطق الطرفية ويعمّق الفجوة بين المركز والأطراف.
والأخطر من ذلك، أنّ الخوف من التوجه إلى هذه المناطق، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، بات يُستخدم بشكل غير مباشر كذريعة لعدم إدراجها ضمن أولويات الترويج السياحي، مع أن تثبيت الحياة في هذه المناطق وتفعيل حركتها الاقتصادية، يجب أن يكون بحد ذاته خياراً استراتيجياً لمواجهة محاولات العزل والترويع.
مع ذلك، فإن التحديات لا تقتصر على الجانب الأمني، بل تمتد إلى غياب رؤية تسويقية وطنية شاملة، خاصة تجاه المناطق التي تعرّضت ولا تزال تتعرّض للتهديدات. فحتى اليوم، لم تبادر الحكومة إلى وضع خطة استراتيجية متكاملة تعيد للبنان موقعه السياحي، ولا إلى تخصيص جهود حقيقية لدعم المناطق الجنوبية والحدودية التي تملك إرثاً سياحياً وثقافياً ضخماً. وبدلاً من ذلك، تمّ الاكتفاء بحملات موسمية سطحية، في مقاربة لا ترقى إلى مستوى التحديات، ولا تعكس أي التزام فعلي بإعادة تنشيط هذا القطاع أو إنصاف المناطق المهمّشة سياحياً.
والمفارقة أن رئيس الحكومة نواف سلام، الذي يبدو أنه يولي أهمية كبرى للقطاع السياحي، لم يبادر حتى الآن إلى استخدام موقعه السياسي للضغط عبر القنوات الدولية من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، أو للمطالبة بانسحاب العدو الإسرائيلي من النقاط التي لا يزال يحتلها في الجنوب. وهو ما يشكّل شرطاً أساسياً لتعزيز الاستقرار وتبديد المخاوف الأمنية لدى السيّاح. فكيف يمكن الحديث عن نهوض سياحي جاد في ظلّ بقاء
الاحتلال كعامل تهديد دائم على أطراف البلاد؟
يُضاف إلى ذلك أن النشاط السياحي ما زال محصوراً في العاصمة بيروت وبعض المناطق المحيطة، في ظلّ تجاهل واضح للمناطق الداخلية والشمالية والجنوبية، رغم ما تزخر به من مقوّمات طبيعية وثقافية قادرة على جذب شرائح واسعة من الزوّار. هذا التركيز الجغرافي يكرّس الفجوة التنموية ويحول دون تحويل السياحة إلى رافعة اقتصادية لمناطق الاطراف التي تعاني أصلاً من ضعف في البنى التحتية وغياب الاستثمارات. كما أنّ معظم القرى اللبنانية لا تحظى بالدعم المؤسساتي الكفيل بتأهيل مرافقها السياحية، ما يقيّد قدرتها على استقطاب الزائرين والاستفادة الفعلية من الموسم.
في موازاة ذلك، تفتقر الدولة إلى التنسيق الفعلي بين الوزارات المعنية بالقطاع، ما يفرمل أي إمكانية لصياغة خطة وطنية موحّدة تنهض بالسياحة من واقعها الموسمي والمبعثر إلى مسار أكثر احترافية واستدامة. وحتى المبادرات التي أُطلقت سابقاً، كشعار "أهلا بهالطلة" الذي تبنّاه وزير السياحة السابق وليد نصار، ورغم حسن نواياه، بقيت محدودة التأثير، في ظل غياب البنية التحتية التسويقية والدعائية التي تسمح بتحويلها إلى حملة فعّالة ذات امتداد دولي.
من هنا، يبدو واضحاً أنّ السياحة في لبنان تحتاج إلى أكثر من مجاملات دبلوماسية أو مبادرات فردية، بل إنها بحاجة إلى قرار سياسي حازم يُدرج القطاع ضمن الأولويات الوطنية، ويحوّله إلى ملف استثماري بامتياز. فلبنان، بتاريخه العريق، وطبيعته المتنوعة، ونمط عيشه المنفتح، لا يزال يملك ما يكفي ليكون من أبرز الوجهات السياحية في المنطقة. غير أنّ ما ينقصه فعلياً هو الدولة، بكل ما تمثّله من رؤية وعدالة توزيع، واستراتيجية موحّدة لا تميّز بين مناطق وأخرى، ولا بين مواطن وآخر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|