الصحافة

هل من سباق بين ورشتي التعافي والإنقاذ في لبنان وسوريا؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

توحي بعض المواقف مما يجري في المنطقة، وتحديداً بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دول الخليج العربي، بأنّ هناك سباقاً انطلق بين ما يُسمّى الملفين اللبناني والسوري، على خلفية أنّ هناك وجوه شبه بينهما، ولا بدّ من التوقف عندها. وهو أمر أثار استغراب المطلّعين على كثير من الحقائق المخفية في جوانب عدة عن المسؤولين اللبنانيين، الذين دعوا إلى التروي في مقاربة أزمتي البلدين. فلكل منهما خصوصيته لأسباب مختلفة. وهذه عينة منها.

دعت مصادر سياسية وديبلوماسية واسعة الإطلاع، إلى التروي في إطلاق الأحكام المطلقة على الوضع في المنطقة. لأنّ من الخطأ التمادي في إجراء المقارنة بين ما يجري على الساحتين اللبنانية والسورية لفقدان وجوه الشبه بينهما. ذلك أنّ الربط الذي يجريه البعض بين ما يجري على ساحتي البلدين، يشطح في اتجاه ما يمكن أن يناله البلدان من رعاية عربية ودولية لإخراجهما من مسلسل الأزمات التي يعيشانها. فلكل منهما واقعه وظروفه، ولا يجمع بينهما سوى ما تركته الحروب الداخلية التي مزّقت البلدين. فبعدما أمعنت سوريا في تمزيق لبنان على مدى عقود، تعرّف السوريون لاحقاً على نماذج وأصناف من الممارسات التي عاشها اللبنانيون. وكما كُلّفت سوريا سابقاً الملف اللبناني، جاء من يكلّف إحدى جاراتها، ومعها بعيدون عنها جغرافياً، إدارة شؤونها الداخلية وصولاً إلى التغيير الشامل فيها، إلى درجة أدّت إلى إسقاط نظام حديدي بعد مضي 54 عاماً من السيطرة المطلقة التي لم تعرفها سوريا قبله، بعد مرحلة من الانقلابات التي تناوبت عليها قبل بداية سبعينات القرن الماضي.

وقالت هذه المصادر، إنّ إصرار البعض على قراءة ما شهده لبنان منذ عقود على أنّه حروب أهلية وداخلية، لا يحق له أن يعتبر أنّ ما جرى في سوريا كان «حرباً كونية» شُنّت عليها. فبذور الحروب المختلفة التي عاشتها المحافظات السورية كانت موجودة كـ «الجمر تحت الرماد»، إلى درجة لم يكن مستغرباً ما حصل فيها وما استدعى تدخّلاً لقوى خارجية، سواء تلك التي شاركت مباشرة في تجنيد المقاتلين والمسلحين، أو أولئك الذين خصصوا المليارات لها، فهُدّمت مناطق وأُبيدت مجموعات بشرية إلى درجة هدّدت النسيج السوري الذي كان يخفيه نظام نجح في تسويق نظريات إيديولوجية، قدّمت شعارات العروبة على الخصوصيات المناطقية والطائفية، لتغليف كثير مما ارتُكب من فظاعات كان لا بدّ من أن تنفجر في أي لحظة.

على هذه الخلفيات، تصرّ المراجع السياسية عند قراءتها للوضع، على انّ التطورات الأخيرة في سوريا أبعدت وجوه الشبه عمّا يجري في البلدين، فلكل منهما خصوصياته التي لا تتلاقى سوى على مظاهر الحرب في سوريا في أقل من عقد ونصف، بعدما أمضى لبنان على شبيهاتها نحو خمسة عقود من الحروب المتنقلة التي عبرت مناطقه ومسّت تركيبته الديموغرافية، إلى درجة لم تنته إلى ما انتهت إليه الحرب في سوريا خلال عقد واحد. لكن ما حصل لحظة تغيير النظام كان مؤشراً لنقل سوريا إلى مكان آخر بسرعة لم يكن يحتسبها أحد ممن كانوا يعتقدون أنّهم يفهمون العقل السوري والتركيبة الحاكمة التي انهارت في غضون ايام قليلة.

وأضافت المصادر عينها، أن تركيبة النظام السوري الجديد الذي أُسقط فجأة على دمشق بعد انهيار النظام السابق، كشفت عنه الاعترافات الأخيرة للديبلوماسيين الأميركيين والبريطانيين بعد الأتراك بطريقة عفوية، وكأنّها من بين الإنجازات التي تمّ التحضير لها. وهي التي تحدثت بلا أي مقدمات عن سنوات من التدريب على كل المستويات التي قالت إنّ «هيئة تحرير الشام» هي البديل للنظام السوري الذي كان قائماً، كخطوة لا بدّ منها للإسراع إلى بناء «شرق أوسط جديد». وهو ما فضح السيناريو الكبير الذي بدأت شرارته في ما جرى في قطاع غزة عند الإعلان عن عملية «طوفان الأقصى»، وملاقاتها من لبنان في اليوم التالي بحرب «الإلهاء والإسناد» اللتين وفّرتا «الصاعق» الذي أدّى إلى تفجير المنطقة بمجموعة من «القنابل العنقودية» التي تفجّرت تباعاً على ساحاتها كافة.

ولاحظت هذه المصادر، انّه لمجرد أنّ «محور الممانعة» قد تبنّى كل ما حصل في قطاع غزة وتمادى في رعايته لما حصل في لبنان بعد الساحة السورية، بطريقة مباشرة أو بالمواربة، وهو ما ترجمته نظرية «وحدة الساحات» التي ربطت سياسياً وعسكرياً ما بين العواصم العربية الخمس، التي قال الحرس الثوري الإيراني انّه بدأ بإدارتها من بعيد، من أجل تطويق ما يسمّيه «الكيان الإسرائيلي» في الطريق إلى «تحرير القدس»، فأيقظت شياطين المحور الدولي الذي نجحت إسرائيل في استنفاره وضمّ قدراته العسكرية الهائلة إلى ترسانتها الخاصة على القاعدة التي تقول بـ«قدرة القوى الصغرى على استدراج القوى الكبرى إلى مستنقعها»، فكان الحلف الدولي الذي ناصرها للتغطية على جرائمها وفظائعها المرتكبة في غزة ولبنان، قبل ان تتوسع إلى الساحتين اليمنية والسورية، فكانت عملية تدمير منظّمة لما تبقّى من جيش النظام السوري السابق إلى حدّ إنهاء قواه إلى حدود الصفر، في ظل انقلاب كبير لم يكن قد تمكن بعد من توطيد حكمه لصعوبة المهمّة عند الانتقال من إدارة «محافظة إدلب» للتحكّم بشؤون البلاد والعباد بين ليلة وضحاها.

ولم تشأ المصادر التوسع في قراءتها للوضع في سوريا والدول الأخرى، قبل أن تعبّر عن مدى تأثير كل ذلك على الوضع في لبنان. فهو البلد الذي أنهكته الحرب في سوريا وأغرقته بالملايين من النازحين السوريين الذي أغرقوا المجتمعات اللبنانية الهشة المضيفة بمزيد من الفقراء، قبل أن تأتي عليه النتائج التي ترتبت على العدوان الإسرائيلي الذي جدّد وضع مناطق حدودية جنوبية إضافية تحت الاحتلال وتدمير مظاهر الحياة في منطقة واسعة من جديد.

وترى هذه المصادر، أنّ وجوه الشبه بين أزمتي سوريا ولبنان عند قراءة الانعكاسات لما يجري في المنطقة عليهما لا تتلاقى سوى في مكان ما. فالسلطتان فيهما لم تبنيا دولة بعد. ولكن الفوارق كبيرة بين نظام سوري جديد قادر على التجاوب مع شروط واشنطن والمجتمع الدولي، بطريقة قد تسهّل فك العقوبات عنها، لتطلق مجموعة من البرامج التي وضعت في الخارج لإعادة الإعمار. وقد ظهر نموذجان منهما على مستوى إعادة تنظيم المرافئ السورية المدمّرة، بدءاً بمرفأي طرطوس واللاذقية وتوقيع خمسة اتفاقات دولية للإقلاع بقطاع الطاقة الكهربائية قبل ايام، لتنطلق بعدها ورشة الإعمار، فيما اللبنانيون ما زالوا يناقشون مضمون تفاهم 27 تشرين و»جنس السلاح غير الشرعي» عمّا إذا كان يشمل جنوب الليطاني فقط أو لبنان كله، كما يقول المجتمع الدولي ومعه الدول والمؤسسات المانحة. وإلى أن تسوّى الامور في لبنان، يبدو انّ حركة الإعمار في سوريا ستنطلق في سباق غير متكافئ بين قيام الدولة السورية ومعها ورشة الإنماء والتعافي، وبين التأخير في إطلاق ورشة بناء الدولة اللبنانية. فهل هناك من يتعظ من هذه المقارنة؟

جورج شاهين -الجمهورية 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا