ماذا يريد دروز السويداء؟
قبل عدّة أسابيع وفي إطار محاولات تقريب وجهات النظر بين سلطة دمشق الجديدة، والسويداء، جسّ الوسيط العامل على خطّ المفاوضات نبض إمكانية قيام مسؤولين في المحافظة الجنوبية بفتح قناة تواصل بين دمشق وتل أبيب.
ولطالما تصدّرت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، شريط الأحداث وأخبار وسائل الإعلام، خصوصاً بعد سقوط النظام السابق، مع سيل جارف من الاتهامات تتعلّق بالانفصال والخروج عن وحدة الأراضي السورية.
بحسب المعلومات، فقد عرض الوسيط على الدروز لعب دور في فتح قناة اتصال مباشرة بين الإدارة في الشام وإسرائيل، وإن هذا التواصل سيضع اللبنة الأولى لعملية السلام بين البلدين، وهكذا سيسجّل التاريخ أن الدروز لعبوا دوراً بارزاً بالدفع في اتجاه إنهاء حال الحرب والعداوة المستمرّة منذ أربعينات القرن الماضي.
العرض قُدّم للدروز في خضمّ الاتهامات بالاستقواء بالعضلات الإسرائيلية، والرغبة الجامحة في الانفصال وحتى الانضمام إلى حكومة تل أبيب، ولذلك جاء الردّ على الشكل التالي: لا يمكننا لعب أي دور، ولا نطمح بدخول التاريخ كي يُحكى عنّا، سواء بشكل إيجابي من خلال نشوء السلام، أم سلبي إذا ما تمّ التنازل عن الجولان لقاء التطبيع.
رُسمت حول الملف الدرزي في سوريا مشاريع وهمية وأخبار مضخّمة مضلّلة، بينما الواقع يشير إلى أن هذا الملف يعدّ من أبسط وأسهل التحدّيات للرئيس السوري أحمد الشرع بالمقارنة مع التحدّيات الأخرى التي تواجه حكمه، وذلك في حال تمّ التعاطي معه بشكل إيجابي.
دروز السويداء ومنذ اللحظة الأولى لسقوط النظام السابق، نادوا وعبر الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري، بإقامة نظام لامركزي - فدرالي، فمِن وجهة نظرهم دفعت سوريا ثمن الحكم المركزي الذي حصر السلطات بيد الأسدَين لأكثر من 50 عاماً. ولذلك، لا بدّ من اعتماد اللامركزية كي لا يدفع السوريون الثمن مجدّداً بعد سنوات. وبالإضافة إلى المطالب المتعلّقة باعتماد اللامركزية، رفع الدروز شعار ضرورة اعتماد دستور مدني يحفظ التعدّدية السورية، وتشكيل حكومة تضمّ جميع أطياف وألوان المجتمع.
الهجري لم يتحدّث إطلاقاً عن انفصال أو ضرورة قيام دولة درزية، وأعلى سقف رفعه تمثل في الدعوة إلى حماية دولية خوفاً من وقوع مجازر وعمليات تطهير، شأنه كشأن السوريين الذين ثاروا ضدّ الأسد وطالبوا في 9 أيلول 2011 بحماية دولية.
البند الأوّل من الاتفاق الذي وقّع بين دمشق والسويداء، يتناول ملف تفعيل قوى الأمن الداخلي (الشرطة) من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقاً، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء محافظة السويداء حصراً، وبشكل فوري، وهذا يؤكّد أن ممثل الدروز في المحافظة الشيخ الهجري لم يناور طيلة الأشهر الخمسة الماضية، فمطالبه واضحة، وإن فكرة الانفصال غير مطروحة أو حتى موجودة في قاموس المحافظة، وهو سيؤكّد في إطلالة قريبة ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ضمن نظام لامركزي - فدرالي.
الموقع الجغرافي للسويداء يؤكّد استحالة الانفصال أو إقامة دولة، وأبناؤها لا تتملّكهم الرغبة في ذلك أساساً. فالمحافظة الحدودية لا تمتلك معبراً مع الجار الأردني جنوباً، وموادها الأساسية تأتي من دمشق، كالغذاء والمحروقات، وهي محاطة بدرعا من الغرب، وريف دمشق شمالاً وشرقاً. وإذا ما ذهبنا أبعد من ذلك، فإن فكرة الحديث عن ضمّها لإسرائيل، كما يتوهّم البعض، لا تليق بتفكير عاقل، فمِن جهة يفصلها عن الجولان، درعا والقنيطرة، كما أن الإسرائيلي الذي يتهيّب إعادة السيطرة على قطاع غزة عسكريّاً كيف له أن يُفكّر بالوصول إلى السويداء التي تبعد عنه أكثر من 100 كيلومتر. ولذلك، فإن رفع شعارات التخويف من «المشاريع الوهمية» ومحاربتها، يهدف في الأساس إلى فتح حروب افتراضية يجري القول في نهايتها: انظروا لقد أسقطنا المشروع.
جواد الصايغ
نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|