الصحافة

رفع العقوبات عن سورية...ما هي الأثمان وهل من دور لدمشق في محاصرة حزب الله؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعيدا عن الصفقات المالية الخيالية التي حققها الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال زيارته الخليجية، وبانتظار تبلور حجم وحقيقة الخلاف التكتيتي مع رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، وماهية انعكساتها على الملفات الساخنة في المنطقة، يمكن الحديث عن انطباع اساسي نجح الرئيس الاميركي في تظهيره وهو يشير الى ان المنطقة دخلت العصر الاميركي، الذي يحاول تشكيله بمزاجه الخاص، بعيدا عن قواعد الديبلوماسية المتعارف عليها.

وتحت "شعار اميركا اولا"، يعمل على تنظيم العلاقة بين حلفائه، واضعا حدودا لتقاسم المصالح بينهم في الساحات المشتركة.

اما المفاجأة التي طغت على الحدث فكانت اعلانه رفع العقوبات عن سورية، ولقاءه رئيس المرحلة الانتقالية احمد الشرع، وهي نقطة محورية وهامة جدا بالنسبة الى لبنان، الذي يعيش قهر الجغرافيا على حدوده الجنوبية والشرقية، وكلاهما تشهدان اختلالا خطرا غير مسبوق، في ظل وضع داخلي دقيق جدا.

ولان لا شيء دون مقابل بالنسبة للادارة الاميركية "الترامبية"، يبقى السؤال عن الثمن الذي ستدفعه دمشق، او الذي تم الاتفاق على دفعه، مقابل هذه الاندفاعة الاميركية تجاه الحكم الجديد. ولان المكتوب يقرأ من عنوانه، يبدو ان المخاطر المحدقة على الساحة اللبنانية اكبر من النتائج الايجابية المرتجاة من رفع العقوبات الاقتصادية على سورية. ووفق مصادر سياسية بارزة، تنحصر الاستفادة اللبنانية غير المحسومة في ملفين:

- اولهما العودة المفترضة للاجئين السوريين الى بلادهم، في حال عودة الدورة الاقتصادية وبدء اعادة الاعمار، وعندئذ ستنتفي حجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمنعهم من العودة. علما ان الرئيس الشرع سبق وربط عودتهم برفع العقوبات.

- الملف الثاني يتعلق بمساهمة لبنان في اعادة اعمار سورية، باعتباره محطة رئيسية لوجستية، خصوصا في الشمال. كما ان سقوط العقوبات يعني امكان الاستفادة من الربط الكهربائي من مصر والاردن عبر سورية. في المقابل، قد تخسر المصارف اللبنانية دورها في كل ما يرتبط بنظام "السويفت"، الذي استفاد منه السوريون بسبب الحظر على المصارف السورية.

اما المخاطر فيمكن تلمسها من خلال اكثر من عنوان: الاول يرتبط بتحول الساحة اللبنانية الى ملف ثانوي امام الاستحقاق السوري الذي سيتصدر المشهد، وسيكون المرآة التي سينظر من خلالها لاحقا الى الوقائع اللبنانية. اما العناوين الاخرى فبعضها معلن والآخر يحتاج الى وقت كي يتبلور. فسلة الشروط الاميركية المعلنة مقلقة، وقد يكون "المخفي اعظم". وقد لخصها البيت الابيض بالكشف عن ان ترامب دعا الشرع للانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية مع "إسرائيل"، وهو اعلن من قطر ان الرئيس السوري ابدى رغبته بذلك. وطالب ترامب الشرع بترحيل الفصائل الفلسطينية، التي تصنفها واشنطن "إرهابية" من سورية. كما طلب الرئيس الأميركي من نظيره السوري مساعدة أميركا في منع عودة تنظيم "داعش".

وفي الشق اللبناني، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية سام وربيرغ، واضحا خلال تصريحاته من الرياض بحصر الدعم الاميركي بالجيش اللبناني، وقال انه " يجب أن يبسط سيطرته على كلّ شبر من لبنان، وعلى الرغم من قوله ان ثمة تغييرات جذريّة في لبنان مع الرئيس الجديد والحكومة الجديدة، وتلميحه بوجود سطوة اميركية واضحة ، من خلال التأكيد ان بلاده لديها الإمكان للتواصل مع المسؤولين يوما بيوم وساعة بساعة، والإصغاء إلى احتياجاتهم وشكواهم، الا انه لم يوضح كيفية التعامل مع هذه الاحتياجات ولم يتحدث عن تلبيتها.

كان الرئيس الأميركي اكثر وضوحا في "منتدى الاستثمار السعودي- الأميركي" في الرياض، حيث قال "أسمع أن الإدارة الجديدة في لبنان محترفة وتريد الأفضل، نحن مستعدون لمساعدة لبنان على بناء مستقبل من التنمية الاقتصادية والسلام مع جيرانه، وعلى إقامة السلام معهم، وكان بوسعنا تفادي البؤس في لبنان"... وشنَّ ترامب هجوماً عنيفاً على حزب الله، فاعتبر أنه "نهب الدولة اللبنانية وجلب البؤس للبنان، وإيران نهبت دولة عاصمتها بيروت كانت تسمى باريس الشرق الأوسط". ولم ينس ترامب طبعا الاشادة بالحكام الجدد في لبنان، مجددا الرهان عليهم للمضي قدما في انقاذه.

لكن انقاذه ممن؟ لا يبدو الجواب صعبا، براي تلك المصادر، فالرئيس الاميركي مصر على "شيطنة" حزب الله، ولا يزال مصمما بالتفاهم مع حلفائه في المنطقة على ابقاء لبنان تحت الحصار المالي والاقتصادي، لانهم يعتقدون ان التغيير الذي يريدونه لا يحصل بالسرعة المطلوبة، على عكس التنازلات المتلاحقة والمتسارعة التي تقدمها الادارة السورية الجديدة، واهمها القطيعة مع ايران والاستعداد للتطبيع مع "اسرائيل"، ما اهلها لتحظى بالرضى التام وتحصل على "المكافأة".

لكن في لبنان الوضع مختلف، فلا تحولات دراماتيكية كما كان متوقعا بعد الحرب "الاسرائيلية"، لكن حتى الآن تقف الضغوط عند حدود منع الانفجار الداخلي الذي لا تريده دول الخليج، ولا تريده ايضا واشنطن، لكن يبقى اللاعب الاخطر "اسرائيل" التي تنظر بعين الريبة الى الاندفاعة "الترامبية". فالرئيس الاميركي لم يتوقف عند طلبها بعدم رفع العقوبات الآن عن سورية، وانحاز الى الموقف السعودي والتركي، ويبدو مصمما على التفاهم مع ايران، ويفاوض حركة حماس، وتوصّل الى وقف للنار مع انصار الله في اليمن، وهي تخشى من ضغوط تجبرها على وقف الحرب في غزة، دون تحقيق الاهداف المعلنة.

هذا الواقع يزيد من حالة القلق حيال مرحلة ما بعد انتهاء زيارة الرئيس الاميركي، حيث قد تفتعل "اسرائيل" الازمات لفرض وقائع لتغيير المشهد الحالي، علما ان تحركها مجددا في سورية التي تريدها مقسمة ، سيختبر حدود الهامش المتاح لها اميركيا، لتحسين مكاسبها هناك على حساب انقرة والرياض، فيما تجد تفهما اميركيا واضحا لضغوطها المستمرة على الساحة اللبنانية، ولا اجوبة واضحة حتى الآن حيال منسوب هذه الضغوط في المرحلة المقبلة، واحتمال تزامنها مع رفع اميركي لمنسوب الضغط على العهد والحكومة، لانجاز مهمة "حصر السلاح". ولا اجوبة واضحة عند المسؤولين اللبنانيين ، خصوصا عند رئيس الجمهورية، الذي يأمل ان يستمر التفهم لمقاربته المسؤولة ،اقله حتى تمرير الاستحقاق النيابي العام المقبل.

في الخلاصة، قد تكون تداعيات ما بعد زيارة ترامب اكبر من الزيارة نفسها، لانها مرحلة مهمة لتحديد مغانم حلفاء واشنطن في المنطقة، وثمة شكوك حيال حصول هذا التقاسم بسلاسة ودون مطبات، ولبنان لن يكون بعيدا عن هذه الارتدادات، خصوصا ان المخاطر لا تقتصر على الحدود الجنوبية، في ظل مؤشرات مقلقة حيال دور الحكم الجديد في سورية ازاء الساحة اللبنانية، ولا اجوبة واضحة عن المهمة الموكلة له في مواجهة حزب الله، ودوره في اضاعفه، وهي مهمة تقتصر اليوم على المساهمة في حصاره، ولا مجال لمعرفة كيفية تطورها في المستقبل، خصوصا بعد كلام الرئيس الاميركي وقبله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي تحدث امام الشرع في باريس عن مهمة مشتركة لضرب الحزب!؟

ابراهيم ناصر الدين -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا