قلق وهواجس وراء عودة الخليجيين الى لبنان!
فجأة ودون مقدمات، فتحت "كوة في جدار" الاجواء السلبية السائدة على الساحة اللبنانية، وكانت دولة الامارات سبّاقة بالسماح لرعاياها بالعودة الى لبنان، تزامنا مع حضور رئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي بدر السعد الى بيروت. هذه الخطوة حفزت المملكة العربية السعودية، لتسريع الخطى امام اعادة رفع الحظر عن منع السعوديين زيارة لبنان، ويرجح ان تتخذ هذه الخطوة عشية عيد الاضحى.
ما يطرح اكثر من علامة استفهام حيال هذا الانفتاح الخليجي، الذي يتناقض مع الواقع المتفجر الذي تغطيه واشنطن، في اطار استراتيجية الضغط الاقسى على لبنان، عبر اطلاق يد "اسرائيل" في لبنان والمنطقة، حيث تستمر الحرب بوتيرة منخفضة على كافة الاراضي اللبنانية المستباحة بالاعتداءات "الاسرائيلية"، فيما توسع حكومة اليمين المتطرفة سياستها العدوانية ضمن استراتيجية تغيير وجه الشرق الاوسط، حيث تفرض تقسيما واقعيا في سوريا مع تشجيع الفوضى، وتواصل مجازرها في غزة بهدف تهجير الفلسطينيين، وترفع منسوب حربها ضد اليمن وتهدد بضرب طهران. فما الذي تغير حتى تبدلت الاستراتيجية العربية- الخليجية؟ وهل تنجح في ابعاد لبنان عن "حريق" المنطقة؟
من الواضح ان ثمة تعارضا كبيرا بين الاستراتيجية العربية عموما والخليجية خصوصا مع الادارة الاميركية، التي لا تملك رؤية واضحة للوضع في الشرق الاوسط بعيدا عن المخططات "الاسرائيلية"، ووفق مصادر ديبلوماسية، لا توافق تام بين الرؤية الاماراتية والسعودية، لكن ما يقلقهما دعوة الرئيس دونالد ترامب رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو، الى تقاسم النفوذ في دول المنطقة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، باعتباره "الفاتح" الذكي الذي نجح بالسيطرة على سوريا ، باعتبارها "حجر الزاوية" لاعادة ترتيب المنطقة. وفي هذا السياق، تخوض الدول العربية الرئيسية سباقا مع الوقت، لحجز مكان لها في النظام الجديد الذي تحاول واشنطن فرضه كامر واقع، وبات التحدي مزدوجا اتجاه الاتراك و"الاسرائيليين".
وفي هذا الاطار، فان ثمة افتراقا خليجيا - اميركيا في اسلوب التعامل مع الملف اللبناني، حيث تصر واشنطن على سياستها غير المنطقية بالنسبة لهم، في عدم منح العهد الجديد وحكومته اي "دفعة على الحساب"، لمساعدتهما في اثبات قدرتهما على تقديم نموذج جديد للبنانيين لتنفيذ خطاب القسم والبيان الحكومي، ويعتقد العرب ان السلطة الجديدة تحتاج الى "اوكسيجين" ودعم مباشر، لمواجهة "سردية" حزب الله في ملف السلاح على نحو خاص، وهي ان كانت لن تذهب بعيدا في تجاوز العديد من "الخطوط الحمراء" الاميركية، الا انها تعمل ضمن هامش تحاول توسيعه قدر الامكان، لحفظ مصالحها وعدم تكرار سيناريو العراق بعد احتلاله من قبل الاميركيين، حينها انكفأوا وتركوا الساحة لايران، واليوم سقوط سوريا بيد "الاسرائيليين" والاتراك سينعكس على لبنان حكما، ولهذا لا ترغب في خسارة هذه الاوراق المهمة التي ستؤثر حكما على امنها القومي.
في البدء كان القلق من الاتراك، الذين يريدون السيطرة على سوريا وتحويلها الى دولة "اخوانية" تحت نفوذهم، وكاد خطرهم يتمدد الى لبنان لولا مسارعة السعودية بالعودة الى الساحة اللبنانية بقوة، حيث نجحت في فرض اجندتها بالتنسيق مع واشنطن. لكن التغول "الاسرائيلي" بدأ يثير "هلع" الدول العربية، خصوصا مع انكاشف الخطط "الاسرائيلية" لإنشاء ما يعرف بـ "ممر داوود"، الذي يبدأ من شواطئ البحر الأبيض المتوسط ويجتاز الجولان ودرعا والسويداء والرقة ودير الزور والتنف، وصولا إلى نهر الفرات في العراق...وإذا تم تحقيقه سيوفر "لإسرائيل" سيطرة كاملة على مناطق شاسعة تصل إلى الحدود العراقية –السورية، ويحول سوريا إلى كيانات درزية وكردية منفصلة، وتصبح "اسرائيل الكبرى" امرا واقعا تحكمها قوى متنافرة ومفككة، لا يمكن أن تشكل خطراً على "إسرائيل".
واليوم تعيش دول الخليج القلق من تفكك لبنان وسوريا والاردن والعراق، في ظل رغبة "اسرائيلية" واضحة لإعادة تركيب الجغرافيا في المنطقة، على أساس المكونات الطائفية والعرقية تحت عنوان يخفي التقسيم الفعلي.
هذه "الهواجس" دفعت الدول العربية الى تغيير مقاربتها اتجاه العهد والحكومة، لكنه تغيير تكتيكي، وفق مصادر سياسية مطلعة، بمعنى انه انفتاح "مشروط" بمعالجة سلاح حزب الله في اقرب فرصة ممكنة، لا تؤدي الى فوضى او حرب اهلية في لبنان. وتخشى كل من الرياض والامارات بان ترضخ واشنطن للضغوط "الاسرائيلية"، وترفع سقف ضغوطها على الدولة اللبنانية اكثر، لذلك تحاول ايجاد نوع من "حزام الامان" لحماية العبور المفترض الى المرحلة الجديدة، دون ان تسقط السلطة في اتون صراع داخلي ينسف الاستقرار. لكن في الوقت نفسه، لا تهاون في مسألة الاصلاح السياسي والاقتصادي، حيث تتنافس السعودية والامارات على الاستثمارات المقبلة، ولعل في طليعتها تأهيل مطار القليعات الذي يفترض ان يدخل في الخدمة خلال عام.
في الخلاصة، ثمة محاولة عربية لوقف الانهيار على الساحة اللبنانية، ومواكبة العهد ومساعدته على تثبيت حضوره الداخلي، باعتبارها الوسيلة الفضلى لتقليص نفوذ حزب الله، تمهيدا لبت ملف السلاح. وفيما يبقى نجاح هذه الاستراتيجية موضع شك اذا استمر "الزلزال" في الاقليم، الا ان المشكلة الجدية تبقى في عدم القدرة في التأثير على الاستراتيجية الاميركية، التي يقول ديبلوماسي عربي انها لا تزال "متذبذبة" وغير واضحة بسبب مزاجية الرئيس الاميركي، وثمة دفع جدي اليوم لمحاولة انقاذ سوريا، باعتبار ان تداعيات اي حدث هناك سيكون دراماتيكيا على الساحة اللبنانية، لكن الوضع صعب ومعقد للغاية في ظل كثرة اللاعبين وتضارب المصالح، ما يجعل "الطريق" في سبيل الحفاظ على وتيرة تصعيد منخفضة في لبنان مزروع بالالغام، التي تتحكم "اسرائيل" بصاعق تفجيرها.ولهذا يبدو الجميع في سباق مع الوقت، وتأمل دول الخليج بحصول اتفاق نووي بين واشنطن وطهران ، عله يشكل نقطة تلاق يمكن بعدها من اعادة ترتيب ملفات المنطقة.
ابراهيم ناصر الدين -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|