"أُعطِيَ الأمر من نيويورك"... تقارير إسرائيلية تكشف كواليس اغتيال نصرالله!
ممانعو لبنان: "وينيه الدولة؟"
يقيم في حياتنا الوطنيّة تناقض مركزي هو التالي: منذ كانت الجمهوريّة اللبنانيّة، لم يدمّر أحد احتمال تحويلها إلى دولة بقدر البيئة الممانعة فيها. وفي الوقت عينه، لا يشتكي أحد من غياب الدولة بقدر البيئة عينها. من يتابع الخطاب المستجدّ للبيئة التي وعدت بإزالة إسرائيل من الوجود، من دون أن تتمكّن من تدمير المطلّة على حدود لبنان في الحرب الأخيرة، سيقع على مفارقة كانت لتكون مضحكة لو أنّ أحوالنا تسمح بالضحك: من جهة، يطالب الخطاب الشيعي الدولة بإعادة إعمار الجنوب وبحمايته، ومن جهة ثانية، يتمسّك بالسلاح الأصولي غير الشرعي النافي للدولة من أساسها. بأيّ منطق؟
بدون أي أمل بإقناع الرؤوس الممانعة الحامية، أذكّر بما يلي: في العام 1967، خسرت مصر سيناء، وخسر الأردن الضفّة الغربيّة، وخسرت سوريا الجولان. كلفة استعادة مصر لأرضها كانت معاهدة سلام مع إسرائيل. أمّا سوريا والأردن، فقد خسرا الجولان والضفّة إلى الأبد. الدولة الوحيدة من دول الطوق التي لم تخسر أرضها آنذاك هي لبنان، وذلك تحديداً لأنّ المارونيّة السياسيّة – التي يكرهها الوعي الشيعي كثيراً – لم تصدّق الدعاية الناصريّة وتخرّصات أحمد سعيد عن قدرة العرب على "رمي اليهود في البحر". آنذاك، كانت الدولة دولة، لأنّها كانت سيّدة قرارها، وأيضاً، لأنّها امتلكت حصريّة السلاح على أرضها. ومذّاك، توالى علينا ثلاثة احتلالات نفت علينا حقّنا بالقرار الوطني المستقلّ، عنيت الزمر المسلّحة الفلسطينيّة، ثمّ الاحتلال السوري، ثمّ الهيمنة الإيرانيّة بالواسطة. هل ينتبه الوعي الشيعي المطالب بـ "الدولة" للدور المخرّب الذي لعبته القوى الشيعيّة الأساسيّة بالتواطؤ مع كلّ هذه الاحتلالات لتدمير الدولة التي يشكو من غيابها؟ ما أقصده هو التالي: الفلسطينيّون اتّكأوا على الأحزاب "الوطنيّة" للسيطرة على لبنان، وكان عماد مقاتليها شيعة. نظام حافظ الأسد استخدم حركة "أمل"، والإيرانيّون "حزب اللّه"، أي قوّتين شيعيّتين خالصتين. الفلسطينيّون والسوريّون والإيرانيّون اختلفوا على الكثير طبعاً، ولكنّهم التقوا على استجلاب العنف الإسرائيلي إلى الجنوب، وعلى استعماله كصندوق رسائل إقليمي على حساب أهله. وعندما ساعدتهم القوى الشيعيّة على ذلك، قادت بيئتها إلى النحر. من المسؤول، تالياً، عن خراب الجنوب؟ أهي "الدولة"، أم من أمعن بضربها بالتعاون من محرّكيه الإقليميّين؟
بالحقيقة، خرافة أنّ الدولة زمن الجمهوريّة الأولى تخلّت عن الجنوب هي هذه تحديداً: خرافة. العثمانيّون كرهوا جبل عامل لأسباب مذهبيّة قبل قيام الجمهوريّة اللبنانيّة. والفلسطينيّون والسوريّون والإيرانيّون استعملوا الجنوب منذ انهيار الدولة عام 1975 كما ذكرت. إن كان هناك من مرحلة واحدة ارتاح الجنوب فيها نسبيّا، فهي العقود الممتدّة بين 1920 و 1975. لن يقرّ الوعي الشيعي بذلك لأنّ هذه المرحلة كانت أيّام عزّ المارونيّة السياسيّة، وهذا الوعي مفطور على كراهيتها. تالياً، لن يعترف أحد للمارونيّة السياسيّة بأنّها حمت الجنوب عندما رفضت توريط لبنان بالصراع العربي – الإسرائيلي. ولن يقرّ أحد لها طبعاً بحقيقة مفادها أنّها ورثت جبل عامل من السلطنة العثمانيّة منطقة مفقرة، وأنّ الصعود الاجتماعي السريع للشيعة لاحقاً حقّق بأقلّ من خمسين عاماً ما كان ممنوعاً طوال أربعمئة سنة في ظلّ الباب العالي، عنيت بروز طبقة وسطى شيعيّة معلّمة ومزدهرة. وإن كان بقي في الجنوب فقر وحرمان فلأنّ طيّ صفحة أربعة قرون من بؤس جبل عامل واستهدافه كان يحتاج وقتاً، وهدوءاً، واستقراراً، وابتعاداً عن المحاور الإقليميّة، أيّ كلّ ما رفضته القوى الشيعيّة، من زمن "اليسار" الطائفي ومهدي عامل، إلى زمن "حزب اللّه". رحم اللّه، بالمناسبة، كامل الأسعد، وكاظم الخليل.
أفهم طبعاً أنّ البيئة الشيعيّة اليوم مأزومة وأريد لها أن تتعافى. لست غافلاً عمّا تعرّض له الجنوب أكثر من أيّ منطقة لبنانيّة أخرى منذ خمسة عقود متواصلة. لا أحد يستحقّ هذا القدر من المآسي المتناسلة، وصولاً إلى النكبة الأخيرة. آمل فقط لأهل الجنوب أن يفهموا بدورهم أنّ من نحرهم خرج من صلبهم، وأنّ مئة عام من الانحياز إلى كلّ من دمّر الدولة في لبنان لم ينفعهم بشيء. ما يمكن أن ينفعهم بالمقابل قليل من النقد الذاتي. الأمر عينه صحيح بالنسبة للجميع في لبنان، ولكن هذه مسألة أخرى لمقال آخر.
هشام بو ناصيف-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|