تعيين الهيئات الناظمة: معطيات تكشف التحوّلات المقبلة في الكهرباء والاتصالات
في خضم أزمات اقتصادية ومالية متشابكة تعصف بلبنان منذ العام 2019، برزت الحاجة الملحّة لإصلاحات بنيوية في مختلف القطاعات، وفي مقدمتها الكهرباء والاتصالات. قطاعان، يفترض أن يكونا رافعتين للاقتصاد الوطني، تحوّلا إلى عبء ثقيل على المالية العامة ومصدر دائم للهدر، سواء بسبب سوء الإدارة أو نتيجة التدخلات السياسية والطائفية المزمنة.
وقد شكل غياب الهيئات الناظمة، التي يفترض أن تكون المرجع التقني والقانوني المستقل، عن ممارسة دورها، أحد أبرز مظاهر الفساد والفشل في إصلاح هذين القطاعين .من هنا أتى تعيين الهيئات الناظمة أمس بعد سنوات من التعطيل، واستجابة لضغوط دولية متصاعدة، خصوصًا من صندوق النقد الدولي والدول المانحة التي طالما اعتبرت هذه الخطوة مدخلاً إلزاميًا لأي برنامج إنقاذ اقتصادي .فالهيئات الناظمة لا تقتصر وظيفتها على التنظيم الإداري، بل تشكّل ضمانة أساسية لإعادة هيكلة هذين القطاعين، وضبط الحوكمة، وتوفير بيئة قانونية وتشغيلية جاذبة للاستثمار والشفافية.
من هنا، تُطرح أسئلة جوهرية حول مغزى هذا التعيين: هل نحن أمام خطوة إصلاحية حقيقية؟ أم أنها محاولة شكلية لتمرير الوقت؟ وهل تستطيع هذه الهيئات أن تؤدي دورها بفعالية في ظل البنية السياسية الطائفية والضغوط المصلحية المعروفة؟ وما الذي سيتغير بعد انجاز التعيينات؟
أسئلة قد تكون أساسية لتحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا القرار، واستشراف تداعياته على الاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة.
يعتبر تعيين الهيئات الناظمة لقطاعي الكهرباء والاتصالات في لبنان خطوة حاسمة، على ما يؤكد خبراء اقتصاديون، معتبرين، انه بعد هذا التعيين، من المتوقع حدوث تغييرات جوهرية تؤثر على الاقتصاد والمجتمع اللبناني، وفقا للتالي:
على صعيد قطاع الكهرباء:
ـ تحسين جودة الخدمة: ستعمل الهيئة الناظمة على وضع خطة لزيادة ساعات التغذية بالكهرباء وتقليل الانقطاعات، من خلال مراقبة أداء شركة "كهرباء لبنان" ومقدمي الخدمة الخاصين.
ـ تشجيع الطاقة المتجددة: من المتوقع أن تُسهّل الهيئة الجديدة الإجراءات القانونية والفنية لإنتاج الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يساهم في تنويع مصادر الطاقة وخفض الاعتماد على المحروقات.
ـ فتح الباب أمام القطاع الخاص: ستُصدر الهيئة التراخيص اللازمة للشركات الخاصة للدخول في مجالي إنتاج وتوزيع الكهرباء، مما يخلق بيئة تنافسية ويخفف العبء المالي عن الدولة.
ـ تحسين الجباية والحد من الهدر: ستتولى الهيئة مسؤولية الإشراف على عملية جباية الفواتير ومكافحة التعديات على الشبكة، وهو ما سيساهم في تحسين الوضع المالي لقطاع الكهرباء.
اما على صعيد قطاع الاتصالات، فيمكن اختصارها بالنقاط التالية:
ـ تعزيز المنافسة: من المتوقع أن تعمل الهيئة على كسر احتكار الدولة لقطاع الاتصالات، مما يتيح للشركات الخاصة تقديم خدمات الإنترنت والاتصالات بشكل تنافسي. وقد بدأت بعض بوادر هذا التغيير بالظهور مثل الترخيص لشركة "ستارلينك".
ـ تحسين جودة الخدمات: سيؤدي التنافس إلى تحسين جودة خدمات الاتصالات والإنترنت، وزيادة سرعاتها، وتنوع الباقات والأسعار المتاحة للمستهلكين.
ـ حماية المستهلك: ستتولى الهيئة مهمة حماية حقوق المستهلكين، عبر وضع معايير للجودة ومعالجة الشكاوى، مما يضمن حصول المواطنين على خدمات عادلة وشفافة.
ـ جذب الاستثمارات: وجود إطار تنظيمي واضح ومستقل سيشجع المستثمرين على ضخ الأموال في البنية التحتية لقطاع الاتصالات، مما يساهم في تحديث الشبكات وتطويرها.
الا ان الابرز، يختم الخبراء، يبقى في التغييرات التي ستلحق بالدولة، على مستوى الحوكمة، وأبرزها:
ـ نقل الصلاحيات: ستنتقل صلاحيات تنظيم القطاعين من وزارة الطاقة ووزارة الاتصالات إلى الهيئتين الناظمتين، مما يقلل من التدخل السياسي ويضفي طابعاً مهنياً على الإدارة.
ـ الشفافية والمساءلة: ستُشرف الهيئتان على المناقصات والعقود، وتضع معايير شفافة للترخيص والتشغيل، مما يحدّ من الفساد والهدر في القطاعين.
ـ تحقيق شروط دولية: تعيين هذه الهيئات هو أحد الشروط الرئيسية التي وضعها المجتمع الدولي في مؤتمرات مثل "سيدر" للحصول على مساعدات وقروض ميسرة، مما يفتح الباب أمام دعم دولي أكبر للبنان.
في الخلاصة، هذه الخطوة ليست مجرد تغيير إداري، بل يفترض ان تكون بمثابة تحول استراتيجي يهدف إلى تحديث البنية التحتية، تحفيز الاقتصاد، وتخفيف الأعباء المالية عن الدولة، وهي جزء أساسي من خطة لبنان للتعافي الاقتصادي.
ميشال نصر-الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|