محليات

برّي يمنع حصول "جريمة"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ليس من عادته أن يقول كل ما يفكّر به، لكنه نادرًا ما يفعل شيئًا بلا حساب. الرئيس نبيه بري لا يتعامل مع الملفات الكبرى بوصفها قوانين فقط، بل كموازين قوى، وتقاطعات، وأثمان تُدفع أو تُؤجَّل. ومن يراقب موقفه من مشروع "الفجوة المالية" يخطئ إذا قرأه كتقلّب أو تناقض، بل هو إدارة لحظة شديدة الحساسية، لا تسوية عابرة.

يعرف بري أن لبنان يقف على خط فاصل، فإما تشريع يُقدَّم تحت عنوان "الانتظام المالي" فيما يُفهَم في الشارع على أنه تصفية لآخر ما تبقّى من حقوق، وإما تعطيل فجّ يعيد لبنان إلى خانة الدولة الرافضة لأي إصلاح. وبين هذين الخيارين، اختار بري المسار الثالث، لا قبول ولا إسقاط مباشر.

حين قال بري إن المشروع "إعدام للودائع، لم يكن يخاطب الحكومة ولا الكتل النيابية فقط، بل الرأي العام، والانتخابات المقبلة، والقلق الاجتماعي المتراكم منذ سنة 2019. هو يدرك أن أي توقيع سياسي على قانون يُفهم كتنازل عن الودائع، هو توقيع على نهاية شعبية مؤكدة. لذلك كان الموقف عالي السقف، حاسمًا في اللغة، وقاطعًا في العنوان.

في المقابل، لم يُقفل بري الباب مؤسساتيًا. لم يمنع المشروع من الوصول إلى المجلس، ولم يعلن رفضًا إجرائيًا مسبقًا. هذه ليست ازدواجية، بل فصل متعمّد بين الخطاب السياسي ومسار المؤسسات. بري لا يريد أن يُقال إن المجلس النيابي أقفل باب النقاش أو تحدّى الخارج. هو يفضّل أن يدخل المشروع "ممرّ اللجان"، حيث تُفكَّك الأرقام، وتُعاد كتابة النصوص، ويُستهلك الوقت ويُرفع الغضب عن الرؤوس الكبيرة.

ما يفكّر به بري يمكن اختصاره بمعادلة أن لا يمكن إنقاذ الدولة إذا انفجر المجتمع، ولا يمكن إقناع الخارج بإصلاح يُسقِط الداخل. لذلك يرفض أن يكون شاهد زور على قانون غير ناضج، كما يرفض أن يكون رئيس مجلس يعطّل كل المسارات. إنه يراهن على الوقت، وعلى تعديل موازين النقاش، وعلى أن تتغيّر الصيغة قبل أن يُطلب منه اتخاذ القرار النهائي.

الأرجح أن بري لا يؤمن بأن هذا المشروع سيُقرّ كما هو. لكنه يعرف أيضًا أن إسقاطه فورًا قد يضعه في مواجهة مباشرة مع ضغط دولي هو في غنى عنه في هذه اللحظة. لذلك يختار الأسلوب الذي أتقنه منذ عقود، وهو تمرير الملف إلى حيث يمكن التحكم بإيقاعه لا إلى حيث يُفرض الإيقاع عليه.

في الخلاصة، نبيه بري لا يسأل اليوم إذا كان هذا القانون جيد أم سيئ فقط؟ بل يسأل عن من يتحمّل كلفته؟ ومتى؟ وبأي ميزان قوى؟ وحتى الآن، قراره واضح، هذه الكلفة لن تُدفع الآن، ولا بهذه الصيغة، ولا على حساب المودعين، ولا على حساب الاستقرار السياسي. أما الباقي، فمتروك للوقت، وهو اللاعب الذي لا يزال بري يعرف كيف يستخدمه جيدًا.

محمد المدني-ليبانون ديبايت

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا