ولعت بين سعيد والبساط على "تراتبيّة الخسائر"
من المُقرّر أن يعقد مجلس الوزراء جلسة ثانية اليوم لاستكمال النقاش في مشروع «قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع»، بعدما أقرّ الموادّ الأربع الأولى وأجرى تعديلاً جذرياً في المادة الثالثة يجعل نطاق تطبيقه يشمل كلّ الحسابات المصرفية قبل تاريخ 17/10/2019 وبعده بالإضافة إلى شمول كل الحسابات المصرفية بهذه العملية بدلاً من حصرها بالحسابات بالعملات الأجنبية. وبيّن النقاش حول المادة الرابعة التي تتعلّق بتراتبية توزيع الخسائر ورسملة المصارف، وجود تباينات في الرأي بين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد والوزير عامر البساط، لكنها لم تخلص إلى إجراء أيّ تعديل في هذه المادة.
في بداية الجلسة طُلب حضور حاكم مصرف لبنان كريم سعيد «حتى نوقف الشائعات المتمادية عن وجود انقسام في الرأي بين أعضاء اللجنة الوزارية المُكلّفة بصياغة مشروع القانون، والحاكم، وحتى يظهر أن الحاكم مُشارِك في صياغة هذا المشروع كما هو الواقع» وفق أحد الوزراء.
هكذا انطلق نقاش عام في مشروع القانون، اشترك فيه إلى جانب الحاكم، عدد من الوزراء بينهم وزير المال ياسين جابر، وزير العدل عادل نصّار، وزير الاقتصاد عامر البساط، وزير الصناعة جو عيسى الخوري، وزير الطاقة جو الصدّي، وزير الاتصالات شارل الحاج ووزير الإعلام بول مرقص.
وكان لكل فريق بعض الملاحظات التي حملها معه سواء بشأن بعض التعريفات أو بشأن عدم وجو موادّ تنصّ على المحاسبة والمُساءلة وعلى مدى التزام الدولة تجاه الخسائر التي يمكن أن يسجّلها مصرف لبنان، ما سيجعلها بشكل ملتوٍ شريكة أساسية في تحمّل الخسائر... واستمر النقاش مدةَ نصف ساعة تقريباً، ثم قرّر رئيس الجمهورية جوزف عون إنهاء النقاش العام والانتقال إلى دراسة موادّ المشروع مادّة مادّة، انطلاقاً من العنوان ثم التعريفات وصولاً إلى المادة الثالثة وعنوانها «نطاق تطبيق القانون».
تنصّ هذه المادة على أن النطاق يشمل الخزينة العامة ومصرف لبنان والمصارف وكل الحسابات بالعملات الأجنبية المتكوّنة لدى مصرف لبنان والمصارف قبل تاريخ 17/10/2019. سُجّلت بعض الاعتراضات عليها اعتباراً من أنها تلحظ حصراً العملات الأجنبية بتاريخ محدّد. سأل عيسى الخوري عن تحديد هذا التاريخ والحصرية بالعملات الأجنبية، طالباً شمول كل الحسابات بالليرة والدولار في الفترة ما قبل وبعد التاريخ المذكور لأن الحسابات بالليرة هي الأكثر تضرّراً وأصحابها هم «المعتّرون» الذين لم يكن لديهم من ينصحهم بتحويلها إلى الدولار ولم يكن لديهم نفوذ لدى المصارف لتحويلها. تلقّى جواباً بأن الكلفة ستصبح كبيرة في حال شمول هؤلاء، لكن استقرّ رأي الغالبية في المجلس على تعديل المادة لتشمل كل الحسابات بالليرة والدولار وقبل التاريخ المُحدّد وبعده.
وعندما انتقل النقاش إلى المادة الرابعة بدأت تظهر التباينات بين الحاكم سعيد والوزيرين البساط وجابر. فالمادة الرابعة تتعلق بتراتبية توزيع الخسائر وتحدّد مسارها بأن يُجرى تقييم لجودة أصول مصرف لبنان لتحديد حجم الخسائر ثم تطبيق توزيع الخسائر على مصرف لبنان ثم على المصارف ضمن حدود أموالها الخاصة وفرض إعادة الرسملة على المصارف. وهذه المادة كانت محور الخلاف الأساسي مع صندوق النقد الدولي أيضاً الذي طلب أن توزّع الخسائر بطريقة التراتبية التي تصيب رساميل المصارف أولاً ثم سائر الدائنين.
وقال سعيد في الجلسة، إن معيار المحاسبة الدولي لا يفرض شطب الرساميل أولاً كما يريد صندوق النقد الدولي، بل يسمح بـ«تنظيف» ما يمكن تصنيفه بأنه خسائر مُحقّقة أولاً قبل الانتقال إلى شطب الأموال الخاصة (الرساميل).
وبرأي سعيد، يجب، بعد تحديد حجم الخسائر، اللجوء إلى الإجراءات الآيلة إلى عملية «التنقية» وإذا بقي شيء من رساميل المصارف يتم تحويله إلى الشطر الثاني من الرساميل (Tier 2)، ما يساعد المصارف على احتساب نسب الملاءة (المؤشرات المطلوبة بموجب المعايير الدولية) لكنّ المبالغ المُحالة إلى الشطر الثاني لن تُستعمل نهائياً في عملية إعادة الرسملة بالحدّ الأدنى من المقدّمات النقدية، أي إن هذه التراتبية تفرض على المصارف الحدّ الأدنى من الرسملة التي سيطلبها مصرف لبنان وستؤدّي إلى شطب كل الرساميل في المرحلة النهائية. وفي المقابل يتبنّى البساط وجابر مقاربة صندوق النقد الدولي القائمة على الشطب أولاً لغاية حدود الرساميل أو الأموال الخاصة، ثم البدء بإجراءات الرسملة والتنقية.
كذلك اعترض جو عيسى الخوري على الفترة الممنوحة للمصارف لإعادة الرسملة والتي تصل إلى خمس سنوات، مُطالِباً بأن تكون سنتين فقط. لكن لم يصر إلى أي تعديل في المادة الرابعة. وفيما قال وزير الإعلام عند إذاعة المقرّرات الرسمية، إن هذه المادة أُقرّت، يعتقد بعض الوزراء أنه سيعاد البحث والنقاش فيها مجدّداً في جلسة اليوم.
يقول أحد الوزراء، إن غالبية التعديلات، باستثناء تلك التي أصابت المادة الثالثة من القانون، جاءت إنشائية - قانونية، مستغرباً ردّة الفعل العنيفة التي أبدتها المصارف تجاه مشروع القانون «لأنه لم تعجبها فكرة ردّ الأموال المذكورة في القانون».
لكن من الواضح أن الحاكم يرغب في إبقاء أكبر عدد ممكن من المصارف على قيد الحياة وإعادتها من حالة «الزومبي» بأضرار تناسب استمراريتها، ولا سيما أن مشروع القانون صُمّم ليتوازن بين «إعادة إحياء المصارف، وإنصاف المودعين» وفق ما قال مرقص في بيان المقرّرات الرسمية، وأنه يراعي مصالح الأطراف كافة: «مصرف لبنان، المصارف، المودعون، صندوق النقد الدولي». بمعنى آخر، إنه تسوية مطروحة على الطاولة، وليس قانوناً يعاين الأزمة ثم يوزّع المسؤوليات على أساس دور كل طرف فيها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|