هكذا سقطت المقاطعة... واستعاد بري المبادرة
في لحظة سياسية دقيقة، نجح رئيس مجلس النواب في تأمين النصاب القانوني للجلسة التشريعية، وكسر المقاطعة التي رفعتها كتل وازنة، في خطوة لم تكن تفصيلا إجرائيا، بقدر ما شكّلت حدثا سياسيا بامتياز، أعاد خلط الأوراق النيابية، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاشتباك السياسي عنوانها: عودة المجلس إلى العمل... ولكن بشروط مختلفة.
فمنذ أسابيع، كان واضحا أن سلاح المقاطعة النيابية عاد ليشكّل أداة ضغط فعّالة، سواء للاعتراض على جدول الأعمال، أو لفرض توازنات سياسية جديدة. غير أن ما حصل في الجلسة الخميس أظهر أن هذا السلاح لم يعد مضمون النتائج، في ظل قدرة رئاسة المجلس على تفكيك جبهة المقاطعة وتأمين النصاب، من خلال مزيج مدروس من الاتصالات السياسية، والضغوط المعنوية الداخلية والخارجية، والاستناد إلى منطق "الضرورة التشريعية"، المرتبط بالملفات المالية والاقتصادية الداهمة، على ما تقول مصادر وسطية.
وتتابع المصادر أن نجاح تأمين النصاب لم يأتِ من فراغ، اذ أدرك رئيس المجلس أن استمرار التعطيل، يحمّل البرلمان كلفة سياسية متزايدة أمام الرأي العام، ويضع القوى المقاطِعة في موقع من يعطّل ما تبقى من مؤسسات الدولة، وهو ما نوقش مع أكثر من موفد دولي، آخرهم جان ايف لودريان، الذي فعل فعله في دفع بعض الكتل إلى إعادة حساباتها، فاختارت الحضور أو خفّفت من سقف اعتراضها، ما أدى عمليا إلى كسر المقاطعة وإفراغها من مضمونها.
اما سياسيا، والكلام للمصادر، فقد كرّست هذه الخطوة موقع رئيس مجلس النواب كلاعب محوري، قادر على فرض إيقاع العمل التشريعي، حتى في ظل الانقسامات الحادة، موجهة رسالة واضحة مفادها أن إدارة اللعبة البرلمانية لا تزال ممكنة، وأن التعطيل الشامل لم يعد خيارا مريحا كما في مراحل سابقة، خصوصا في ظل الضغوط الدولية والمالية، التي تدفع باتجاه إبقاء المؤسسات الدستورية في حالة عمل.
من جانبها، لم تُخفِ أوساط أطراف المعارضة، التي قاطعت أو تحفظت على الجلسة، انزعاجها مما جرى، معتبرة أن تأمين النصاب بهذه الطريقة يكرّس منطق الغلبة العددية على حساب التوافق الوطني، معتبرة ان ما حصل يفتح الباب أمام جلسات تشريعية من دون حدّ أدنى من التفاهم السياسي، قد يؤدي إلى تعميق الانقسام، ويحوّل البرلمان إلى ساحة مواجهة مفتوحة بدل أن يكون مساحة تسوية.
وتتابع الاوساط، بان مواقف نواب بعض الكتل التي صدرت خلال الساعات الماضية، تكشف ان "الاكثرية" التي شاركت ليست ثابتة، وان تأمين النصاب جاء على القطعة، بمعنى ان ما حصل لن يطال القضية الاساس، اي قانون الانتخابات، الذي ستبقى التوازنات حوله على ما هي عليه، متوقعة انتقال المعركة الى الشارع كوسيلة ضغط جديدة، بعدما سقط سلاح المقاطعة عمليات واهميته، مع تمرير اقرار قانون قرض البنك الدولي، الذي شكل اساس "التسوية".
لكن، وبغضّ النظر عن التباينات في القراءة، فإن كسر المقاطعة أدخل الحياة البرلمانية في مسار جديد، عنوانه نقل الصراع من خارج المجلس إلى داخله، بنظر "الاكثرية الجديدة"، التي ركزت مصادرها على الدعامة القوية التي امّنها "تحالف" بعبدا - عين التينة، حيث اعلن رئيس الجمهورية بشكل واضح قبل ساعات من الجلسة عن "ارادته" بانعقاد الجلسة، وردت عليه معراب بفتح النار على "الترويكا"، واضعة كرة نار قانون الانتخابات في ملعب رئيس الجمهورية.
من هنا، وفقا للمصادر، فان الأثر الأبرز لهذه الخطوة يتصل مباشرة بملف قانون الانتخابات، اذ مع تثبيت قدرة رئاسة المجلس على تأمين النصاب، يصبح فتح هذا الملف الحساس أكثر واقعية من أي وقت مضى، مشيرة إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد إحياء النقاش حول تعديلات انتخابية، سواء بشكل جزئي أو عبر طرح صيغ جديدة، مستندة إلى واقع أن البرلمان بات قادرا على الانعقاد واتخاذ قرارات مفصلية، رغم تزايد المخاوف لدى المعارضة، من أن يُستثمر هذا المناخ لفرض قانون انتخابي لا يراعي هواجسها، مع ما يحمله ذلك من توترات سياسية وطائفية.
في الخلاصة، يمكن القول إن نجاح رئيس مجلس النواب في تأمين النصاب شكّل انتصارا تكتيكيا أعاد الاعتبار لدور المؤسسة التشريعية، لكنه في الوقت نفسه فتح بابا واسعا على تحديات سياسية كبرى. فالبرلمان عاد إلى الانعقاد، نعم، لكن السؤال الأهم يبقى: هل سيُترجم هذا الحضور إنتاجا لتسويات وطنية كبرى؟ أم أنه سيحوّل المجلس إلى ساحة مواجهة دائمة، عنوانها الأبرز قانون الانتخابات ومعركة السلطة المقبلة؟
ميشال نصر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|