توماس بارّاك يحرّك الملف اللبناني..والهيبة سقطت على مشارف كسر سلاح الحزب
في قلب لبنان، يبدو المشهد وكأنه زلزال مكتوم، فالبلد يتحرك فوق فالق مفتوح تصطدم فيه صفيحتان لا تعرفان التعايش، صفيحة نفوذ سقطت في دمشق، وأخرى محاصرة في بيروت.
الأيام الأخيرة لم تكن مجرد احتجاجات أو موجة غضب عابرة، بل بداية انقلاب كامل على توازن القوى الذي حكم البلاد لعقود، فسقوط النظام السوري العام الماضي وتولي أحمد الشرع السلطة لم يكن حدثًا ثانويًا، بل نقطة انطلاق لدمشق الجديدة، التي لم تعد ظلًا سياسيًا فوق لبنان، بل لاعبًا يسعى لاستعادة نفوذه بشروطه وأدواته الجديدة، بعيدًا عن زمن الأسد.
تحول في الشارع اللبناني
في الشوارع اللبنانية، لم يكن رفع الأعلام السورية مجرد احتفال، ولم يكن رد الشارع المقابل مجرد غضب، بل كان إعلانًا علنيًا بأن الخريطة الطائفية تغيّرت، وأن البيئة التقليدية للحزب باتت على تماس مباشر مع جمهور متحدٍ لا يقبل التراجع.
الهيبة التي كانت تكفي لترهيب الشوارع لم تعد قائمة، وميزان الرهبة بدأ بالانهيار، ليصبح السقوط أعمق من مجرد لحظة غضب، إنه انهيار سياسي كامل.
في هذا المشهد نستذكر تحذير الرئيس نواف سلام منذ أشهر والذي بدأ يكتسب بعدًا جديدًا، فعبارته الصريحة (يمكن أن يضع شارعًا ضد شارع، وهذا ما أرفضه) ليست مجرد دعوة للتهدئة، بل اعتراف بأن قواعد اللعبة القديمة تتفكك، وأن الدولة تقف على حافة فقدان القرار لصالح الشارع، وأن توازن السلاح والسياسة قد سقط.
شارع جاهز للصدام
الرسالة واضحة (الشارع الآخر أصبح جاهزًا، وقد يسبق الجميع إلى الميدان، ما يجعل الصدام احتمالًا حقيقيًا لا يمكن تجاهله).
وفي الوقت نفسه، تعيد اللغة السياسية المسيحية تعريف نفسها، فتهنئة رئيس حزب القوات سمير جعجع للشرع والرسائل غير المباشرة من أوساط القوات ليست بروتوكولًا، بل إعادة تموضع استراتيجية. القوى المسيحية ترى في دمشق الجديدة فرصة للانتقال من موقع الدفاع إلى موقع الشراكة، وهنا نستذكر أيضًا تصريح جعجع القاطع (حزب الله أعاد لبنان مئة عام إلى الوراء) الذي لم يكن مجرد نقد، بل إعلانًا صريحًا عن نهاية التسامح مع فائض القوة، وتحديد اتجاه البوصلة المسيحية (لا غطاء بعد اليوم لأي طرف يريد فرض المعادلة بالسلاح).
في هذا السياق فإن تصريح المبعوث الأميركي توماس بارّاك منذ يومين حول ضرورة (جمع سوريا ولبنان) في إطار واحد ليس فلسفة سياسية، بل رسالة واضحة (ضبط الحدود، ضبط النفوذ، وضبط السلاح). فالمجتمع الدولي لم يعد مستعدًا لرؤية لبنان ساحة مفتوحة أمام قوة عسكرية غير شرعية، ولن يسمح بمعادلة تجعل بيروت رهينة حسابات إقليمية تتآكل.
الاستراتيجية الإسرائيلية: من الاحتواء إلى التجريد
وفي ظل هذا الضغط الدولي، تتحرك إسرائيل بحسابات دقيقة، فالضربات المتتالية لم تعد جزءًا من استراتيجية (الاحتواء) بل من استراتيجية (التجريد)، تجريد الحزب من القدرة على التصعيد، ودفعه إلى زاوية لا مخرج لها.
كل ضربة، وكل صمت متتالٍ يوسع الفجوة بين سردية القوة وسردية الواقع، ويجعل الجمهور نفسه يعيد تقييم ثمن الاحتفاظ بالسلاح مقابل الثمن الاجتماعي والسياسي الذي يدفعه.
مع تزامن كل هذه العناصر (تحذير سلام، لغة جعجع، نداء بارّاك، والضغط العسكري الإسرائيلي) تتضح المعادلة: أمام الحزب خياران لا ثالث لهما، إما القبول بإعادة صياغة دوره، وتفكيك جزء من نفوذه العسكري ضمن تسوية مفروضة، أو المجازفة بالرد والدخول في مواجهة ستفتح الباب لإجراءات قسرية داخلية وخارجية لا قدرة له على صدها.
الشارع يستعيد المبادرة
الشارع الذي خرج بالأعلام السورية أو اللبنانية لم يكن مجرد جمهور يحتفل أو يعترض، بل كان إعلانًا صريحًا بأن احتكار القوة انتهى، وأن من كانت تُرهبهم السطوة صاروا الآن في موقع المبادرة.
الخطر الحقيقي اليوم لا يكمن في مشهد المسيرات وحده، بل في التزامن المحكم بين الرسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية. التحذير من (شارع مقابل شارع) لم يعد مجرد تنبيه، بل وصفًا لواقع محتمل.
اللغة المسيحية لم تعد رمادية، بل هجومية. الضغط الأميركي لم يعد أمنية، بل إطارًا ملزمًا. الضربات الإسرائيلية لم تعد استثناء، بل إيقاعًا يوميًا.
الشارع الذي خرج بالأعلام السورية أو اللبنانية لم يكن مجرد جمهور يحتفل أو يعترض، بل كان إعلانًا صريحًا بأن احتكار القوة انتهى
لحظة حاسمة لإعادة توزيع السلطة
كل هذه العناصر تقود لبنان إلى لحظة حاسمة، إما أن تُحسم مسألة السلاح عبر الدولة، أو تُحسم رغم الدولة.
هذه ليست أزمة عابرة، بل انتقال سياسي كامل، ليست ضوضاء شوارع، بل مقدمات إعادة توزيع السلطة.
ومن يعرف تاريخ لبنان يدرك أن سقوط الهيبة يسبق دائمًا سقوط السلاح، وأن الشارع حين يتحرك ينقل القرار من يد القوة إلى يد التوازن.
اللحظة الراهنة هي لحظة كتابة قواعد اللعبة، فمن يمتلك الأرض سيكتب الفصل التالي، ومن يكتفي بالصمت سيقرأ نهايته قبل أن تُكتب…
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|